الأستاذ معلم السينما

686

كنت قد أصبحت مدمنة لبرنامج نادي السينما» منذ بدايته فى منتصف السبعينات، فقد تزامن مع بداية عملي بالصحافة وولعي بالسينما الذي دفعني لعضوية نادي «سينما القاهرة» وقراءة نشراته، والبحث عن أفلام أخري فى المراكز الثقافية الاجنبية التي كانت مزدهرة آنذاك فى القاهرة وفى مرة قابلته فى نادي السينما كان يقدم فيلما، وبحثت عنه بعد العرض لأحييه، وأحيي برنامجه «كان يقدمه فى البداية مع درية شرف الدين » ففوجئت به يعرفني ويتابع ما اكتب من أخبار وتحقيقات ونقد، وكنت فى هذا الوقت مندوبة نشطة لجريدة الجمهورية فى الاذاعة والتليفزيون «لم يكن هناك إعلام خاص فى هذا الوقت» وكانت المفارقة انني أغطي الاذاعة والتليفزيون كعمل، بينما أعشق السينما كفن له نقاد سبقوني وعلي رأسهم الناقد الكبير سمير فريد، ومع ذلك فقد أعطتني كلمات يوسف شريف رزق الله وقتها دفعة قوية للاستمرار فى حب السينما وتعلم النقد ودخول المعهد العالي للنقد الفني وقتها، من أجل الكتابة عن الافلام والمسلسلات وبعدها جاء دوري لأكون ضمن ضيوف نادي السينما، الذي أصبحت درية شرف الدين تقدمه وحدها، بينما أنفرد يوسف شريف بالإعداد، وبإعداد برنامج ثاني على القناة الثانية هو «أوسكار» بتقديم سناء منصور، ويقدم الافلام التي حصلت على جوائز الاوسكار، او التي ترشحت لها بعدها قدم وأعد يوسف شريف عدة برامج أخري، منها «نجوم وأفلام»، ومنها «ستار» الذي كان عبارة عن حوار مع نجم سينما عالمي، على الهواء مباشرة بواسطة تقنية الڤيديو كونفرانس الجديدة وقتها، وكان يستضيف فيه نجمين مصريين يشاركانه فى إجراء هذا الحوار المباشر مع نجوم هوليوود والعالم وربما كان برنامج «سينما رزق الله» هو آخر برامجه على شاشة التليفزيون المصري، والقناة الثانية تحديدا، والتي كانت مخصصة للبرامج الثقافية من كل الانواع، فكنا نري عليها غير برامج السينما، وغير الافلام الاجنبية المهمة فى سهراتها برامج المسرح، والادب، والشعر، والموسيقي، والباليه، ولكن لم يكن هذا هو كل ما قدمه يوسف شريف لملايين الناس فى مصر والعالم العربي، وأنما أمر آخر شديد الاهمية لم يكن هو نفسه منتبها له إلى أن رآه بعين رأسه ذات يوم، وبعد أكثر من عقد من التوقف عن تقديم وإعداد برامج السينما، لقد علمتنا كيف نري الفيلم.
فى هذا اليوم قبل الاخير من ايام مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية فى دورته الثالثة، «مارس عام٢٠١٥ »، كان ضيوف المهرجان فى رحلة بمعبد الكرنك أروع آثار الأقصر، حين انشقت الارض عن مجموعة من العائلات المصرية فى زيارة هي الاخري، وما ان لمحوه بيننا حتي أقبلوا عليه وحده وبرغم وجود فنانين ومشاهير، الا انهم أتجهوا اليه وحده، وأحاطوا به، وجاءت كلماتهم كرسائل حب وجدت أخيرا المرسل اليه: «أستاذ يوسف فينك وحشتنا» و: «أستاذ يوسف أحنا اتعلمنا منك أزاي نشوف الافلام»، و: «أستاذ يوسف كنا بنفهم من برامجك حاجات كتير عن السينما من المناقشة» و «أستاذ يوسف كنا بنعرف نختار الافلام الجميلة من المعلومات اللي بتقولها» و«نفسنا ترجع تقدملنا البرامج دي تاني » هكذا تلقي عاشق السينما ردود أفعال لم يتلقاها فى وقتها وأدرك البعض منا، القريب من المشهد، ان العمل الطيب لا يذهب هباء، وأن ما قدمه هذا الفارس للناس عبر قنوات عامة، وبرامج تهتم بالوصول اليهم، قد وصل، وان الناس العاديين لا ينسون من أحبهم، وأخلص فى الاقتراب منهم، وان هذا الجمهور المصري الذي يكون أغلبية مشاهدي التليفزيون يتذوق برامج الفن والثقافة مثل مثقفيه، ويبحث عنها وينتظرها فى حالة وجودها، ومع ذلك كله فلم يفهم المسؤولون عن القنوات التليفزيونية هذا، ونظرة واحدة لشاشاتنا الان تكشف لنا عن أختفاء برامج الثقافة، والفن كلها، فلا توجد أفلام أجنبية هامة تعرض كما كان الامر ايّام بدأ «نادي السينما» بدعم كامل من قيادات التليفزيون المصري، خاصة رئيسة التليفزيون السيدة تماضر توفيق»، ولا توجد حتي أفلام مصرية الان إلا مجموعة محدودة توضع وقت الأعياد، او الطوارئ لقد واصل يوسف شريف رزق الله عمله على أختيار الافلام ودعم السينما بعد ان ترك التليفزيون، وكسبه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مديرا فنيا كبيرا بعد ان رفض ان يكون رئيسا، وكانت وجهة نظره من خلال خبرته الطويلة أنه يحب السينما أكثر من الادارة، وظل حتي سنوات قليلة يقدم للتليفزيون عربون محبته ممثلا فى رسالة سنوية من مهرجان كان أهم مهرجانات السينما العالمية وفى عمله بالمهرجان كان رمانة الميزان التي تضمن لمن لا يسافر من النقاد او المحبين لفن السينما عدم التخلف عن أهم ما قدمته السينما العالمية على مدار عام بأكمله ولعل ما قدمته الدورة الاخيرة بقيادته الفنية هو ختام رائع لعاشق ومثقف سينمائي كبير فقدناه، ولكننا لن ننساه، فقد كان نموذجا فذا فى محبته لعمله، واحترامه له، وقدرته على جمع كل الرؤي لصالح العمل، وتواضعه وقبل كل هذا إيمانه الكبير بأن ثقافة السينما يجب ان تصل للجميع بلا تفرقة فهي أحد أكثر الفنون شعبية وداعا يوسف شريف رزق الله.

التعليقات متوقفه