ماجدة موريس تكتب:يوسف شعبان والرحيل الغاضب

950

يوسف شعبان والرحيل الغاضب

*بقلم ماجدة موريس
حين تراه علي الشاشة وهو يقوم بدور «سرحان البحيري» ذو الوجوه العديدة،الوجه الثوري التقدمي في الشركة التي يعمل بها رافعا لواء الثورة، ثم الوجه الثاني للانتهازي الذي يسعي للاقتراب من امرأة ليرتفع طبقيا، أما الوجه الثالث فهو للذكر الذي تقوده غريزته إلي المرأة الجميلة التي حلت عليه في مكان إقامته ورآها صيدا سهلا لأنها خادمة، سوف تحتفظ بأدائه مع تفرد الفيلم نفسه «ميرامار» المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ التي كتبها للسينما ممدوح الليثي واخرجها كمال الشيخ عام١٩٦٩ ومناسبة الحديث عن هذا الفيلم المهم والممتع هو هذه المجموعة من أبطاله المختلفين في السن، ولكن الموهبة جمعتهم من يوسف وهبي إلي عماد حمدي وابو بكر عزت وعبد الرحمن علي وشادية وعبد المنعم ابراهيم الي يوسف شعبان، احد الممثلين الصاعدين وقتها، والذي أقتسم البطولة مع الجميع ليفاجئنا بهذا الأداء المتلون والمنسجم مع الشخصية التي قدمها، بوجوهها المتعددة والتي استدعت منه اجتهادا كبيرا في الأداء، وربما كان «ميرامار» العمل الذي فتح الابواب لموهبة شعبان كممثل قادر علي أداء كل الادوار بالرغم من وسامته التي رشحته وترشح الممثل عادة ليكون البطل الطيب المحبوب، لكنه خرج عن هذا القيد ليقدم عشرات الافلام، ثم المسلسلات، التي تراوحت أدواره فيها بين الطيب والشرير، وتلك المساحات الواسعة من المشاعر والسلوكيات التي يعيشها البشر في حياتهم، ومن هنا فلم يترك يوسف شعبان شخصية في الحياة إلا وقدمها علي الشاشة، وكانت لديه شجاعة تقديم أدوار قد يرفضها ممثلون غيره مثل أدواره في افلام «معبودة الجماهير »اخراج حلمي رفلة عام ١٩٦٧وفيلم «حمام الملاطيلي» إخراج صلاح ابو سيف عام ١٩٧٣، .كانت بداية يوسف شعبان في زمن جيل الستينات الذي قدم لنا عددا من اهم واقدر الممثلين في تاريخ السينما المصرية مثل كمال الشناوي، وعمر الشريف ورشدي اباظة وشكري سرحان وصلاح ذو الفقار وحسن يوسف، واستمر هو مع الجيل التالي وأن وزع جهده بين السينما والتليفزيون في العصر الذهبي للدراما التليفزيونية،ليحافظ فيها ايضا علي تنوع الشخصيات التي يقوم بها من العم الظالم الذي يستولي علي ارث اخيه الراحل في«الشهد والدموع »، الي العم الصعيدي الطيب في«الوتد» إلي الرجل الطامع في التقارب مع عائلة اكبر في «المال والبنون». الي الرجل اللامنتمي الذي يحب امرأة شديدة الانتماء لاسرتها في«امرأة من زمن الحب » إلي الرجل الذي يحمل عقدة عائلته في«الضوء الشارد» الي الباحث عن السلام في مجتمعه في«العائلة والناس» وغيرها مائة وثلاثين عملا دراميا، كان الاهم فيها في تقديري هو دوره في «رأفت الهجان» عام١٩٨٨وحيث قام بدور ضابط المخابرات محسن ممتاز الذي أكتشف قدرات الشاب رأفت الهجان،وتبناه وعلمه ودربه ليكون جاسوسا لمصر وعينا علي ما يحدث في اسرائيل في هذا الدور، استطاع أداء يوسف شعبان ومحمود عبد العزيز معا ان يصل لدرجة عالية من التفاعل الخلاق بين ممثلين كبيرين يديرهما مخرج قدير هو يحيي العلمي وللدرجة التي اعطت لمشاهدهما معا مصداقية عالية.
البكاء وقت التكريم
في عام ١٩٩٧اصبح يوسف شعبان نقيبا للممثلين بالانتخاب، واعيد انتخابه لفترة اخري عام٢٠٠٠ واستطاع وقتها تسديد ديون النقابة وانجز عدة أمور مهمة مثل. علاج العاملين من زملائه وترك العمل النقابي عام ٢٠٠٣ بانتخابات لم ينجح فيها ليعود الي العمل الفني الذي تقلص،والادوار التي لم تعد لها نفس القيمة كثيرا، والفرص النادرة وفي ٢١سبتمبر عام ٢٠١٦ وقف علي خشبة المسرح الكبير بمكتبة الاسكندرية وعلامات الحزن والاسي علي وجهه علي الرغم انه كان مكرما من مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط، وقال وهو يلقي كلمته «أنا كنت نسيت أني بشتغل إيه من سنين لم يطرق أحد بابي حتي نسيت المهنة التي أفنيت عمري في محرابها» وأنسابت دمعات حزن من عيناه وسط التصفيق الحار من الجمهور الذي ملأ القاعة وبعد عام – في ٢٨يوليو ٢٠١٧ أعلن يوسف شعبان إعتزاله الفن وفي النهاية فإن رحيل هذا الممثل الكبير يترافق مع رحيل العديد من زملائه، وزميلاته، من نفس الجيل، وكأن زمننا هذا أصبح طاردا لهم صحيح ان رحيله كان بفعل الكورونا، ولكنها إرادة الله، وليبقى وجوده كفنان بقدر ما قدم لنا من اعمال ستظل دائما جزءا من الجانب الجميل في حياتنا.

التعليقات متوقفه