ماجدة موريس تكتب:يوم الحداد الوطني وهيئة «منع الحب»

401

يوم الحداد الوطني وهيئة «منع الحب»

ماجدة موريس
تحت بير السلم، في مكان مغلق وبصوت خفيض يعطي رجل لفتاة نسخة من كتابها، ويوصيها بكتمان المكان والكتاب نفسه لأنه ممنوع، وتخرج الفتاة- ليلي- بعد اسدال مايخفي وجهها ورأسها وتركب الموتوسيكل وتنطلق الي حيث يوجد الطرف الآخر، حبيبها مقدم البرامج باذاعة «باظ» والذي كان يبدأ برنامجه الصباحي في الاستديو بوجه جامد، ومحايد «آسر ياسين» قائلا لمستمعيه «معاكم حسن مفتاح، واليكم اخبارنا» ويمضي مع أخبار مثل تدشين اول غواصة تعمل بالذرة، وتاريخ انضمام ولاية أريزونا للولايات المتحدة الخ بينما تنطلق «ليلي» لتلتقط صديقة لها، والتي تخرج من حقيبتها اقراصا تعطيها واحدا، نعرف بعدها انه يهدئ ذبذبات القلب حين تصلان الي قرب الاذاعة، وتتعرضان لرجل أمن يقوم بالكشف علي ذبذبات القلب مرددا «ذبذبات قلبك في الهاي نورمال، خدي بالك عشان ما تدخليش في المحظور»، تذهب الصديقة، ويخرج الحبيب لملاقاتها، تصارحه وهي تعطيه الرواية: عايزين نرجع الحب يا حسن «تعطيه الرواية» أنا جمعت كل كلامك هنا، مش حتنكر اللي قلته، لكن قلق حسن وخوفه يتزايدان «ياللا يا ليلي روحي مش عايز مشاكل، الناس مش لاقية تاكل حتحب!» فتخلع ليلي ردائها الخارجي، وتقف بالبلوڤر الاحمر الزاهي رافعة يديها، قائلة «لو لم ترفع الاغنية دي اليوم أنس حبنا يا حسن» وقبل أن تكمل الجملة تأتي سيارة سوداء مكتوب عليها «هيئة منع الحب» ويخرج منها رجال يقبضون عليها، لتصبح سيرتها علي كل لسان.
قائمة الممنوعات
يوم الحداد الوطني في المكسيك اسم الفيلم القصير الاول للمخرج الكبير خيري بشارة علي شاشة منصة «نيتفليكس» الدولية التي بدأت تجتذب العديد من المبدعين المصريين والعرب، وغير هذا الفيلم، ففي نفس السلسلة التي عرض ضمنها، واسمها «في الحب والحياة» سبعة أفلام قصيرة أخري، منها فيلم مصري ثانى للمخرجة ساندرا نشأت بعنوان «أخويا» والافلام الستة الباقية لمخرجين وكتاب من تونس والمغرب وفلسطين ولبنان والسعودية، ويقود انتاج هذه السلسلة فريق عمل «اتحاد الفنانين للسينما والڤيديو» برئاسة المنتج انطوان خليفة، وبالطبع فإننا أمام كيانات انتاجية قابلة لتقبل أفكار مختلفة، أكثر جرأة، وأقل خوفا من المغامرة، وهو ما يجذب العديد من المبدعين الباحثين عن مغامرات فنية يقدمونها بعد تاريخ حافل بانجازات قوية مثل خيري بشارة صاحب افلام «الطوق والاسورة» و«العوامة 70» و«يوم مر، يوم حلو» وغيرها من افلام السينما المصرية المهمة، من هنا جاءت مغامرته الجديدة مفاجأة، وممتعة، بقدر ماحوت من معان وأفكار وتعاون مع جيل جديد من محبي الفن وصانعيه، بداية بكاتبة الفيلم «نورا الشيخ»، وبطلته «ندي الشاذلي» التي قامت أيضا بتلحين وغناء أغنية النهاية «عارفة حبيتك ليه» والتي تتمتع بحيوية وأداء طبيعي ومعها نورا شعيشع، وهديل حسن، وكلاهما ضمن الوجوه الجديدة في العمل الي جانب آسر ياسين وبسمة ومحمد لطفي في أدوار مميزة وقوية برغم مشاهدها القليلة، لكن السيناريو وقدرة المخرج وفريق العمل علي خلق حالة من الحيوية الشديدة بين الفكرة، ونقيضها، وصولا للانقلاب النهائي، والذي صنعته الثورة ضد منع الحب، ومنع كل مفرداته من زهور، وملابس حمراء، وبلا لين، ودباديب، ورقص وغناء وبهجة، «وحتي السيارات الحمراء» يضعنا امام عمل فني يصل بالفكرة الي مستويات من الطرح الكوميدي والفانتازيا وصولا للعبث قبل ان يرفضها من خلال نفس الشخصيات، والمفردات «ومنها أختيار العنوان، وعلاقته بما حدث عام 1999 في مدينة باظ الجديدة، عاصمة جمهورية جنوب آسيا حين أصدرت المحكمة العليا قرارا بمنع عيد الحب»، مؤكدا علي انه من المستحيل قتل الافكار الملهمة للبشر في حياة اكثر بهجة وانسانية وهو ما نراه في النهاية حين يتخلص حسن من خوفه، ويدرك انه فقد حبيبته وسيفقد حياته وعالمه، ويبحث عن الخلاص من خلال نفس الميكروفون الذي استخدمه في إشاعة الخوف العام، فيقرر ان يعود الي صوابه من خلاله ايضا، ويذيع بيانا بمطالب الجميع، الخائفون والمحظورون، بإلغاء قانون منع الحب، وتحويل هيئة منع الحب الي هيئة دعم الحب، واعادة الاغاني مرة اخري الي الاذاعة، ورفع الحظر عن الدباديب والملابس الحمراء وكل مفردات الاحتفال بعيد الحب، ويخرج لملاقاة حبيبته بعد الافراج عنها قائلا لها ومغنيا «عارفة انا حبيتك ليه»، عشان واضحة وجريئة، فتغني له هي الاخري «شبه الاحلام في بداية العمر، وفي زمن الكدب، انت حقيقة» وينطلقان معا مغنيان- ومعبران عن رؤية تقترب من جمال الفن في ازمنة سابقة، سواء في السينما«فيلم آيس كريم في جليم »، او حتي الغناء «اغنية الدنيا ريشة ف هوا» وهي رؤية تذكرنا بآلاف الافكار والاعمال التي تناولت قضايا الحريات والمنع والمقاومة في صور وأشكال كثيرة، مع إضافة مهمة تركها لنا الفيلم هي البهجة والدهشة معا.

التعليقات متوقفه