أمينة النقاش تكتب:عن الكباش والمسلة والقرود

558

ضد التيار

عن الكباش والمسلة والقرود

أمينة النقاش

يحق لمصر، فجر الضمير الإنسانى كما وصفها عالم المصريات الأمريكى هنرى بريستد، وهى تحظى بامتلاك ثلث آثار العالم،أن تنشر وتزين مدن وقرى وأحياء وميادين البلاد بتلك الآثار، إذ يظل من غير المفهوم أن تزين الآثار المصرية معظم المتاحف الدولية، وأن ترتفع المسلات المصرية فى مدن وعواصم العالم الغربى من باريس إلى لندن ومن الفاتيكان إلى روما وواشطن، ولا تزين واحدا من أهم ميادين العالم، وهو ميدان التحرير، التى تستحق الجهود الجبارة المبذولة لتطويره كل تحية وتقدير.

لكن هذا الحق للحكومة المصرية، يظل مشروطا بواجبات صارمة تلزمها بالحفاظ على الأثر، وفقا لمصلحة الأثر اولا وأخيرا، والتزاما بالاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها الحكومات المتعاقبة، التى تعتبر الآثر ملكا للبشرية جمعاء.

وقبل أيام وصلت إلى القاهرة الكباش الأربعة من معبد الكرنك بالأقصر إلى ميدان التحرير، تنفيذا للخطة التى وضعها مجلس الوزراء مع الجهات المختصة، لوضعها بجانب المسلة التى يتم جلبها من “صان الحجر، من الشرقية، لتطوير ميدان التحرير وتجميله وجعله مزارا سياحيا دوليا، وهو هدف ينتظر تحقيقه الجميع. ومن الواضح أن مجلس الوزراء قرر عدم التوقف أمام اعتراضات أثريين وعلماء آثار وباحثين فى علوم الآثار، بشأن المخاطر المؤكدة التى سوف تنتج عن الكباش من موطنها الأصلى إلى بيئة جديدة مغايرة.

و المبررات التى تسوقها الحكومة لم تقلل المخاوف الحقيقية للمعارضين لنقل الكباش،.وفى هذا السياق بدا لافتا للنظر أن الدكتور زاهى حواس يوافق الآن على هذا النقل، بينما قد سبق له الاعتراض عليه، حين كان وزيرا للآثار، وربما ترجع تلك المفارقة إلى توليه للموقع فى الفترات القلقة التى اعقبت مظاهرات يناير، ولم يكن على يقين من أنه ظرف موات للحفاظ عليها.

المعارضون لنقل الكباش من أثريين وباحثين فى علم الآثار وأساتذته فى الجامعات المصرية، يقولون إنه مخالف للأعراف الدولية، ولوثيقة التراث العالمى لليونسكو الصادرة عام 1974، التى وقعت مصر عليها، وهى تستند للبند السابع من ميثاق البندقية، الذى ينطوى على أسس تنظم الحفاظ على المواقع والمبانى الآثرية. وإذا كانت المسلة مصنوعة من حجر الجرانيت الوردى الذى يتحمل مختلف البيئات الحاضنة، ولا بأس من نقلها، فإن الكباش، تماثيل مصنوعة من الحجر الرملى، بما يعرضها للتأثيرات السلبية الناجمة عن عوادم السيارات والعوامل البيئية الحافلة بالرطوبة والأتربة، وهى تختلف عن مناخ بيئة الأقصر الجافة، حيث موطنها الأصلى. هذا بالاضافة إلى أن المسلات تزين بتماثيل للقردة التى كانت تلعب دورا هاما فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى مصر الفرعونية، حيث تزين المسلة التى يرأسها تمثال أبو الهول، بالقرود لا الكباش، لتقوم بالتهليل لأشعة الشمس ولإله الشمس “رع”.

ردود السلطات التنفيذية قفزت على تلك الاعتراضات، وسردت مبررات أخرى للنقل، بينها أن الكباش المنقولة ليست من بين الأربعين كبشا الموجودة على الطريق الذى يصل معبد الأقصر بمعبد الكرنك و يبلغ طوله خمسين مترا، وأنها كانت غير مرئية ومخفية تحت الأتربة، وخلف مبانى الطوب اللبن، فى نهاية الصرح الأصلى. وبدلا من أن يعد ذلك كشفا جديدا يمكن به إعادة الصرح الأثرى إلى ما كان عليه فى السابق- قدر الإمكان – باستكماله بتلك الكباش، يتم النقل، وتعجز ردود الجهات الرسمية عن منع التخوفات التى يسوقها الأثريون من الخطر عليها من عوامل تغيير البيئة والمناخ، وعوامل التعرية التى تدمر الأثر وتخفى معالمه.هذا فضلا عن أن نحت نسخ من تلك الكباش ووضعها فى الميادين هى من الأمور الممكنة والمتاحة.

وإذا ماكانت الكباش كما تقول الحكومة، ما المانع إذن من نقلها إلى المتحف الكبير، المجهز بأساليب لحفظ الآثار وصيانتها، والاستفادة من تجاربنا السابقة فى نقل تمثال رمسيس من الميدان الذى يحمل اسمه، بعد دراسات معمقة، إلى المكان الذى يقام فيه المتحف الكبير، فى مناسبة – فيما أتذكر-البدء فى تنفيذه عام 2006.

لا تستهينوا بالاعتراضات العلمية المطروحة، ولا تستخفوا بالآراء المخالفة، لا سيما أنها تخدم هدفا عاما، ومازالت الفرصة سانحة لوضع قرود بجوار المسلة بدلا من الكباش، وإرسال الكباش للمتحف الكبير حفظا لها من تدمير مؤكد.

التعليقات متوقفه