دعم الخبز ومحنة الفقراء.. العيش هيغلى ..هيغلى

الحكومة تضع السيناريوهات والاحتمالات وتفتح القضية من جديد

193

جودة عبدالخالق: رفع سعر الخبز المدعم سيؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار واتساع نطاق الفقر
خبراء: التوقيت غير مناسب وتطبيقه يزيد الأعباء على الأسر الفقيرة

ناقش مجلس الوزراء، الأسبوع الماضى برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي قضية تسعير رغيف الخبز, وأعلن رئيس الوزراء خلال المؤتمر الصحفى الذي عقده عقب الاجتماع أن الحكومة تناقش كافة السيناريوهات المتعلقة بسعر رغيف الخبز، وتضع السيناريوهات والاحتمالات، قائلا: “هنتحرك هنتحرك”, هنشوف الفئات المهمشة ونشوف التأثير عليهم، وعند اتخاذ خطوة رفع أسعار الخبز سنضمن عدم تضرر الفئات الأكثر فقرا.
وأوضح أن آخر تحريك لسعر رغيف الخبز كان عام 1988، مشيرا الى أنه ارتفع حينها إلى 5 قروش عندما كان تكلفة الرغيف على الدولة 17 قرشًا.
وأشار إلى أن تكلفة الرغيف على الدولة اليوم 65 قرشًا، وبالتالي أصبح من المنطقي تحريك السعر نظرا لتغير الظروف.. وقال إن الأسعار العالمية شهدت زيادات غير مسبوقة خاصة الأقماح والمواد البترولية ..هذه التصريحات تسببت فى حالة واسعة من الجدل والقلق لدى الأغلبية العظمى من المواطنين خاصة الفقراء ومحدودى الدخل الذين يعتمدون بشكل اساسى على الخبز المدعم (أبو شلن), وأيضًا لدى المواطنين الذين تم حذفهم من الدعم التموينى, ويعتمدون على الخبز السياحى, ويخشى هؤلاء من أن يتسبب تحريك الدعم عن رغيف الخبز الى تحرك اسعار منتجات وسلع أخرى بالاسواق, فيما يخشى خبراء الاقتصاد من أن يتبع ذلك التحرك موجة تضخمية ترهق المستهلك المصرى, مؤكدين أن التوقيت غير مناسب لاتخاذ مثل هذا القرار, و إن الابقاء على الدعم ضرورة للعديد من الفئات الإجتماعية فى المجتمع نتيجة السياسات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة وأدت الى ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة وتزايد معدلات الفقر …
فى الحقيقة أن الاتجاه الحكومة الخاص بإعادة النظر فى دعم الخبز ليس وليد اليوم, منذ عدة أشهر طالب الرئيس السيسى الحكومة بضرورة إعادة النظر فى هذا الدعم, وتحريك سعر الخبز, وبالفعل شكلت وزارة التموين والتجارة الداخلية وقتها لجانا لوضع عدة سيناريوهات لزيادة سعره
لا لرفع سعر الخبز
كان حزب التجمع قد دعا الى تطهير منظومة تداول دعم السلع الغذائية خاصة الخبز, مشيرا الى أن المنظومة يشوبها فساد وإهدار للمال العام لضعف الرقابة مؤكدا رفضه لرفع أسعار رغيف المدعم, وأكد أن التكلفة المالية لدعم رغيف الخبز التى ستتحملها الدولة هى تكلفة سياسية واجتماعية مردودها يصب فى الرضا المجتمعى ومزيد من الاستقرار الوطنى والاجتماعى, ويعتبر الخبز وخاصة البلدى إحدى أهم الواجبات الأساسية للمواطنين والطبقتين الفقيرة والمتوسطة حيث يصل معدل الاستهلاك السنوى للفرد فى مصر الى 180 كيلو جرام لكل عام, فى مقابل 85 كيلو جرامًا لكل عام متوسط الاستهلاك العالمى.
تاثير رفع الخبز
فيما أوضح د”جودة عبدالخالق” رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع ووزير التضامن الأسبق, أن الخبز وفقا لدراسات المعهد القومى للتغذية يشكل النسبة الأكبر من غذاء المصريين, ونحن فى الاقتصاد نتحدث عن الخبز باعتباره من السلع الأجرية أى أن سعر الخبز هو الذى يحدد معدل الأجر, فكلما يزيد سعر الخبز يؤدى الى ارتفاع فى معدل الأجر, وبذلك نرفع تكاليف الانتاج وكل ما يترتب من ارتفاع تكاليف الانتاج من اشياء, ففى الوقت الذى تحاول الحكومة تخفيض الدعم تقوم برفع تكلفة الانتاج, وبالتالى اذا كان رفع سعر البنزين مؤخرا ادى الى رفع الاسعار فى عدة مجالات, فنتوقع تأثير رفع سعر الخبز عشرة أضعاف.
وأضاف أن مصر لا تزال تنفذ شروط صندوق النقد الدولى مشيرا الى أن البرنامج المشئوم فى 2016 الذى اطلقت عليه الحكومة برنامج الاصلاح الاقتصادى, وتحمل تبعاته المواطن المصرى المفترض أن البرنامج انتهى فى 2019, الا أن الحكومة المصرية لجأت مرة أخرى الى صندوق النقد الدولى وتقدمت بطلب فى ظل اوضاع كورونا وحصلت بالفعل على تمويل بقيمة 5,2 مليار فى اكتوبر2020 ومن ضمن شروط الحصول على القرض تطل قضية الدعم تحت مسمى ترشيد الدعم وايصاله لمستحقيه, وهذا يأتى كترجمة مباشرة بالالتزام من قبل الحكومة بهذه الشروط ليس فقط فى برنامج 2016, ولكن فى برنامج 2020 المسمى ببرنامج المساندة.
دعم الخبز والموازنة
والتساؤل الذى يطرح نفسه هل العيش يشكل عبئا على الموازنة العامة للدولة؟
يجيب د”جودة” قائلا: إن دعم الخبز يمثل قطرة فى المحيط, ومهما حاولت الحكومة التوفير فيه لن يحل مشكلة عجز الموازنة, وبالتالى فان الحديث عن رفع سعر الخبز لتخفيض عجز الموازنة هذا كلام غير منطقى, خاصة ان هناك العديد من المجالات الأخرى التى تعالج عجز الموازنة وليس من بينها رفع سعر الخبز, وتابع: كيف يتم اختزل عجز الموازنة فى موضوع سعر الخبز, فى حين أن هناك عدة بنود فى جانب الايرادات يمكن زيادتها, وعدة بنود فى جانب المصروفات يمكن تخفيضها, وبالتالى يمكن أن نصل الى نتيجة أفضل من العبث فى موضوع الخبز.
وأشار د”جودة” إلى أن الخطيئة الكبرى فى سعر الخبز هى تجميد سعره لمدة 30 سنة الماضية لأنه من المعروف أن حركة الاقتصاد لا تتوقف بما فى ذلك حركة الاسعار, وتجميد سعر سلعة معينة يفتح أبواب جهنم لأن باقى الاسعار تتغير وبالتالى تحدث ضغوط كبيرة جدا كما هو الوضع الحالى, الرغيف سعره 5 قروش, والحكومة تقول أن تكلفته 67 قرشا, رغم إنى اشك فى هذا الرقم الا انه مهما رفعت الحكومة السعر حتى لو بشكل تدريجى سيحدث زلزال, فالموضوع مخيف من الناحية السياسية خاصة أن لدينا تجربة سابقة عند زيادة سعر الخبز فى18و19 يناير 77, والحساب هنا لابد أن يكون سياسيا وليس اقتصاديا, وعندما نحاول رفع السعر بشكل تدريجى ستحدث هزة عنيفة ستؤدى حتما الى اتساع نطاق الفقر.
استهداف الفقراء
وناشد د”نادر نورالدين” استاذ بكلية الزراعة ومستشار وزراة التموين الأسبق الحكومة قائلا: من فضلكم اتركوا دعم الغذاء؟ مؤكدا أن الوقت الحالى ليس هو الوقت المناسب لرفع سعر الخبز, فلابد من تأجيل هذه الخطوة حتى تتحسن دخول المواطنين.
وأوضح د”نادر نورالدين” أن وزارة التموين أعلنت العام الماضى انه تم تنقية البطاقات التموينية وأصبح الآن الفقراء فقط هم المستقيدون من دعم الخبز, وتم حذف نحو 20 مليون مواطن, كما أن أى زيادة فى سعر الخبز سيتحملها الفقراء, وسيصبح الفقراء مستهدفين لافتا الى ان ايام الرئيس الاسبق حسنى مبارك عندما قام بزيادة سعر رغيف الخبز من قرشين الى 5 قروش عام 1984 كان الخبز المدعم يباع لعامة الشعب بأكمله دون تحديد لاى حصص او عدد محدد من الارغفة لكل مواطن, اما الآن فالخبز المدعم يباع للفقراء فحسب .وتابع: نسبة الفقر فى مصر تصل الى 30%, وفى الصعيد ترتفع لتصل الى 65% وللاسف ما يحصل عليه المواطن الفقير هو دعم وهمى حيث ان قيمة دعم الخبز التى يحصل عليها الفقراء 2,5 جنيه فى اليوم وهو فرق دعم الخمس ارغفة.
وأكد أن قيمة ما يحصل عليه المواطن من دعم للخبز تقلص تدريجيا فرغم أن سعر الرغيف 5 قروش الا أن وزنه تناقص عدة مرات وهذا بمثابة رفع لسعره, فالوزن كان 160 جراما فى عام 2005, انخفض الى 140 جراما عام 2010, ثم انخفض الى 120 جراما فى 2015, وفى عام 2020 وصل الى 90 جراما إذن الدعم انخفض تدريجيا وزاد سعر الرغيف عدة مرات.
وأشار الى أن الدعم الذى يشغل الحكومة لا يمثل سوى 2% من الانفاق العام، وهذه نسبة ضئيلة للغاية, ولم يكن من الفطنة أن يضن حكامنا على الناس بـ”نوايا تسند الزير” خاصة فى ظل الارتفاعات المتواصلة فى الاسعار التى أوقعت الكثير منهم فى براثن الفقر, فلا ينبغى تحميل الفقراء مزيد من الأعباء فى هذه المرحلة.

التعليقات متوقفه