ماجدة موريس تكتب:إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية

860

*ماجدة موريس

في وسط الناس في الشارع وقف يغني  ويقول: إني اخترتك يا وطني،،حبا وطواعية.. أني اخترتك يا وطني،، سرا وعلانية،، يا وطني الرائع يا وطني،، كان الفنان الكبير مارسيل خليفة يبدو وكأنه علي نفس المسرح الذي يغني لجمهوره عليه في لبنان، أو أي بلد آخر يذهب إليه، ولكن اليوم لم يكن مثل أي يوم آخر،، فهذا مسرح الشارع وسط جمهور كبير يتجاوز كل جماهير المسارح مجتمعة والمناسبة ليست فنية، ولكنه كان اليوم الرابع في (أيام الشعب اللبناني) لاسترداد وطنه كما عبر العديدين من أبناء وبنات هذا الشعب طوال الأيام التي بدأت الخميس الماضي وقدمت لنا وللعالم نموذجًا رائعًا للبشر حين ينتهي صبرهم الطويل من معاناة ممتدة لم تعد تتحمل المزيد، ونموذج للمواطنين والمواطنات، من كل الفئات والمهن، حين يصبح هدفهم واضحا ومحددا، في كل مكان: نريد ان نعيش في وطننا لبنان بدون طائفية، ولا خلافات مذهبية، ولا محاصصة في توزيع المناصب والنفوذ، نريد العدالة والمساواة في كل شىء، خاصة فرص العمل، والحياة،، ومطالب أخري قالها الشعب في كل مكان ذهبت إليه كاميرات التليفزيون ومراسلوه، ومراسلاته (الاكثر عددًا) من بيروت العاصمة وساحات ( رياض الصلح) و ( الشهداء) الي صور وصيدا وطرابلس والنبطية ومدن وميادين أخري، والناس كما هم، وكأنهم (علي قلب رجل واحد) كما يقول المثل، وسواء كانت القناة هي (العربية) أو (الحدث)، أو (الغد) وكلها قنوات إخبارية عربية، أو كانت (فرنسا٢٤) أو (بي .بي.سي) فإن المواطنين لم يتراجعوا عن مطالبهم التي تناولتها القنوات اللبنانية أيضا، وكانت قناة (الجديد) الاكثر أهتماما فألغت برامجها لتتحول الي متابعة الحراك الشعبي من خلال مجموعة مراسلات ومراسلين شباب علي مدي اليوم بكامله، مراسلوها كانوا،، نشطين، حاولوا التملص من الإحراج بسبب الاتهامات التي وجهها الناس للحكومة والطوائف والأحزاب،، ولكننا سمعنا ورأينا،، وفرحنا،،وحزننا.

أن تحب الوطن،، بطريقتك

منذ سنوات قليلة، نزل اللبنانيون الي الشوارع بسبب تخاذل المحليات في جمع القمامة وتركها تشوه بلدهم،، وتابعت القنوات اللبنانية هذا يوميا وبالتالي عرفها العالم، خاصة العربي، وانتهت الأزمة سريعا، لكن نزولهم اليوم مختلف، فنحن نري من خلال الشاشات وجهات نظر كل فئاتهم، ونكتشف، ايضا مدي الغضب لديهم، والإصرار علي الاعلان عن أمرين مهمين في بداية حديث كل رجل أو امرأة،، شاب او فتاة،، الامر الاول انه لبناني ولبنان وحدها هي ما تهمه، الامر الثاني انه يريد العيش في وطن بدون طوائف او مراكز قوي، مهما كان انتماؤه الديني، وبرغم الكلمة التي القاها سعد الحريري ، رئيس الوزراء، وكلمة حسن نصر الله، الزعيم الشيعي، إلا أن (المواطنين) أعلنوا انهم يرفضون التبعية لاي جماعة،، ومن خلال انتقالات مراسلي الفضائيات (خاصة قناة الجديد)، تأخذنا كلمات الناس الي مساحات واقعية لأحزانهم مع ارتفاع نسب البطالة،، والشكوى من الغلاء، والضرائب وآخرها الضريبة علي استخدام الواتساب!! التي  كانت أحد الأسباب المباشرة ، للغضب و(القهر) كما قال أحد المواطنين.

صوت فيروز،، ولوحات الهواتف

هل ينفصل الفن عن الحياة في أي وقت؟ الإجابة  قدمها اللبنانيون من خلال الاحتجاج الكبير الذي تجاوز المليون بكثير، والذي صار له نظام لافت، في المساء، من اليوم الثاني، وملخصه ان يدخل الفن كطرف أساسي في ساحات الاحتجاج، سواء بإذاعة اغنيات وطنية كأغنية فيروز(بحبك يا لبنان يا وطني بحبك)،، أو ان يقوم الجيل الجديد من الفنانين بإعداد كلمات علي موسيقي أغان منتشرة حاليًا (مثل اغنية تلات دقات  للمغني المصري أبو)،،، أو أن يشكل المتظاهرون لوحات فنية رائعة في الليل من خلال إضائة هواتفهم ورفع الأعلام،، او ان يحتفون، برقصة جماعية، مع عروسين ذهبا إلي الناس طلبًا للدفء الانساني، وأن يندمج الجميع في غناء ورقص جماعي يهتز له حتي المتابعين عبر الشاشات الصغيرة،، اكتشف اللبنانيون قوتهم، نعم ، اكتشفوا ان تضامنهم وحده هو من سيقودهم امام القوي التي حكمتهم وأوصلتهم الي حال صعب،، وسط الحشود نري فنانين كبار وممثلات شهيرات، ونري ناس يشكون ضيق الحال، الشديد،، شباب من كل الهوامش، ونساء وفتيات في مقدمة الصفوف، لا فرق بين عادية ومحجبة، فالرأي واحد تقريبا، والنظرة توحدت وهتفت، وواجهت الكاميرات بشجاعة وقوة ،انهم،، اي هؤلاء الناس في الشوارع، تجاوزوا مواقعهم، وذواتهم الخاصة، ليدافعوا عن بلدهم ضد مجموعة ادخلت البلاد في نفق مظلم،، وليستعيدوا لبنان لانفسهم،، ويقدمون لنا درسا في التضامن والفهم الواضح لقيمة الوطن،، والمواطنة. تحية للبنان،، ولشعبه المحترم.

التعليقات متوقفه