ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :التجمع.. صوت من لا صوت له

27

كانت مصر تجتاز مسارا عسيرا حين أُعلن فى العاشر من إبريل عام 1976عن تحويل منبر اليسار إلى حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدى برئاسة “خالد محيى الدين” فى سياق العودة للنظام الحزبى التعددى للمرة الأولى، منذ أن أصدر مجلس قيادة ثورة يوليو فى 18 يناير عام 1953 قراره بحل الأحزاب ومصادرة أموالها، منهيا بذلك التجربة الحزيبة التى سادت فى الحقبة الملكية واتسمت بملامح ليبرالية هشة وغير مكتملة التمثيل لكل شرائح المجتمع المصرى، بفعل سيطرة كبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار الممولين و رجال الصناعة والتجارة على عضوية مجالسها النيابية .

لم تكن هناك فى حركة اليسار المصرى آنذاك شخصية جامعة وجاذبة وقادرة مثل خالد محيى الدين على إقناع الشيوعيين والناصريين والقوميين والتيار الدينى المستنير على العمل المشترك داخل حزب التجمع، فى إطار برنامجه السياسى العام الذى توافقوا عليه. وفى أجواء عاصفة تنتقل فيها مصر من عصر إلى عصر مغاير له فى التوجه ومناقض له فى الأهداف، بدأ الحزب ممارسة نشاطه بالعمل الدءوب على ترسيخ صيغة التجمع، بفتح كافة منافذ الحوار الحزبى، لكى تتقارب تيارته السياسية والفكرية المتعددة، وتتوصل إلى تفهم مشترك لوجهات النظر المختلفة، وتتوحد حول برنامج سياسى وتوجهات فكرية وحركية متسقة مع خطه السياسى، سعيا كما قال فى مؤتمره العام الأول لبناء التجمع حزب جماهيرى قادر على خوض نضال مثمر فعال للدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية، وصولا إلى بناء مصر وطنا للحرية والاشتراكية والوحدة.
لعبت شخصية خالد محيى الدين الساحرة ، بسعة صدره وتجاربه السياسية المتراكمة وكارزميته ومتانة قدراته القيادية، الدور الرئيسى فى الحفاظ على وحدة التجمع وانجاح دوره فى توسيع أفق الحياة الديمقراطية، وجعل العدالة الاجتماعية مطلبا دائم الطرح فى الحياة السياسية، والتمسك بالحوار وبالنضال السلمى الديموقراطى وبالوسائل النيابية طريقا للتغيير الاجتماعى والسياسى، وهى مهمة شاقة لكنها غير مستحيلة، أثبتت التجارب المتلاحقة والمعارك التى خاضها التجمع فى العقود السابقة مدى صوابها ونجاحها.
كانت البلاد تغلق حقبة تاريخية انطوت السياسيات التى كانت سائدة بها على مراعاة أكبر قدر من الحدود الدنيا لخدمة مصالح الأغلبية من المواطنين المصريين ممن يصفهم العميد “طه حسين “بالذين يحرقهم الشوق إلى العدل، والذين يجدون مالا ينفقون والذين لا يجدون ما ينفقون .فكان أن عملت الدولة على توفير العمل لخريجى الجامعات ودعم السلع الأساسية لهم عبر بطاقات تموينية وأتاحت مجانية التعليم والعلاج، وسعّرت السلع والخدمات العامة، وسعت إلى إصلاح القطاع العام وليس إلغاؤه، والتزمت بالتخطيط الاقتصادى فى مجالات التصنيع والإنتاج الزراعى. وفى غضون أربعة أعوام من رحيل “جمال عبد الناصر ” تغير الحال ، وانتقلت البلاد إلى حقبة جديدة، أصبح رأس المال فيها هو السيد النافذ الآمر والمتحكم فى السياسات والقرارات والقوانين، وصار يُعرف بسياسات الانفتاح الاقتصادى التى تم تشريعها بالقانون 43 لسنة 1974حيث أباح دخول الاستثمار العربى والأجنبى والمناطق الحرة إلى السوق المصرية، ومنح القطاع الخاص الحرية المطلقة للعمل، وحفض التدخل الحكومى فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترك المجال مفتوحا للمبادرات الفردية لرأس المال المحلى والأجنبى. ومنذئذ تشكلت ملامح الأزمة الهيكلية للاقتصاد المصرى الممتدة حتى اليوم .وفاقم منها الدعم الرسمى لسياسة الاستهلاك على حساب الانتاج، والبحث عن حلول خارجية غير ثابتة لتلك الأزمة بالاعتماد على السياحة، وبتشجيع هجرة العمالة المصرية للخليج وما جلبته معها من مشاكل اجتماعية خطيرة، واستسهال الاعتماد على المنح والقروض من الدول ومؤسسات المال الدولية لتتفاقم الأزمة بتراكم الديون الخارجية، وتصبح غالبية المواطنين من ذوى الدخول المحدودة ضحية لتلك السياسات، الذى يقودها ويدافع عنها تحالف اجتماعى وثيق المصالح ، داخل وخارج السلطة.وبدا ظهور حزب التجمع بمثابة ضرورة تاريخية ووطنية لكى يرفع صوت من لا صوت لهم ويعلى من مصالحهم دفاعا عن الاستقرار السياسى والاجتماعى معا.
فى العاشر من الشهر الجارى بلغ حزب التجمع عامه الثامن والأربعين. ومنذ توالى رحيل الجيل المؤسس للحزب، ظن كثيرون أنه فى طريقه للزوال .لكن التجمع خيب ظنونهم. وكان من حسن حظه أن يتصدر منذ العام 2015 وحتى اليوم فى موقع الأمين العام ورئيس الحزب” سيد عبد العال “أحد مؤسسى حزب التجمع وأحد قيادات جيل الوسط الذى صعد بجهده وكفاءته وخبرته السياسية المتراكمة، لتقلد مواقع حزبية مختلفة. وخلال تلك السنوات استطاع “سيد عبد العال” باستلهامه لميراث التجمع وسعيه لتطويره، ووعيه بأهمية الدور المنوط به، أن يواصل بنجاح مسيرة التجمع، وأن يحافظ على وحدته كأول منبر علنى رسمى لليسار المصرى ، وأن يرسم حدودا واضحة للمعارضة الحقيقية والأخرى المصطنعة، وأن يحفز أعضاء الحزب وقياداته على اتخاذ القرار السياسى فى وقته وفى سياقه العام، وبناء على القول الفصل للمعلومات التى يؤكدها الخبراء والمختصون فى كافة المجالات، سواء من داخل التجمع أو من خارجه.وإليه يعود الفضل بالدفع بجيل الشباب من الحزب لتقلد مسئوليات حزبية ونيابية وعامة، ليس فقط لتجديد دماء الحزب وبعث الحيوية فى أنشطته، بل كذلك لتقديم قيادات جديدة للحركة السياسية وللمجتمع المصرى .وتلك فضائل لا يمتلكها إلا البناؤون والنبلاء ممن يعلون بمصالح الجموع والمصالح العامة فوق الأهواء وحتى بالتضحية بمصالح شخصية.

التعليقات متوقفه