تاريخ دموى مع الإرهاب..المنيا.. ثقافة سائدة مدمرة

1٬708

*انتشار الجماعات الإرهابية.. ومشاكل فى التعليم والصحة والبطالة..

*”الإخوان والسلفيون والجهاد وداعش” يتنافسون للسيطرة على المحافظة..

* قيادات الإرهاب خرجت من المحافظة.. ومطالب بتدخل الدولة فورًا..

*عام 1993 أعلنت الجماعة الإسلامية إنشاء محكمة شرعية لمحاسبة المخالفين للشريعة..

*قرية أبو هلال.. نقطة انطلاق العمليات الإرهابية.. والعدوة وسمالوط مركزان لتهريب السلاح

لمحافظات الصعيد نصيب الأسد من الحوادث الإرهابية، ربما لطبيعتها الصحراوية والبعيدة عن المدن، وهو الأمر الذى سهل على العناصر التكفيرية والمتطرفة الاستقرار بها وتكوين خلايا إرهابية عدة على مدار العقود الماضية، مما هدد الأديرة المعزولة فى الصحراء بأن تصبح أهدافاً سهلة للإرهابيين الذين يستغلون جغرافيا المنطقة للقيام بمثل هذه الهجمات السريعة؛ وتأتى محافظة المنيا كمقدمة لمعاقل الجماعات الإرهابية.

ففى 14 أغسطس من العام 2013 شهدت المحافظة هجمة بربرية من قبل جماعة الإخوان وأعضائها المسلحين، حيث تم تدمير 10 أقسام ونقاط شرطية، وحرق وتدمير ما يقرب من 16 كنيسة فى أعقاب فض اعتصامى رابعة والنهضة، ثم جاء الهجوم عام 2015 على كنيسة مارمرقس بمدينة المنيا، ما أدى لاستشهاد شرطيين أثناء تواجدهما، عشية الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيد، وذلك على يد عناصر إرهابية تنتمى للجماعة المحظورة، وقد لاذت غالبية تلك العناصر الى الصحراء.

وفى صباح يوم 26 مايو 2017 تم استهداف 3 سيارات فى طريقها الى دير الأنبا صموائيل بالظهير الصحراوى الغربى بزمام مركز العدوة، واستشهد 28 مواطنًا مسيحيًا وقد أعلن تنظيم داعش الإرهابى تبنى الحادث.

السلفية الجهادية هددت بالعنف فى 2013

فى يوليو 2013، أصدرت الجماعة السلفية الجهادية بسيناء بيانًا هددت خلاله بالعنف، زاعمة “أن العلمانيين والنصارى والشرطة والجيش تآمروا لإسقاط الحكم الإسلامي”.

واعتبر البيان، “أن الديمقراطية طريق كُفرى يجعل الحكم للبشر، وأن طريق الديمقراطية لا يمكن أن يوصل لتطبيق شرع الله أبدًا”. مهددة بما أسمته “الانتفاضة الكاملة لتطبيق الشريعة” نظرًا للأحداث التى شهدتها مصر مؤخرًا وإسقاط نظام الإخوان، واعتبر البيان أن “العلمانيين والنصارى والجيش والشرطة تآمروا لإسقاط الحكم الإسلامي”.

أساقفة الكنيسة: المنيا تحتاج لمراجعات وتدخل رئاسى

عقب حادث مقتل مقاول قبطى ونجله عُزْل فى ديسمبر 2018، على يد رجل شرطة مكلف بحماية الكنيسة؛ حذر الأنبا بيمن، أسقف قوص ونقادة قائلًا: “أنا أعلم ان القيادة السياسية لديها إرادة حقيقية لتحقيق المواطنة، لكن النار عندما تقوم تلتهم كل شيء إيجابي.. موجهًا عتابا شديدا لكل المؤسسات بمحافظة المنيا، بداية من المؤسسات التعليمية والجامعة، التضامن الاجتماعي، والأجهزة الأمنية المعاونة للشرطة أين دورها؟.

وقالها الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة بالمنيا صراحةً؛ “هناك علامة استفهام كبيرة من السماء للأرض لماذا المنيا؟. وأنا موجود فى المنيا من 18 سنة، والأمر من سيئ إلى أسوأ، المحافظة تعانى من مشاكل كثيرة، والأقباط بصفة خاصة، الموضوع زاد عن حده ولا نعلم لمصلحة من كل هذا”.. وقال “إنه بسبب كثرة الاعتداءات الأقباط يمرون بمراحل قاسية نفسياً ووجودياً وأدبياً واجتماعياً، وكلها مراحل تحتاج لحلول”.

ثقافة مدمرة

وقال: محافظة المنيا تعانى من الثقافة السائدة المدمرة، ونحتاج أن تتبنى الدولة ثقافة عكس الموجودة، ولدينا مشكلة اختفاء السيدات والفتيات القاصرات، فكل يوم تخرج فتيات قبطيات قاصرات ولايرجعن، و”أصبح بناء الكنائس كأننا نبنى قواعد نووية ضد البلد، وأول من يتحرك ضد البناء هو الأمن نفسه”.

الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا؛ قال إن الحادث طرح عدة أسئلة تحتاج لنقاش، أولها لماذا المنيا؟ وتابع: لا زلت أكرر أن المنيا تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، تحتاج إلى تدخل شخصى من رئيس الجمهورية، لأن المنيا تعانى من مشاكل فى التعليم والصحة والبطالة، وتتغير الحكومات والوضع كما هو، نحن نعانى سواء مسيحيين أومسلمين، والأمر لا يحتمل مزيدًا من التأجيل، لأن بعد أى حادث يكون العلاج بالمسكنات وتطييب الخواطر لا علاج من الجذور.

خريطة الجماعات الإرهابية

تنقسم المحافظة إلى 9 مراكز (مغاغة- بنى مزار- مطاي- سمالوط- المنيا- أبوقرقاص- ملوي- دير مواس- العدوة)، يقطن المنيا أكبر عدد للمصريين المسيحيين بما يقرب من 2 مليون مواطن مسيحى، وبسبب كثافة التواجد المسيحى بالمنيا نتج عنه استهداف ممنهج ضدهم من قبل الجماعات الجهادية المتطرفة، وهى نفس المحافظة التى أنجبت أكثر القيادات الإسلامية المتطرفة وارتكبوا أبشع الجرائم الإرهابية فى حق المواطنين المدنيين العُزْل.

وعن توزيعهم على مستوى المحافظة؛ الإخوان ينتشرون فى مركز ديرمواس، الذى يعد فيه وجود الجماعة الإسلامية ضعيفا بقيادة رجب سنوسى، ويتقاسم الإخوانيون وأتباع الجماعة الإسلامية النفوذ فى مدينة ملوى التى يقود الإخوان فيها عادل محمد حسن، ومحمد أنور الصناديقى، وبهاء سيد عطية، ويقود الجماعة أحمد فرغلى، أما المنيا فالعدد الأكبر للإخوان، مقابل نفوذ قوى للجماعة التى يوجد أغلب قياداتها بالمدينة. ويتواجد الإخوان بكثافة فى مركزى مطاى وسمالوط، مقابل نفوذ متوسط للجماعة الإسلامية بمغاغة، وآخر قوى لها فى مركز العدوة، التى يوجد بها قرى كاملة تابعة للجماعة، مثل (البسقالون)، و(بنى وركان).

أما السلفيون، فأصبح لهم وجود فعال فى مدينة ملوى، والمنيا، وشمال المحافظة، فى مقابل وجود ضعيف لأتباع الشيخ السماوى، بقيادة عبدالرحمن محمد لطفى فى ملوى.

الظهور الأول للجهاديين فى المنيا

بدأت جرائم الجماعات الجهادية بالمنيا، فى أوائل التسعينيات وتحديدًا فى 9 أغسطس عام 1993 حينما أعلنت الجماعة الإسلامية وجناحها الدعوى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنشاء محكمتها الشرعية لمحاسبة المخالفين للشريعة وأحكامها، فى محاولة منها لإظهار قوتها فى مواجهة الدولة ومؤسساتها. وقامت الجماعة هناك بتنفيذ العديد من أحكام الجلد أثناء هذه الفترة ولم يتعرض لها أحد حيث قاموا بجلد رجل تجاوز الخمسين بسبب سبه أحد أعضاء الجماعة فقرروا معاقبته على “سب الدين” بالجلد أمام المارة وعندما حاول أحد أبنائه الاعتراض وقام بسب الجماعة فقرروا جلد نجله هو الآخر بذات التهمة أمام المارة.

وفور مداهمة الأمن لمقر الجماعة بمنطقة أبو هلال ومطاردة أعضاء هيئة الأمر بالمعروف بالمنيا، خلال حقبة التسعينيات، تحرك أعضاء الهيئة نحو أعمال عنف ضد الأقباط وهو ما دفع أجهزة الأمن إلى بناء سور حول قرية بنى عبيد ذات الأغلبية القبطية بأبوقرقاص جنوب المنيا عقب محاولات متعددة لحرق القرية.

عودة من جديد

بحسب ما نشرته الصحف المصرية فى أعقاب أعمال العنف التى شهدتها مصر قبل 6 أعوام، فيأتى التوزيع الجغرافى للجماعات الجهادية فى المنيا كالتالي؛ فى مدينة المنيا نفسها وبها قرية أبو هلال، والتى يسيطر المتشددون على أكبر مسجدين فيها، وهما مسجدى الرحمن وعمر بن الخطاب ويعد على عبد الفتاح من أشهر أمراء الجماعة الإسلامية بأبو هلال الذى قام بتأسيس ما يسمى بفرقة الشواكيش، التى كانت تقوم بتطبيق الحدود على أهالى المنطقة، وكان أعضاؤها يتسمون بالقوة البدنية والطاعة العمياء للأمير وكان لديهم جهل كبير بعلوم الدين وبعد ثورة 25 يناير ظهرت هذه الفرقة مرة أخرى، وقامت بعمل أكثر من استعراض عسكرى بالمنطقة، وفى ساحة مسجد الرحمن فى ظل الانفلات الأمنى الذى شهدته هذه الفترة.

ومع اندلاع ثورة 30 يونيو انطلقت أعمال العنف التى شهدتها المنيا من حى أبو هلال، حيث كان يتم التدبير والتخطيط والإعداد لها هناك عن طريق علاء صابر القيادى بالجماعة الإسلامية الهارب والمتهم الأول فى كل أحداث العنف التى شهدتها المحافظة فى أعقاب فض اعتصامى رابعة والنهضة.

كما قام طارق عبد المنعم، أحد قيادات حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، باستغلال “بلطجية المنطقة” فى إثارة الشغب والتعدى على قوات الشرطة فى المسيرات التى كانت تنطلق من أبو هلال، وقد ضبطته الشرطة ومعه 8 آخرين وبحوزتهم أموال طائلة كانوا يقومون بتوزيعها على بلطجية المنطقة للمشاركة فى المظاهرات، أما قبلى المنيا وبها قرية تندا بملوى وقرية المحرس، وكذا قرية دلجا بدير مواس التى بها الجناح العسكرى للجماعات الإسلامية وانضم لهم السلفيون المتشددون فيما بعد.

العدوة وسمالوط

ومن بين المراكز الإرهابية العدوة وسمالوط، حتى غرب المنيا، نظرًا لكون المنطقة الغربية بها طرق ومدقات صحراوية تصل إلى ليبيا حتى إن العرب بسمالوط من ليبيا، ولهم هناك جذور عائلية وتهريب الأسلحة والبترول كان يتم عن طريق هذا الخط الغربى للمنيا، وهى المنطقة التى شهدت استهداف رحلات دير الأنبا صموئيل مرتين، أدت لمقتل وإصابة العشرات من المسيحيين زوار الدير.

أقطاب وكوادر الجهاديين

عاصم عبد الماجد، أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية، ولد فى قرية دير عطية، بمركز المنيا، عام 1958، حيث نظم العديد من العمليات المسلحة، قبل أن يعتقل لسنوات طويلة حتى ثورة 25 يناير، حيث كان من بين الهاربين فى اقتحام وفتح السجون.

وبعد تنامى دور تيار الإسلام السياسى عقب الثورة، شارك فى تأسيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، التى ظلت على مدى السبعينيات وحتى نهاية التسعينيات، تحمل السلاح ضد الدولة، وتورطت فى عمليات عديدة ضد رجال الشرطة والأقباط والسياح.

“عبد الماجد” شارك مع مجموعة من ضمنها عمر عبد الرحمن، وعبود الزمر، وطارق الزمر، وخالد الإسلامبولى وغيرهم، فى تأسيس الجماعة الإسلامية، التى انتشرت بشكل خاص فى محافظات الصعيد وبالتحديد أسيوط والمنيا وسوهاج.

كان “عبد الماجد” المتهم رقم 9 فى قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وصدر ضده فى مارس 1982 حكما بالسجن 15 عاما أشغالا شاقة، واتهم فى قضية تنظيم الجهاد وبمحاولة قلب نظام الحكم بالقوة وتغيير الدستور ومهاجمة قوات الأمن فى أسيوط فى 8 أكتوبر 1981، حيث كان على رأس القوة المقتحمة لمديرية الأمن التى احتلت المديرية لأربع ساعات، وأسفرت المواجهات فى هذا الحادث الشهير عن مصرع 118 شخصا، وأصيب أثناء عملية الاقتحام بثلاثة أعيرة نارية فى ركبته اليسرى والساق اليمنى فعجز عن الحركة، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى حيث تم القبض عليه ونقله إلى القاهرة، وصدر ضده الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة فى 30 نوفمبر 1984.

وشارك عاصم، مجلس شورى الجماعة فى كل قراراته، ومنها أعمال العنف من قبل عام 1981 حتى نهاية العنف والصراع بمبادرة وقف العنف الصادرة فى عام 1997.

عاصم دربالة

كان من أبرز قيادات الفكر المتطرف فى المنيا، عاصم دربالة، وهو من مواليد محافظة المنيا عام 1957، ويتزعم فريق الصقور داخل “الجماعة الإسلامية”، وهذا الفريق له السيطرة الكاملة، بعد أن تقدم أغلب القيادات التاريخية باستقالاتهم فور اختيار “دربالة” لرئاسة “الشورى”، وهو من أول دعاة العنف بالجماعة ويده اليمنى مقطوعة “المقبض” بسبب انفجار عبوة ناسفة أراد أن يلقيها على ضباط وجنود مديرية أمن أسيوط عام 1981.

أسامة حافظ

من مواليد المنيا عام 1953، ويعد “حافظ” عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ومن مؤسسيها، وكان يتولى الرد على الفتاوى عبر موقع الجماعة. سُجن بعد اغتيال “السادات”، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات قضاها ثم أفرج عنه عام 1991، ثم أعيد اعتقاله عام 1993، ومكث فى السجن حتى عام 2004، وهو أحد القادة التاريخيين الذين أطلقوا مبادرة وقف العنف عام 1997.

فؤاد الدواليبي

الشيخ فؤاد الدواليبي، من مواليد محافظة المنيا عام 1953، من أشهر دعاة ومؤسسى الجماعة الإسلامية فى السبعينيات، سجن فى “اغتيال السادات”، وقضى بالسجن أربعة وعشرين عاما وخرج من السجن عام 2005.

صفوت عبد الغني

صفوت أحمد عبد الغني، من مواليد 3 مارس 1963 بمدينة المنيا، بدأت علاقته بالجماعة الإسلامية عام 1977، وهو بالصف الأول الثانوي، عندما تعرف على القيادى كرم زهدي، وكان من الشخصيات البارزة بالجماعة الإسلامية وأميرها على مستوى الصعيد حينها.

اتهم صفوت، فى قضية اغتيال السادات وعمره لم يتجاوز 18 سنة، وصدر ضده حكم بالحبس خمس سنوات فى قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، بحكم محكمة أمن الدولة العليا طوارئ والصادر بتاريخ 15 مايو 1993.

كما أن “عبد الغني” دخل المعتقل لأول مرة فى سنة 1981، وهو فى السنة الأولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولم توافق الكلية على امتحاناته، فتحول عنها إلى كلية الآداب فحصل عليها، ثم اعتقل عدة مرات قصيرة، وكان المتهم الرئيسى فى قضية اغتيال رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، فظل معتقلاً من سنة 1990 إلى عام 2005، 15 عامًا كاملة قضاها فى المعتقل، وكان عضوا فى جماعة الجهاد.

ويعد صفوت عبد الغني، صاحب أشهر واقعة هروب أثناء حبسه عام 1992، بعدما اتهم بالتحريض على قتل المفكر فرج فودة، فأثناء ترحيله من قاعة المحاكمة إلى المنيا وأداء الامتحان بكلية الآداب بجامعة المنيا، لاحظ -حسب تصريحاته السابقة- تراخيا أمنيا واضحا فقرر الهروب، وبالفعل تمكن من ذلك بعد فك الكلابشات الحديدية باستخدام قلم جاف، واستمرت فترة هروبه نحو 4 أشهر حتى تم إلقاء القبض عليه على كورنيش النيل فى نفس العام، وتمت محاكمته لهذا السبب وصدر حكم ضده بالسجن 5 سنوات.

كرم زهدي

كرم محمد زهدي، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية سابقا، وهو من مواليد محافظة المنيا عام 1952. سجن منذ “اغتيال السادات” عام 1981، قد أفرج عنه فى 27 سبتمبر 2003 بعد قضائه 22 عاما فى السجن، وهو الذى أسس لعمليات العنف والمواجهة المسلحة مع الدولة.

وقاد “زهدي” عملية مراجعة داخل السجن للتخلى عن العنف وحمل السلاح ورفض الصراع مع الدولة، وأدلى بتصريحات صحفية قدم فيها اعتذارا عن العمليات التى تبنتها الجماعة الإسلامية، معربًا عن استعدادها لتقديم الدية لضحاياها.

 

التعليقات متوقفه