من داخل شقة بمصر الجديدة .. تقارير ومعلومات خطيرة عن دور جهاز مخابرات قطر في نشر الفوضى والإرهاب في “دول الجيران” :13 جنسية غير قطرية كانت تعمل في “الجهاز” لإفشاء أسرار “الحكام العرب” !

701

شاء القدر أن يتم اختيار اللواء محمود منصور بعناية لتأسيس جهاز المخابرات العامة القطري عام 1988 لوقف أطماع ‘الدولة الصفويّة الإيرانية في التغلغل في شبه الجزيرة العربية واختراق دول الخليج العربي.

وعلى غير عادة رجال المخابرات، يكشف اللواء محمود منصور، في هذه المقابلة الكثير من الأسرار والتفاصيل الدقيقة للمرة الأولى عن فترة عمله في جهاز المخابرات القطري لأكثر من 8 سنوات، منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدماه أرض الدوحة، مرورا بملفات عدة كان شاهدا عليها، من انقلاب ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة على أبيه بإيعاز أمريكي، وموجات التطبيع القطرية المتسارعة مع إسرائيل، واحتضان الإخوان، والتآمر على السعودية، وصولًا إلى لحظة تقديم استقالته المُسببة مع نهاية عام 1996 بعد خروج الجهاز المخابراتي القطري جذريا عن المبادئ التي نشأ عليها.
في مكتب منصور بمنطقة مصر الجديدة، والذي يعجّ بالعشرات من النياشين وأنواط التكريم العسكرية، امتدّ اللقاء المُطوّل إلى أكثر من 9 ساعات متواصلة، للحديث عن أحداث كبرى وتحولات عاصفة غيّرت مجرى السياسة القطرية من النقيض إلى النقيض.
بدأ منصور حديثه عن كواليس تكليفه بمهمة عمله الجديدة في قطر، بقوله: ‘كانت هناك مناقشات رفيعة بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، أقرّت آلية لإعادة تأهيل بعض الأجهزة الأمنية، هذا ما عرفتُه لاحقا. اُستدعيت صباح الأول من يونيو 1988 للقاء اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الأسبق، أكد سليمان الأخطار التي تحدق بالأمن القومي العربي، وأهمها أطماع الدولة الفارسيّة في الخليج العربي وحلمها القديم المتجدد في إعادة ميراث بلاد فارس، واستخدام ورقة المعارضة كهدف استراتيجي نحو الانطلاق إلى السيطرة على شبه الجزيرة العربية.

وأوضح سليمان في الاجتماع الخاص ‘من منطلق مسؤولية مصر تجاه أمتها العربية، تم اختياركم لمهمة قوميّة خارج الوطن، فقد تقرّر تشكيل مجموعات من الضباط الحاضرين بالتنسيق والإعداد مع دول المشرق العربي لتشكيل حائط صدّ ضد الدولة الصفويّة، بإنشاء أجهزة مخابرات قوية لهذه الدول. ويشير منصور ‘جاء اختياري أنا والزميل اللواء مروان عبد الحكيم كمسؤولين عن دولة قطر، وتحدّد وقت السفر في الأول من يوليو أي بعد أقل من ثلاثين يوماً فقط.
الانطباعات الأولى وكيفية سير الأمور مع وصول منصور إلى الدوحة لممارسة مهام عمله كانت مزعجة – كما يقول ‘وصلت إلى مطار الدوحة فجر الثاني من يوليو1988. أنهيت الإجراءات ووصلت إلى مقر الإقامة المؤقت في شارع (ابن محمود) بالدوحة، لحين تدبير سكن وتأثيثه. في الصباح الباكر من اليوم التالي توجهت إلى مقر العمل وتعرفت على رئيس شؤون ضباط الدائرة، وفوجئت بأنه غير قطري! كما التقيت رئيس الدائرة وكان أيضاً غير قطري، لدرجة أن أحدهم كان من دولة آسيوية ولا يتحدث العربية وكان مسؤولاً عن دائرة الاتصالات في الجهاز، وهذا أمر جدّا خطير، كنت في غاية التعجب والاندهاش، جهاز مخابرات يضم (كوكتيل) من الجنسيات، كيف هذا؟!.

أول لقاء مع ولي العهد حمد بن خليفة
ويستطرد منصور: ‘بعد ثلاثة أسابيع من تسلّم مهام عملي كان أول لقاء مع ولي العهد حينها حمد بن خليفة آل ثاني، بدأ اللقاء في الثانية عشرة ظهرا في الديوان الأميري، وطلب مني ولي العهد توضيح رؤيتي لدائرة المخابرات العامة القطرية، لخصتها في نقاط عدة، كان من أهمها حتمية (تقطير) الجهاز، واقتصاره على القطريين فقط، فلا يُعقل أن يشتمل جهاز مخابراتي على جنسيات أخرى من غير أبنائه، كان يضمّ أكثر من 13 جنسية غير قطرية! مع ضرورة استبعاد المنهجية العتيقة المعمول بها في الدائرة، فقد كانت خاصة بأسلوب عمل القوات العسكرية البريطانية خلف البحار ضد أعداء الإمبراطورية البريطانية، وغير المتعلمين من القطريين والذين ليس لهم مهام محددة يجب إحالتهم إلى التقاعد تدريجيّاً.

بحسب منصور لم يكن رئيس جهاز المخابرات العامة القطري حتى تاريخ وصوله إلى الدوحة قطريا، وهو ما أكدّه قائلاً: ‘بعد ثلاثة أيام من اللقاء الأول عقدنا لقاء ثانياً مع ولي العهد وافق فيه على (تقطير) الجهاز تدريجيا، وتم تعيين الشيخ حسن بن عبد الله آل ثاني رئيسا للجهاز، وكان أول رئيس للجهاز قطري الجنسية، وقد كان وقتئذ عائداً من الولايات المتحدة الأمريكية التي أنهى فيها دراسة إدارة الأعمال، كما كان شقيق وزير الدفاع القطري حينها، ثم حُددت على الفور مهام الجهاز بعد تعديل مسمى الدائرة ليكون جهاز المخابرات العامة القطري، وانتقلنا إلى مقر جديد يقع بين إطفائيي (وادي السيل) و(فريق بني عمران) بالقرب من مبنى التلفزيون القطري.
مخابرات قطر ‘مقهى للسوالف

بعد تولي مهام تأسيس الجهاز، اكتشف منصور أن دائرة المخابرات العامة القطرية لم تكن إلا ‘مقهى للسادة المديرين، يقول ‘لقد كان العاملون يقضون وقت الدوام في السوالف (الأحاديث الجانبية) وكانت الدائرة مجرد مكتب للمخبرين، يديره غير قطريين، مهمتهم جمع تقارير أسبوعية عما يدور في المجالس القطرية التي تشبه صالونا كبيرا يجتمع فيه القطريون كل مساء للمسامرة، وكان المواطنون يعلمون أن هذا (المندسّ) يتجسس عليهم فكانوا شديدي الحرص، كان الدرس الأول لهم أن يحترموا خصوصية المواطن والمُقيم والأعراف والتقاليد، وذلك بعد إجراء مقابلات عدة لاختيار مجموعة قطرية مميزة يتوافر فيها السمات اللازمة لضابط المخابرات، وتدريبهم وتوزيعهم على الشُعَب المطلوبة، وبدأنا العمل بشكل جديّ ومنهج علمي جديد، كما حددت اختصاصات جهاز المخابرات العامة القطري، فقمت بفصل الاختصاصات بين الأجهزة الأمنية الأخرى كالمباحث على سبيل المثال. أول ‘فاجعة قابلها اللواء منصور بعد تسلّم مهام عمله الجديد -على حد وصفه- كانت بعد أشهر قليلة، وتحديداً مع نهايات عام 1988، يقول منصور: ‘سجّلت تحرياتنا فساد الشيخ حمد بن جاسم، حيث كان يشغل آنذاك مدير مكتب وزير الشؤون البلدية، فضلاً عن عدم التزامه الأخلاقي والديني، وكانت وزارته تتولى بناء منازل القطريين، وكان بن جاسم يرفض إعطاء تصاريح البناء لشركات المقاولات والبناء إلا بعد تقديم رشاوى وعمولات وسمسرة، وكان مبلغ الرشوة 500 ريال قطري مقابل التصريح الواحد، كان أمرا مشينا ومخزيا، وبالفعل رفعنا تقاريرنا إلى ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة بسلوكيات الشيخ حمد بن جاسم وتورطه في تلقي الرشاوى، لكن لم يحدث شيء.
تزوير وثائق تاريخية بشأن جزر حوار

عن أبرز الملفات التي شكّلت علامة فارقة في عمله في المخابرات القطرية بعد تأسيسه، يتذّكر منصور واقعة وصفها بـ’الفضيحة التاريخية، قائلا: ‘في عام 1986 نشب نزاع بين قطر والبحرين بسبب الحدود البحريّة بينهما والسيادة على بعض الجزر وإدارتها بمعرفة بعض القبائل الموالية لآل خليفة. (أُثيرت القضية عام 1939 بعد قرار بريطانيا الاعتراف بأرخبيل جزر حوار للبحرين ولم تعترف قطر بذلك، وتدخلت السعودية لإيقاف النزاع المسلح، وتم تحويل القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وأصدرت حكمها في 7 مارس 2001 بتأكيد سيادة البحرين على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة وفشت وأبو تور، وسيادة قطر على جزيرة جنان ومنطقة الزبارة وفشت الديبل، في تلك الفترة كان قد تم تكُلّيف جهاز المخابرات القطري بتوفير أدلة تاريخية تثبت تبعية جزر حوار لقطر، فتطوّع النقيب جابر المري للقيام بتلك المهمة، وادّعى أنه قادر على توفير هذا الدليل، وطلب بالفعل الإذن بالمغادرة إلى البحرين وعاد بعد أربعة أيام، ومعه ما ادّعى أنه دليل مقابل 4 ملايين دولار، واُستعين بالخبير المصري العالمي رياض فتح الله بصلة، ليتولى الاستشهاد بأحقية قطر في الجزر البحرية المتنازع عليها استنادا إلى الدليل الذي حصل عليه المري، واطلع الدكتور رياض على العقود وفحصها ليكتشف أنها أوراق حديثة مزوّرة، لم تكن مكوناتها تدخل في صناعة الورق في التاريخ المدّون على صيغة العقد، كما أن الحروف المكتوبة بها العقود مكتوبة بأسلوب مخالف لرسم الحروف المكونة للكلمات في منطقة الخليج العربي آنذاك، كما أن التوقيعات المذيّلة للعقود مرسومة غير متصلة، لأن المزوّر كان يقلّد التوقيع على مراحل، وعلى الفور أبلغ الدكتور رياض الشيخ حمد بن جاسم بأن العقود مزوّرة، واعتذر للجانب القطري عن عدم إكمال المهمة الموكلة إليه، لكن حمد بن جاسم أمر الوفد القطري باستكمال المهمة وتقديم الدليل المزوّر لمحكمة العدل الدولية، وفي لاهاي أكد الخبراء الدوليون أن العقود مزوّرة وأن هناك دلائل دامغة على هذا التزوير من خلال مكونات الورق التي لم تكن موجودة قبل سبعين عاماً، وهو تاريخ إصدار الوثيقة المزوّرة ونوعية الحبر المستخدم كذلك، بعد أن تم تحليله وثبت أنه حبر مُصنّع حديثًا، وحكمت بسيادة البحرين على جزر حوار.
أسرار انقلاب حمد بن خليفة على والده

على الرغم من أن وصول الأمير السابق لقطر الشيخ حمد بن خليفة إلى الحكم عبر الانقلاب على والده الشيخ خليفة لم يكن مفاجأة، إلا أن الكواليس حملت أسرارا كثيرة غير معلنة داخل دهاليز المخابرات القطرية، يسرد اللواء منصور تفاصيلها ‘في 24 يونيو1995 وصلني من سائق أحد مشايخ آل ثاني معلومة خطيرة، وهي أنه سمع حوارا بين شيخه ومرافق له يفيد بأن ولي العهد سيزيح والده عن الحكم عقب سفره مباشرة (الشيخ خليفة كان سيسافر إلى الخارج في رحلة إلى سوريا والقاهرة، ومنها إلى سويسرا في رحلة علاجية لمشكلة تسوّس في عظام إحدى الساقين)، فأبلغت الدكتور درويش الفار، وهو من أصول مصرية وكان يعمل مستشارا لأمير البلاد، فنفى الأمر جملة وتفصيلا، وقال إنه يعرف جيدا سلوك حمد، وإنه الابن الطيّب المقرب من والده، وفي اليوم التالي أفادني ضابط بالجهاز بنفس المعلومة لكنه لم يكن مستعداً لإبلاغ رئيس الجهاز حتى لا يدخل في مشاكل، على حد قوله، ولكوني ملتزما بقسم الولاء لحاكم البلاد، أسرعت بإبلاغ رئيس الجهاز الشيخ حسن بن عبد الله آل ثاني، فقال لي إنه لا يستطيع إخبار الأمير، وطلب مني ألا أتحدث مع أحد في هذا الموضوع أبداً، مردفاً ‘المسؤول عنّا وظيفيا هو الشيخ حمد بن خليفة، فهل منطقيا أن أذهب إليه وأقول له لدينا معلومات أنك ستقوم بانقلاب على والدك؟ لا أستطيع أن أواجهه بهذه المعلومة، هو أدرى بالخير أين يكون، وأنا لم أسمع منك شيئا ولا تتحدث في هذا الأمر مع أي شخص مهما كان، قلت له: قسمي كان للشيخ خليفة، ومن باب الأمانة كان لا بد من إخبارك، وانتهى الموضوع عند هذا الحد وبالفعل تم الانقلاب بعدها بيومين في مؤامرة مكتملة الأركان.
ويواصل منصور حديثه ‘المشهد جرى كالبرق وأسرع مما نتخيل، في فجر 27 يونيو 1995، حال مغادرة الشيخ خليفة إلى الدوحة، شرع الشيخ حمد في مخططه فورا، سيطرت القوات على القصر الأميري والمطار، واستدعي مشايخ آل ثاني ووجهاء القبائل في الديوان الأميري من دون أن يعرفوا سبب استدعائهم، ثم تلا الشيخ حمد قرار توليه مسؤولية الدولة، وأوحوا إلى الشعب القطري من خلال بث مباشر للتلفزيون القطري أن الحضور جاؤوا لمبايعة حمد بن خليفة بالإمارة، وعلى الفور سارع حمد بن جاسم بإصدار أوامر اعتقال بحق 36 شخصا من مقربي الأمير المعزول، وكان السجن أو مصادرة الأموال لمن يُظن أنه معارض، ونُفّذت لاحقا إعدامات بالجملة في حق المعارضين!. ولم يكتفِ الابن بتلك الحرب الشعواء ضد أبيه ومقربيه، فنشر فضائح مالية لوالده تتعلق باستيلائه على عائدات النفط في حسابه الشخصي، وسمسرة من عمولات صفقات شراء السلاح، وأنه شريك في كل مؤسسات وشركات قطر.

الأمير الجديد لا يكترث بالتقارير
أمام هذا الموقف العصيب، كيف تصرّف جهاز المخابرات العامة القطري؟ يجيب منصور: ‘في محاولات متسارعة للحاق بوتيرة الأحداث على أرض قطر وما يحاك للعالم العربي، عقد رئيس الجهاز اجتماعاً مع رؤساء الشُعب بحضورنا، وسط حالة ارتياب وقلق عامة، اتفقنا على خريطة تناسب المرحلة المقبلة وحددنا أولوياتها، كالتالي: التحقق من معلومات متداولة عن إقامة قاعدة عسكرية أمريكية على أرض قطر، التحقق مما تردد في الصحافة العالمية من أن الانقلاب صناعة أمريكية، رصد وتتبع الحركة النشيطة للأجانب في مبنى التلفزيون القطري، التنسيق مع الأمير الجديد مع مراعاة الابتعاد عن التعاون مع الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، نظرا إلى ما توافر لدى الجهاز من معلومات عن سلوكياته. يضيف: ‘كنا نعرض المعلومات المزعجة التي تصلنا يوميا على رئيس الجهاز الذي يعرضها بدوره مباشرة على الأمير الجديد مساءً، وبعد نحو شهر من الانقلاب أبلغني الشيخ حسن رئيس الجهاز استياءه الشديد من ردّ فعل حمد بن خليفة الذي لا يكترث أبداً بما نقدّمه من معلومات خطيرة.

رغبة أمريكية وراء إقصاء الأب
يكشف اللواء منصور سببا خفيا وراء انقلاب حمد بن خليفة على والده، على الرغم من أن الشيخ حمد كان أخلص أبناء الشيخ خليفة، على حد قوله، يقول: ‘لكنه كان هو مَن وجّه طعنة الانقلاب إليه بعد التهديد الذي وصله من حمد بن جاسم، بأنه إذا لم يُزح والده عن الحكم ويقبل بإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في قطر، فإن أمريكا ستتولى إزاحة آل ثاني بالكامل عن الحكم وتولية أية قبيلة أخرى تراها قادرة على تنفيذ توجهاتها، (كان الأمريكيون قد تقدّموا بطلبات متكررة للشيخ خليفة بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر، لكنه رفض بشدة)، وهذه الرسالة حملها بن جاسمإلى حمد بن خليفة نصًّا، وهذا الكلام شاهد عليه رئيس الجهاز خلال فترة عملي، وكانت قبل حدوث الانقلاب وهو على قيد الحياة ويمكن سؤاله، حيث يقيم حاليا في قرية (أم صلال) في قطر بعد خروجه من الخدمة.

إسرائيل تتوغل في الشأن القطري
منذ انقلاب حمد بن خليفة على والده توالت التفاصيل المذهلة، قطر فتحت الباب على مصراعيه للوجود الإسرائيلي على أرض الدوحة، وكان الأمر خطيرا جدّا، وخاصة أن جهاز المخابرات القطري نُحّي تماما عن تفاصيل هذا الوجود، يشير منصور ‘رصدنا وصول وفود إسرائيلية عن طريق مطار عَمّان الأردني، من دون أن يخطرنا الديوان الأميري أو وزارة الخارجية، كنا نظنّ أنها لدعم عملية السلام والقضية الفلسطينية، لكن بدأت الأمور تتضح بقفزات سريعة مع انطلاق شبكة قنوات (الجزيرة) العنيفة والمربكة وتدشين القاعدة العسكرية الأمريكية، حذرنا مرات عدة في تقارير رسمية من أجندة خارجية محددة من قوى خارجية، ما حدث وقتها كان مفاجئاً للجميع، أعلن الأمير الجديد أن قطر يسعدها بيع غاز الشمال إلى إسرائيل، ولم ينم الجهاز بعد هذا التصريح، من دون مقدمات ومن دون العودة إلينا كجهاز للمخابرات، ومن دون دراسة ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية، رفعنا الأمر إلى الشيخ حمد بن خليفة الذي أبدى عدم الاكتراث كالعادة، وقال لرئيس الجهاز نصاً: بلا خرابيط.

ويضيف: ‘الشيخ حمد بن جاسم دأب على المطالبة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وترجمه على الفور باتفاقية وقعت في 31 أكتوبر1995، بموجبها نُقل الغاز القطري إلى إسرائيل، ومثّل فيها قطر وزير الخارجية حمد بن جاسم، ومثّل إسرائيل شمعون بيريز.
المفاجآت تتوالى على جهاز المخابرات القطري في تلك الفترة، وخاصة بعد أن أصبح في بعض الأمور الحساسة ‘آخر من يعلم، وفق خطة محكمة من القصر الأميري، يقول منصور: ‘صباح 24 مايو 1996 ورد إلينا منرئيس مكتبنا بمطار الدوحة، أن وفدا إسرائيلياً رفيع المستوى سيصل مساءً، أصابنا الهلع بعد أن وجدنا شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق على رأس الوفد لافتتاح مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، بعد توقيع اتفاق فتح مكتب تمثيل تجاري وإنشاء بورصة للغاز القطري في تل أبيب مقابل ترشيح إسرائيل لقطر لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن في أبريل 1996، خلال مباحثات مباشرة بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ونظيرها القطري حمد بن جاسم آل ثاني. ويتابع منصور ‘كانت الوتيرة السريعة للتطبيع القطري الإسرائيلي بعد هذه الزيارة فوق الوصف، توغلت إسرائيل سريعا في كل المجالات، وصولاً إلى لقاءات جمعت بين حاخامات يهود ورجال دين مسلمين، على رأسهم يوسف القرضاوي، وأعدت شركات إسرائيلية برامج سياحية خاصة ومتنوعة للمواطن القطري ووضعته على الخريطة السياحية الإسرائيلية، وبالفعل بدأ مواطنون يترددون على إسرائيل ومستوطناتها، أعربنا للأمير الشيخ حمد بن خليفة عن بالغ قلقنا، وكتبت نصاً (إسرائيل لن تفوّت هذه الفرصة لتجنيد أكبر عدد من الجواسيس والعملاء من مرتادي الأماكن السياحية في إسرائيل)… لكن لا حياة لمن تنادي، استمر مسلسل التطبيع تحت ستار شراكات بالأمر المباشر بين رجال أعمال قطريين وإسرائيليين، لتبلغ العلاقات القطرية الإسرائيلية ذروتها بزيارة شمعون بيريز للدوحة لمشاركة الطلاب القطريين في مناظرات، كما زار عدة مرافق بالدوحة، ومنها قناة (الجزيرة) وجامعة (كورنيل) الأمريكية للطب، وسوق واقف.

يكمل اللواء منصور سرد التفاصيل السرية التي تعلن للمرة الأولى في عام 1997 رصد جهاز المخابرات القطري عمليات تجنيس واسعة لإسرائيل لغير العرب بالجنسية القطرية، ودرّبت مجموعة من هؤلاء الشباب المُتجنسين بمعهد ايزخاروف على الإعلام المخابراتي، وطلبت إسرائيل بشكل مباشر إحلالهم مكان القطريين في مراكز سياسية مهمة، من بينها تعيين ثلاثة بجهاز الأمن القطري. وذكر اللواء منصور أسماء هؤلاء المسؤولين وأصولهم وتحتفظ إندبندنت عربية بأسمائهم.
مخطط تقسيم السعودية وإفشاء أسرار الحكام العرب

يقول اللواء منصور: ‘كان معروفا للقادة العرب نقل حمد بن جاسم كواليس الاجتماعات السرية بين الرؤساء والقادة العرب إلى من يعمل معهم من أجهزة استخباراتية أجنبية، الأمريكية والإسرائيلية تحديدا، بعد أن أصبح وزيرا للخارجية القطرية، فكانوا يتوخون الحذر أمامه، لهذا كان القذافي يتحدّث أمامه بكل ما يريد إيصاله إلى الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر، وفي المقابل تحدّث بن جاسم إلى القذافي عن تقارير قدمها للمخابرات البريطانية عن أوضاع الخليج العربي، وخاصة مخطط تقسيم السعودية وما كان يسمعه من المخابرات الأمريكية كذلك في هذا الشأن، وكاشف بن جاسم القذافي بأن الدوحة تسعى بكل وضوح إلى تقسيم السعودية ودعم قطر لثورة داخلية في السعودية حتى لو راح ضحيتها آلاف الأبرياء، على أن يكون التقسيم بين نجد والحجاز عن طريق بث سموم الفتنة، وخاصة مع فشل قطر في تدشين قوة عسكرية مؤثرة يمكنها زيادة النفوذ القطري في المنطقة أسوة بالسعودية.
ويتابع منصور: ‘كانت السعودية في ذلك الوقت على خلاف مع القذافي، وكان السعوديون يعلمون بعلاقة القذافي بحمد بن جاسم وحمد بن خليفة، لكن القذافي أطلع السعودية والمخابرات الأمريكية والفرنسية على حوار مسجّل بينه وبين حمد بن خليفة، يقترح فيه القذافي على حمد بن خليفة اجتياح السعودية والتخلص من أسرة آل سعود، فأجاب حمد بن خليفة ضاحكاً: ‘ولكن حكّام السعودية ناضجون بما يكفي حتى لا يسمحوا لأحد أن يجتاح بلادهم، وصُعق حمد بن خليفة عندما نما إلى علمه في أحد اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي أن الملك عبد الله، رحمه الله، عرف بأمر هذا الحوار التآمري.

دور الإخوان
لم يتوقف جهاز المخابرات العامة القطرية عن متابعة نشاط الإخوان منذ حلّوا بالدوحة والتصقوا بالأسرة الحاكمة لخلق منظومة إخوانية في شكل دولة داخل الدولة تملك الموارد والنفوذ، ما يجعلها قادرة على التحرك الدولي بشكل علني لتحقيق أهدافها. ومما لا شك فيه أن أفكار الإخوان المسلمين وجدت لها أتباعا ومريدين، وخاصة من بعض شيوخ الأسرة الحاكمة، ليس عن قناعات دينية كما يروّج الإخوان لأنفسهم ولكن لاستكمال الشكل الاجتماعي، بحسب ما يكشفه منصور تفصيليا ‘لقد كان تقرب شيوخ الحكم في الدوحة إلى رموز الإخوان يضفي عليهم أمام العامة هالة دينية، وخاصة بعد الانقلاب، كما أن الإخوان سرعان ما لبّوا دعوة الشيخ حمد بن خليفة وشرحوا للأمير القطري السابق أوهام وتصورات المشروع الإخواني لإقامة الدولة الإسلامية الموعودة، وقرروا أن تكون الدوحة العاصمة المُنتظرة وتحقيق حلم حمد بالخلافة والزعامة الإٍسلامية ولسحب البساط الديني من آل سعود في السعودية التي بها الحرمان الشريفان والأماكن المقدسة، بل وإنشاء (أزهر) موازٍ في قطر.

ويتابع: ‘قدّم الجهاز عشرات التقارير عن التحركات المشبوهة للإخوان المسلمين في العمق القطري للديوان الأميري، لكن الشيخ حمد بن خليفة -ولي العهد في ذلك الوقت- منع هذه التقارير عن والده الشيخ خليفة، وخاصة بعد أن رصدنا العديد من العناصر الإخوانية الهاربة من مصر، وأنه منذ وصول الإخوان إلى قطر بدأت لغة الأحاديث الدينية في المساجد وخطب الجمعة وحوارات المجالس تتلوّن بالإسلام السياسي الانفعالي، ومع الوقت بزغ نجم يوسف القرضاوي المصري الأصل ليظهر في كثير من الصور واللقاءات مع الحاكم في المناسبات العامة والخاصة والاحتفالات الوطنية والدينية، ويصبح أحد النجوم القلائل في المجتمع القطري، وتدرّج القرضاوي في المناصب حتى أصبح مفتيها الرسمي وأصبح له رأي في الأمور السياسية والعسكرية، وكان وما زال المحلل الديني والسياسي الأول للنظام القطري تحت عباءة الدين، وكان أول من بارك انقلاب حمد بن خليفة على والده عام 1995.
يكشف مؤسس جهاز المخابرات العامة القطرية ‘لقد نشطت أجهزة أمنية قطريةأخرى كالاستخبارات العسكرية والمباحث العامة في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة؛ لتكون مهمتها الأساسية إقامة علاقات مع عناصر مناوئة لحكومات بلادها وإمدادها بالأموال والسلاح ودعوتها للاستضافة في قطر أو أنقرة بتركيا أو لندن، وفشل الضباط المرشحون في معظم تلك المأموريات الخارجية، فتأكد الحَمدان من عدم قدرة الأجهزة الأمنية على تحقيق أهدافهما خارج حدود قطر، كان الحل في الإخوان المسلمين أو بالأحرى العناصر الإرهابية، أغرقوا هذه العناصر بالمال والسلاح والمعدات لتحركات شملت أفغانستان، وباكستان، ومصر، والسعودية، والعراق، واليمن، والسودان، والعراق، وأفريقيا الوسطى، ونيجيريا، ومالي، والصومال.

وعن المشرفين على هذه العمليات في ذلك الوقت، يقول منصور: ‘كان وزير الداخلية القطري عبد الله بن خالد آل ثاني المشرف على استضافة الإرهابيين واستقبالهم في الدوحة، وقد التقى أسامة بن لادن في السودان عام 1996، كما عقد مؤتمرا سريا في قطر بالتنسيق مع زعماء الإرهاب في العالم 1997، وشاركه في إدارة هذا المؤتمر الشيخ فهد بن حمد بن خليفة آل ثاني، ابن الأمير حمد، وقد شرحا لهذه العناصر الإرهابية أهداف قطر في المرحلة المقبلة لحلحلة وتفكيك المنطقة.
ويضيف: ‘ومنذ ذلك بدأت اللعبة القطرية في ابتزاز السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد بالتنظيمات الإرهابية التي ترعاها، بعد أن أصبحت عش دبابير في منطقة الخليج يجتذب الإرهابيين الهاربين والمطرودين من جميع أنحاء العالم، وأذكر هنا واقعة بها معلومة تُعلن للمرة الأولى، فقد جمعني لقاء في لندن بأحد أبنائي من الزملاء في جهاز المخابرات العامة القطري بعد أن تركت الجهاز بسنوات قليلة، وكان منهارا من فضائح نظام الحمدين بحق قطر، وأكد لي أن قطر تؤوي وتمول خالد الشيخ محمد، المتهم من أمريكا بتزعم التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.

حمد بن خليفة يشكر رفسنجانيعلى موقفه ضد السعودية
على الرغم من أن تأسيس جهاز المخابرات العامة القطري كان هدفه الرئيسي مواجهة ومجابهة ‘الدولة الفارسية وإنشاء جهاز مخابراتي قوي قادر على القيام بهذه المهمة، فإن الحقائق كانت غير ذلك، وخاصة بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده، كما يقول منصور: ‘في أول اجتماع لي مع أمير قطر السابق حمد بن خليفة الذي كان وليا للعهد آنذاك، وجدته مرحبا سعيدا بهذا التعاون، فقد كنا نقبض على الجواسيس والعملاء الإيرانيين متلبسين، لكن في المقابل كان يُطلق سراحهم من ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة من دون قيد أو شرط، وبعد انقلابه على أبيه وجدناه يغازل طهران، ولعل واقعة (منطقة الخفوس الحدودية مع السعودية) شاهد عيان مزرٍ على هذا التوجه، أرسل الشيخ حمد بن خليفة برقية شكر إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي استغل الخلاف بين قطر والسعودية وأيّد الدوحة في النزاع الحدودي على الخفوس، فكان لا بدّ لحمد من ردّ الجميل على حساب السعودية، بل ومنطقة الخليج العربي كلها، عام 1999 وفي بداية رئاسته زار الرئيس الإيراني محمد خاتمي الدوحة ووقّع مع الجانب القطري اتفاقيات عدة، أهمها دعم حركة حماس التي أصبحت أقوى رابط بين طهران والدوحة، بل ذهب حمد بن خليفة إلى ما هو أفدح من ذلك، ففي عام 2000 قام بزيارة رسمية لطهران، فكان أول حاكم عربي يزور طهران بعد ثورة الخميني والإطاحة بحكم الشاه ولم يتوقف عند هذا الحد فكرر الزيارة عام 2006.

قطر تدعم الحوثيين منذ وقت مُبكر
يقول اللواء منصور: ‘خلالالتسعينيات بدأت قطر تدفع مندوبي الجمعيات الخيرية القطرية للتنسيق مع عناصر يمنية متأسلمة مستخدمة المساعدات المالية الضخمة ليكونوا عناصر قوية لها في الوقت المناسب داخل العمق اليمني، وتعاون مندوبو قطر مع عناصر من تنظيم القاعدة باليمن، مع التركيز على دعم وجود هذه العناصر في محافظة صعدة مع الحدود المشتركة مع السعودية، وبالفعل أُنشئت مؤسسة قطرية يمنية للتنمية في صعدة تتولى تقديم المساعدات لعناصر الحوثيين وتم استخدام السياسي اليمني المعروف، عبد الكريم الإرياني، كممثل لنظام علي صالح في التفاوض مع الحوثيين في المباحثات التي عقدت في الدوحة والتي انتهت بتوفير الحماية لمجرمي الحوثيين الذين حملوا السلاح ضد الدولة بالعفو عنهم وأيضا تعويضهم.

مخطط تقسيم السعودية واستقالة منصور
يؤكد منصور أن ‘الحكام القطريين لديهم غُصة طوال الوقت تجاه السعودية وعندهم شعور بالنقص، إن جاز التعبير، لهذا لم يتورع الشيخان حمد بن خليفة وحمد بن جاسمعن السير قدما في أي مخططات من شأنها زعزعة السعودية، ويكشف: ‘رصد جهاز المخابرات القطري في أوائل 1996 تمويلا قطريا لتأجير بعض العناصر داخل السعودية، لإشعال فتن داخلية بهدف تقسيم السعودية، ثم القيام بعد ذلك بمهام محددة داخل السعودية، لكن للأمانة بعض ضباط جهاز المخابرات القطري رفض الاشتراك بشكل رسمي في هذه المهام القذرة ضد الشقيقة السعودية، وبعض الدول العربية الأخرى التي كانت محل مهام محددة بالأمر المباشر من الديوان الأميري. وعن مصير هؤلاء الضباط بعد هذا الرفض، وهل يمكن الكشف عنهم بالاسم؟ يقول منصور: ‘الرائد حمد المري- رئيس شعبة التنظيم والإدارة في الجهاز حكم عليه بالإعدام. والرائد جابر المري، حكم عليه بالإعدام وخُفّف إلى 25 سنة سجنا. المقدم فهد المالكي، حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى 25 سنة سجنا انفراديا، وقد كان أيقونة جهاز المخابرات. خالد المالكي حكم بالإعدام وقد كان متزوجا حديثا. وكانت التهم الموجهة إليهم مخالفة الأوامر الصادرة من الديوان الأميري ومن الشيخ حمد بن جاسم بتنفيذ أعمال عدائية وتخريبية داخل الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، وتحديدا منطقة الجنوب الغربي بها، فضلاً عن أنه تم (ترميج) عشرات الضباط الآخرين لمخالفة الأوامر، وكلمة الترميج تعني أن يتم فصله من الخدمة من دون أن يكون له أي معاش أو إعالة له ولأسرته ومنع توظيفه في أي مكان.

هذه الواقعة لم تمر مرور الكرام على اللواء محمود منصور، فلقد كانت سببا مباشراً لتقديم استقالته المُسببة للديوان الأميري، يقول منصور: ‘التغيرات في توجهات قطر والأمور التي لم تعد مقبولة، فضلا عن الأحكام الظالمة التي صدرت ضد أربعة من أبنائي في الجهاز، كل هذا دفعني إلى تقديم استقالتي.
وماذا قال منصور عن سبب الاستقالة حال تقديمها، أجاب ‘كانت إجابتي صريحة ومحددة في جملة واحدة (الجو ده معرفش أشتغل فيه)، مضيفا ‘علمت أن المخابرات الإسرائيلية توغلت داخل جهاز المخابرات القطري بعد مغادرتي مباشرة، لتغيير توجهاته واهتماماته، وخططه.

*المصدر/ ‘إندبندنت عربية+MENAFN – Akhbar Al Khaleej +حوار منى مدكور

التعليقات متوقفه