ماجدة موريس :هاي مش عيشة

23

هاي مش عيشة، اسم هذا الفيلم الذي يقدم لنا صورة من حياة مستحيلة، والتي لا يمكن تخيلها لمن لا يعيشها حيث تتدرج المعاناة فيها إلى الحد الأقصي كما يحدث لبطلات الفيلم الذي أخرجته علياء اراظوغلي، وصوره مجدي نبورة، وقام بمونتاچه طارق أياد ووضع موسيقاه سعيد مراد، وفيه نرى الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة تزداد تدهورا من خلال نشرات الأخبار، بينما تتم ترجمة هذا من خلال ثمانية نساء، مختلفات في كل شيء، لكن تجمعهن المعاناة، والأحزان والمقاومة والتمسك بكل سبل الحياة الممكنة في هامش صغير متفاوت بسبب إجراءات القمع الإسرائيلية اليومية التي تسميها بطلات الفيلم «الإغلاقات».

عندما تغلق الحياة
اختارت المخرجة نماذج من النساء يعبرن عن كل نوعيات المرأة الفلسطينية، فلاحة تزرع الزيتون في قطعة أرض صغيرة للأسرة، وعاملة نظافة، وطالبة جامعية، وصاحبة بوتيك، وربة منزل، وإعلامية، والظروف القهرية التي تطالهن جميعا، والتي تتابعها كاميرا مصور الفيلم ببراعة وحساسية في سباقهن اليومي للإفلات من العقبات المتجددة التي توضع أمامهن حتي لا يتحركن أو يعملن، وأيضًا حتي لا يتنفسن، وتحكي الواحدة منهن كيف تبدأ رحلتها الصباحية للذهاب لعملها وهي لا تعرف أي طريق تسلك فالمدرعات والجنود يغلقون الطرق يوميا ويفتحون طرقا أخرى، او حتي سراديب بعيدة لمرور الفلسطينيين زيادة في التنكيل بهم، والحياة أصبحت كفاحا يوميا للمرور من «الإغلاقات» والعودة سريعا قبل ان يغلق الطريق إلى البيت نفسه، ثم تبدأ رحلة البحث عن الأطفال والكبار وحمايتهم من القنابل أو الهروب بهم، او الخروج للبحث عنهم، او تلقي خبر موتهم وانفجار شلال الأحزان، ويظل شريط الفيلم ينقلنا من بيت لبيت، ومن مكان لمكان، ومن صورة لأخرى قبل ان تلتقط الكاميرا أنفاسها وتنقلنا الي لحظات من العنف والصخب الكابوسي لجنود قوات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في كل مكان من أرضهم المحتلة، لم يحدد الفيلم مكانا بعينه لكننا نلمح أسوار القدس، وملامح رام الله، ومزارع الناصرة وكل المدن والأماكن التي يعيش فيها أهلها تحت سيف الاحتلال، وبالطبع انهارت الحياة الطبيعية لبطلات الفيلم، وتقلصت العلاقات الاجتماعية لهن ولم يعد بوسعهن إلا مقاومة ورفض العزلة الإجبارية بالخروج والإصرار علي الذهاب لأعمالهن، وشراء بعض احتياجاتهن والإسراع بالعودة للاطمئنان على الأولاد، وعلى ان البيت ما زال موجودا لم يهدم، وهو حال وحياة أشبه بالسجن، لكن في مكان أكثر اتساعا، والمفاجأة هنا ان الفيلم انتج عام 2003، أي منذ عشرين عاما بالتمام والكمال ليقدم وثيقة تشهد على الزمن وعلى معاملة دولة الاحتلال وقواتها للفلسطينيين وعلى نضال النساء الفلسطينيات وقدرتهن على الصمود والتحدي والمقاومة لعدو شرس، وهو ما نراه اليوم، عام 2023 من نفس العدو المحتل الذي أصبح أكثر شراسة، بينما أصبحت نساء فلسطين لا يعرفن الخوف برغم الحياة الصعبة وغير المحتملة، والتي وصفتها مخرجة هذاالفيلم الوثائقي بأنها «مش عيشة» وقتها، ولم تكن تتخيل ما سوف يحدث للنساء والأطفال والرجال بعدها من محاولة إبادة جماعية تمثل التطور الطبيعي لما كان يحدث عام 2003، وما قبله.

التعليقات متوقفه