د. جودة عبدالخالق يكتب:الرغيف بين الشعب والرئيس

1٬385

لقطات
الرغيف بين الشعب والرئيس

د.جودة عبد الخالق
أثار السيد الرئيس موضوعا شديد الأهمية، عندما أعلن فى افتتاح المدينة الصناعية الغذائية «سايلو فودز» يوم الثلاثاء 3 أغسطس الجاري أن «الوقت قد حان لزيادة ثمن رغيف الخبز الذى يباع بسعر 5 قروش». وأضاف «مش معقول أدى 20 رغيف بثمن سيجارة… الكلام ده لازم يتوقف… رغيف العيش بيكلفنا 65 قرشا». وربما تكون هناك مبالغة فى تحديد التكلفة بـ65 قرشا، لكن الواقع أن الحكومة فى ورطة شديدة. ويبدو أن خبراءها قد صوروا للرئيس ان دعم الخبز يشكل ضغطا كبيرا على الموازنة العامة للدولة، وأن سبب مشكلة دعم رغيف العيش هو فى تدنى السعر. وهذا التصور للمسألة غير صحيح. ولتوضيح هذه النقطة المهمة، نورد بعض الأرقام ذات الدلالة.
أن اعتمادات دعم الخبز فى الموازنة الحالية «باستبعاد دقيق المستودعات» تبلغ 47.4 مليارات جنيه، فى حين يزيد اجمالى المصروفات على 1.8 تريليون « التريليون مليون مليون» جنيه. أى أن دعم الخبز لا يمثل أكثر من 2.6 % من اجمالى المصروفات. واضح من الأرقام السابقة أن دعم الرغيف ليس هو سبب العجز المالى. فحتى لو تم الغاء الدعم تماما برفع سعر الخبز إلى مستوى التكلفة، فمعنى ذلك توفير 47.4 مليارات جنيه فقط من المصروفات العامة. يعنى قطرة فى محيط.
السبب الأهم للعجز المالى ليس هو الافراط فى الدعم، بل هو الافراط فى الاستدانة. فقد خصص لخدمة الدين فى موازنة 2021 / 2022 مبلغ 1.173 تريليون جنيه. يعنى تقريبا 25 ضعف المبلغ المخصص لدعم الخبز. وفضلا عن ذلك يوجد العديد من مجالات دعم الأغنياء، وهو دعم مسكوت عنه ولا يظهر فى الموازنة. على سبيل المثال لا الحصر، نذكر الدعم الذى تحصل عليه شركات تجميع السيارات منذ أربعين عاما فى صورة الفرق بين ما تدفعه من جمارك متواضعة على مكونات السيارات «فى حدود 15 – 20 %» والجمارك المرتفعة على السيارة المستوردة « 100 % فأكثر».
ونحن نناقش قضية دعم الخبز، لابد أن نتوقف عند مجموعة من الحقائق. أولا، أن مصر هى أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، ويتجاوز استيرادنا حاليا خمسة ملايين طن فى السنة. ثانيا، أن سعر الخبز كغذاء للإنسان أرخص كثيرا من قيمته عندما يستخدم كعلف للحيوان. ثالثا، أن السعر الحالى للخبز المدعم لم يتغير منذ حوالى ثلاثين عاما. ولكن كان هناك رفع مقنع للسعر من خلال تخفيض وزن الرغيف: من 130 إلى 110 حرامات فى 2014، ومن 110 إلى 90 جراما فى 2020. رابعا، اختفت من التداول الخمسة قروش والعشرة قروش والربع جنيه، وأقل وحدات فى التداول حاليا هى نصف الجنيه والجنيه المعدنى. وبالتالى فإن أقل كمية من الخبز يمكن شراؤها عمليا هى عشرة أرغفة. خامسا، أن 27 % من المصريين فقراء طبقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وأن الدعم ضرورة سياسية واجتماعية طالما كان هناك فقر.
ان تجميد سعر الخبز المدعم أدى الى استخدامه كعلف للطيور والماشية. فثمن كيلوجرام الخبز المدعم 55 قرشا، فى حين أن سعر كيلوجرام العلف حوالى 5 – 8 جنيهات. وحماية الخبز المدعم تتطلب وجود سياسة وطنية لعلف الحيوان. ولكننا نحذر من تصور أن مشكلة دعم الخبز يمكن حلها برفع سعر الرغيف. ولعلنا نتذكر انتفاضة 18 – 19 يناير 1977 عندما رفعت الحكومة سعر العيش وعدد من السلع الأخرى، فقامت القيامة. فالخبز قضية أمن غذائى: أمن غذائى للوطن وأمن غذائى للمواطن.
وهنا يتطلب الأمر حسابات دقيقة ومعقدة: اقتصادية وسياسية واجتماعية وتغذوية. واستشعارا لواجبى الوطنى، فاننى أدعو لعقد مؤتمر لمناقشة قضية الدعم تشارك فيه الحكومة والأحزاب والخبراء والمؤسسات البحثية. ولا بأس من الاستماع إلى رأى المواطنين العاديين أيضا، بحيث تناقش كل أبعاد قضية دعم الخبز بمشاركة الجميع.
وبهذه المناسبة، أذكر تجربة المؤتمر الاقتصادى الذى دعا إليه الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 1981، والدراسة الضافية التى قدمها حزب التجمع لقضية الدعم تحت عنوان «دعم الأغنياء ودعم الفقراء». كما أذكر الاستراتيجية الشاملة متعددة المراحل،التي قدمتها عندنا كنت وزيرا للتموين، للتعامل مع مشكلة دعم الخبز، والتى كانت تقوم على مبدأ الاعتماد على الذات «وليس الاكتفاء الذاتى». كما كانت تلك الاستراتيجية تنطلق من اعتبار الخبز منتجا ثقافيا وليس مجرد سلعة تتداول فى الأسواق. وتضمنت الاستراتيجية إجراءات للإصلاح فى حلقات سلسلة عرض الخبز المختلفة: الانتاج والنقل والتخزين والطحن والخبز. لقد ألقى الرئيس حجرا فى بحيرة راكدة عندما طرح ضرورة مراجعة سعر الخبز. وعلينا أن ننتهز الفرصة للتعامل مع الموضوع على المستوى الذى يمثله من أهمية للوطن ككل ولعشرات الملايين من المصريين الغلابة.
** أتقدم بخالص التهانى القلبية إلى الأمة الإسلامية فى كل بقاع الأرض بمناسبة العام الهجرى الجديد.

التعليقات متوقفه