فريدة النقاش تكتب:أيمن عودة

610

قضية للمناقشة

أيمن عودة

فريدة النقاش

 

في عام 1971 أجريت حوارا مطولا مع الشاعر ” محمود درويش ” في أول زيارة له لبلد عربي ، وكانت مصر بطبيعة الحال هي محطته الأولى . كان ” عبد الناصر” قد رحل منذ شهور قليلة ، و” السادات” لم يعلن بعد وقف حرب الإستنزاف الدائرة على أشدها وهي تضمد جرح العرب الغائر بعد هزيمة 1967 المذلة.

كان هذا الواقع كله من خلفية غضبي العميق الذي تجلي في أسئلتي للشاعر الذي أحببته بعد أن قدمه لنا ” رجاء النقاش” في كتابه عن شعراء الأرض المحتلة ، كنت غاضبة جداً لأنه خرج من وطنه ، وربما كنت حينها مشحونة بالحملة التي شنتها بعض العناصر القومية والأصوات العالية على الفلسطينيين الذين قبلوا بحمل جواز سفر إسرائيلي متجاهلين أن هؤلاء كانوا قد تشبثوا بالبقاء في أرضهم رغم كل صنوف العذاب التي تعرضوا لها ، والتمييز العنصري ضدهم من قبل الحكم الصهيوني لفلسطين .

أدركت فيما بعد أنني كنت مخطئة ، وتناقشت مطولا مع ” محمود درويش” وأصدقاء آخرين من فلسطينيي 1948 كما اعتدنا أن نصفهم في العالم العربي ، وتميز ” محمود درويش ” من بينهم بشاعريته الفذة وبلاغته القاتلة أحيانا ، وحين سألته صحفية في ” رام الله ” لماذا لم تنجب رغم أنك تزوجت أكثر من مرة ، ورد ” محمود ” قائلا : هل تريدي لاجئين إضافيين ؟ .

أصبحنا ” محمود ” وأنا ” صديقين ” والتقيته بعد ذلك كثيرا في عواصم عربية وأوروبية ، وفي كل مرة خطر لي فيها أن أعتذر عن خشونة حواري الأول معه متمنية أن يكون قد نسى ، ولم يطاوعني كبريائي .

تذكرت كل هذا في أول لقاء لي بالنائب والمناضل اليساري ” أيمن عودة” رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة في فلسطين ، وسعدت جداً هي الأيام التي غابت فيها أسباب السعادة ـ وأنا أتابع جولاته وحواراته وجهوده لإعادة بناء القائمة العربية المشتركة التي كانت مقاعدها قد تراجعت بسبب انقسامها إلى قائمتين في انتخابات أبريل 2019 ، وما أن عاد الوفاق لتصبح قائمة موحدة شهدت أعلى نسبة تصويت لصالحها بين كل القوائم .

اخترت أن أكتب اليوم عن ” أيمن عودة ” كنموذج لزعيم سياسي من نوع جديد : تظنه شيخاً لفرط حكمته رغم أنه في ريعان الشباب ، لم يكتف ” أيمن ” ببذل الجهد الخارق لإعادة اللحمة ، إلى القائمة الموحدة بعد انقسامها ، بل أيضا رد على اتصال حزب الجنرالات ” أبيض ـ أزرق ” به طالبا تزكية ” بني جانتس ” لدى رئيس إسرائيل لتكليف جانتس بتشكيل الحكومة بتقديم مطالب عرب إسرائيل ، وعلى رأسها إلغاء قانون القومية لتصبح إسرائيل دولة كل مواطنيها بما فيها من مواطنين  فلسطينيين ثم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أساس حل الدولتين وتصفية الاحتلال ، مع مجموعة من المطالب الأخرى التي تخص تفاصيل الحياة .

لم يمنح ” عودة ” وحزبه وقائمته تأييدا مجانيا إذن للجنرال ، فهو أيضا الجنرال الذي يعرف جيدا أن المقعدين اللذين تفوق عبرهما على ” نتيناهو ” وأزاحه من طريقه قد جاءا عبر الأصوات العربية ، ذلك أن أحد الأهداف المهمة للقائمة العربية في هذه الانتخابات كان إبعاد ” نتنياهو” عن السلطة حتى تنفتح أمامه أبواب السجن بسبب الفساد الذي انغمس فيه هو وعائلته ، أما السبب الأقوى لدى الفلسطينيين فهو مالحق بشعبهم في ظل حكمه من قتل وملاحقات وعدوان متواصل .

وكما يقول الزميل الصحفي ” نظير مجلي ” الذي سبق أن كان مراسلا لمجلة ” اليسار” لسنوات طويلة ” الفلسطينيون في إسرئيل يريدون أن يكون لهم تأثير على الحياة السياسية في إسرائيل مثل بقية المواطنين خصوصا في القضايا التي تتعلق بمصيرهم ” .

وترجح معظم الاستطلاعات والتحليلات أن يفشل ” نتنياهو” وحزب الليكود في الوصول مجدداً إلى مقعد رئاسة الوزراء بالإضافة إلى أن الحزب قد بدأ يضيق ” بنتيناهو” الذي سبق أن قال عنه السفاح ” إرييل شارون ” ” إعطوا نتنياهو حبلا وسوف يشنق نفسه ” ولكن الحبل الذي سيشنقه سيمتد بين حزب الليكود من جهة ، والقائمة العربية من الجهة الأخرى ، وإن غدا لناظره قريب كما نقول نحن العرب .

يتعامل ” أيمن عودة ” شأن كل سياسي عقلاني مع الأمر الواقع كما هو ، ولكنه لا يرى مثلما يردد الكثيرون أن السياسة هي مجرد فن الممكن ، إذ غالباً مالايكون هناك ممكن واحد ، بل هناك ممكنات ، ومن ضمنها قوة الأمل ، وإصرار الشعب ، وإخلاص الطليعة ومثابرتها وصبرها ، وغيرها الكثير فلتجربة الشعوب ثراؤها المدهش ومفاجأتها ، وهنا بعض ما راهن عليه المناضل الشاب المثقف ” أيمن عودة” وهو يقدم لنا درساً رفيعاً في العمل السياسي التقدمي ، الذي حتى وإن إعتمد المناورة فإن الهدف الاستراتيجي النبيل لا يغيب أبداً عن عينيه ولا عن ضميره ، وهو ما يضع الحد الفاصل بينه وبين سياسيين تقليديين شعارهم ابحث ” من أين تؤكل الكتف” لتحقيق مصالح ضيقة تخص أفرادا أو أسرا أو قبيلة على الأكثر ، ولا تتردد في شراء أصوات الفقراء .

حين زارنا ” أيمن عودة ” ومعه رفاق له في مقر حزب التجمع قبل أكثر من عام قال أحدهم ” نحن نراهن عليكم ” فقلت أنا بسرعة ” بل نحن الذين نراهن عليكم ” وكنت أتطلع حينها لهذا المعنى أي كيف يكون الأفق الاستراتيجي للممارسة السياسية مرتبطاً بمصالح الجماهير العريضة آنية ومستقبلية .

وأجدني أقدم اعتذاراً الآن للصديق الغائب الذي يزداد حضوره بهاء كل يوم ” محمود درويش ” .

 

التعليقات متوقفه