لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب :سقط القناع..(من وحي ما يجري في غزة)

58

” … حولت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، حيث يضم أكثر من مليوني نسمة. وفي إطار العدوان الإسرائيلي على القطاع يقوم الجيش الاسرائيلى بدعم ومشاركة أمريكية سافرة بارتكاب مذابح طالت المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. إن ما يجري في غزة الآن هو عملية إبادة جماعية عقابًا لشعب اختار مقاومة الاحتلال ورفض الاستسلام. وهذه العملية تتم بكل الوسائل: القتل والتشريد والتجويع والتعطيش. انطلق الصهاينة كالكلاب المسعورة، وأطلقت أمريكا وإسرائيل آلة الحرب المجنونة بدعوى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. والعالم يتفرج على ما يجري. والغرب أسقط كل الأقنعة. نعم كل الأقنعة. ورغم كل ذلك، فإن الفلسطينيين في غزة يخوضون كفاحًا شجاعًا وشريفًا جديرًا بالإجلال والإكبار”.
كان ذلك ما كتبته في هذه الزاوية بعد شهر واحد من اندلاع عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي.
والآن، فإن هذه العملية تكمل شهرها السابع. وكما نعرف من دورة حياة البشر، فبين الشهر السابع والتاسع يحدث الميلاد. لا أخفي عليكم أعزائي القراء أن مزاجي يتقلب كثيرًا بين الخوف والرجاء وأنا أتابع ما يجري بكل جوارحي. فلا شيء أقسى على الإنسان من الإحساس بالعجز. إحساسك وأنت ترى النساء والأطفال يتساقطون، ويكون الخيار الوحيد أمامك هو بين أن تتابع هذا المشهد الدموي أو تنظر في اتجاه آخر. أضعَفُ الإيمان هو ألا تكون شيطانًا أخرس. لذلك فأنا أتكلم، وأُطِلُّ في الفضاء العام متوشحًا بالشال المزين بالعَلَم الفلسطيني. فكرتُ في لحظة ما أن أُضِرب عن الطعام تعبيرًا عن موقفي وإعلانًا لتضامني. لكن الأصدقاء قالوا إن هذا ربما يضر أكثر مما يفيد. وفى غمرة القلق والتوتر، تذكرت قصيدة “مديح الظل العالي” لشاعر الأرض والمقاومة محمود درويش. وهأنذا أشارككم أعزائي القراء بعضًا منها.
“سقط القناع.. عن القناع.. عن القناع..
سقط القناع ..
لا إخوة لك يا أخي،
لا أصدقاء لك يا صديقي، لا قلاع !
لا الماء عندك، لا الدواء، ولا السماء، ولا الدماء ..
ولا الشراع ولا الأمام ولا الوراء..

حاصِرْ حِصارَك .. لا مفرّ
سقطت ذراعُكَ، فالتقطها
واضرِبْ عدوَّكَ .. لا مفرّ!
وَسَقَطْتُ قُربَك، فالتقطني
واضرب عدوك بي، فأنت الآن حرّ
وحرّ
وحرّ

قَتْلاك، أو جَرحاك .. فيك ذخيرةٌ
فاضرب بها! إضرب عدُوَّكَ .. لا مفرّ !
أشلاؤنا أسماؤنا .. أسماؤنا أشلاؤنا
حاصِرْ حصارَك بالجنون !
وبالجنون !
وبالجنون !

ذهب الذين تحبهم، ذهبوا..
فإما أن تكون
أو لا تكون

سقط القناع عن القناع .. ولا أحد
إلّاك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان !
فاجعل كل متراس بلد !
لا .. لا أحد
سقط القناع ..

عَرَبٌ أطاعوا رُومَهم ..
عَرَبٌ وباعوا رُوحَهم ..
عَرَبٌ .. وَضاعوا
سقط القناع عن القناع
سقط القناع ….”

التعليقات متوقفه