خبراء لـ”الأهالي” :رصد تحركات مخابراتية تركية مع إثيوبيا لإدارة أزمة “سد النهضة ” !!

438

 *تقرير رضا النصيري :

مازالت الاتصالات تجرى بين مصر والسودان واثيوبيا كلا على حدة ، وذلك من اجل الترتيب لاستئناف المفاوضات الثلاثية المتوقفة من فبراير الماضي، فى محاولة لوضع جدول جديد للمفاوضات المرتقبة، وتصورا للقضايا العالقة المتبقية من مسار واشنطن، خاصة مع اقترب الموعد المحدد الذي أكدت فيه أديس أبابا أنها ستقوم بالملء الأول لسد النهضة في يوليو القادم بقرار أحادي، الوضع الذى يؤكد دخول ازمة السد الاثيوبى ، منعطفاً جديداً مع بدء العد العكسي لملء بحيرة السد في إجراء تعارضه مصر، وفي حال تنفيذه ، ستكون القاهرة أمام أمر واقع عليها التعامل معه، الامر الذى دفع السودان على المضى فى استئناف الملف مرة اخرى،،

ياسر عباس

حيث عقد وزير الري والموارد المائية “ياسر عباس” والوفد التفاوضي السوداني امس الاول، اجتماعاته مع نظيريه الإثيوبي والمصري، للوقوف على كل النقاط العالقة ، بعدما تأكدت الخرطوم من ضرورة المحافظة على المصالح المائية ،الامر الذى ظهر واضحا فى توجه الخارجية السودانية ، برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، بعد أسابيع من رسالة للقاهرة للمجلس بنفس الخصوص، الامر الذى فسره الخبراء بـ ” المتوقع” فى ظل حرص السودان على البقاء في المنتصف بين مصر وإثيوبيا، حيث كان بامكان الخرطوم ارسال رسالة موحدة مع القاهرة لمجلس الأمن إلا أنها تريد أن تثبت دائما ان موقفها ثابت بعيدا عن مصر وإثيوبيا، وقد تضمنت شرحاً لموقفها من التطورات المتصلة بمفاوضات السد ، مطالبة المجلس بتشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأى إجراءات أحادية، قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي ،وعكست الرسالة حرص السودان التام على استئناف التفاوض الثلاثي بحسن نية للتوصل إلى اتفاق شامل ومرضى، مؤكدة على ان هذه المذكرة المرفوعة ليست تصعيداً للأوضاع المتعلقة بالسد ضد أي طرف من أطراف التفاوض، أو انحيازا لطرف دون آخر، وانما مجرد إثبات لحق السودان الأصيل في هذا الملف ، خاصة وأن مصر وإثيوبيا رفعتا مسبقا خطابات مماثلة لمجلس الأمن فى شهر مايو الماضي،، نفس الموقف الذى اكدت عليه الخرطوم عقب ما تم تداوله من انباء تفيد بأن جنوب السودان قد وافقت على طلب مصري بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة “باجاك” بمقاطعة مايوت بولاية أعالي النيل ، وذلك في استعداد واضح لكل الاحتمالات المتعلقة بالسد خاصة مع دخول إنشاءاته مراحلها الأخيرة، الامر الذى سارعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بنفيه، في بيان لها، مؤكدة ان المعلومات التي تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن هذا الخبر لا أساس لها من الصحة، وان كلا البلدين، “إثيوبيا ومصر”، صديقان حميمان لجنوب السودان.
بينما تسير مصر بنفس النهج الدبلوماسى وبخطوات ثابتة للتفاض السلمى لاخر وقت فى الملف ، حيث بحث وزير الموارد المائية والري، دكتور محمد عبدالعاطي، مع وزير الرى والموارد المائية السودانى، دكتور ياسر عباس، مسألة استئناف المفاوضات حول قواعد الملء والتشغيل ، وذلك خلال اجتماع للمباحثات الثنائية، مؤخرا عبر تقنية الفيديو كونفرانس، بحضور وفد التفاوض،لبحث الملف ووضع تصورات جديدة بعد اجتماع واشنطن، الذى لم يتم التوصل فيه إلى اتفاق قانونى ملزم لكل الأطراف وبه كل البنود والشروط والسياسات المفصلة بشأن قواعد الملء والتشغيل لخزان السد، وآلية فض المنازعات التى قد تنشأ مستقبلًا، وذلك فى استمرار للاجتماعات واللقاءات الثانية، التى تأتي بتكليف من اجتماعات رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مع رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي.
على جانب اخر ، أعلنت إثيوبيا،عن استعداداتها لتطهير الأرض وراء السد، تمهيدا لبدء مل خزانه بالمياه الشهر القادم ، وذلك من خلال نشر أكثر من 2000 شاب لتطهير الأرض وإزالة الأشجار والشجيرات والحجارة منها ، علاوة على تطهير مجموعه ما يعادل 405 أفدنة تقريبا من الأراضى خلال 45 يومًا لبدء المرحلة الأولى من عملية تعبئة المياه بحلول يوليو المقبل، وذلك بعد ان خصصت 13400 جنيه ، لعمليات التطهير لكل فدان ، ما يعنى تكلفة تصل إلى 5.5 مليون جنيه، واوضحت وكالة الانباء الاثيوبية ان40% من عملية تطهير الأراضى ستنفذ من شباب من مناطق حول السد، بينما تبقى نسبة 60% مخصصة للباحثين عن عمل من أى منطقة، على ان يقوم هذا السد بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه كحد أقصى عند اكتمال عملية التعبئة.
وفى سياق متصل، اعتبر الخبراء ان دعوة الامين العام للأمم المتحدة، مؤخرا، لاتفاق “ودي” بين الدول الثلاث وفقا لإعلان المبادىء الموقع 2015 ، خطوة متطورة وبداية جديدة فى الملف ، وذلك فى ضوء تشديد الامين العام على اهمية هذا الاعلان المتعلق بالسد والقائم على التفاهم المشترك والمنفعة المتبادلة وحسن النية وفقًا لمبادىء القانون الدولي، وحث الأطراف الثلاثة على المثابرة في الجهود المبذولة لحل الخلافات المتبقية بالطرق السلمية وتحقيق اتفاق مفيد مع ضرورة خفض التوتر بين الاطراف، التطور الذى يراه الخبراء، دعوة صريحة للعودة لطاولة المفاوضات، معلقين آمالا على هذه الوساطة الاوروبية ، حيث تعتمد على توظيف أوراق الضغط الأوروبية كقضية الشركة الإيطالية المشاركة فى تنفيذ مشروع السد وعلاقات برلين القوية بأديس أبابا للضغط على إثيوبيا، خاصة فى المشاريع التنموية لتحديث الرى هناك.

رامي عاشور

من جهته، يرى دكتور العلوم السياسية والامن الدولى وزميل كلية الدفاع الوطنى واكاديمية ناصر العسكريا العليا، دكتور رامى عاشور، ان ما تردد مؤخرا حول موافقة السودان على اقامة قاعدة عسكرية مصرية والانتشار السريع لذلك بشكل مكثف فى توقيت واحد ، هو عمل مخابراتى واضح ، متوقعا ان يكون ذلك من جانب المخابرات التركية ، خاصة وانه تم رصد تحركات فى هذا الشأ، مع الجانب الاثيوبى من اجل عمل قاعدة عسكرية لتركيا فى اثيوبيا بحجة حماية السد ، وكل ذلك كان من المفترض ان يتم كرد فعل على الموافقة السودانية على القاعدة العسكرية المصرية ، اذا نجحوا فى جل الرأى العام العاملى يصدق ماتردد.
واضاف” عاشور” انه على مصر الوصول الى اتفاق مباشر مع اثيوبيا فيما يخص امكانية الاشراف على عملية الملء والتخزين لبحيرة السد وانه فى حال حدوث اى ضرر جراء ذلك تتعهد اديس ابابا باعادة الاتفاق بما يضمن عدم الاضرار بالمصالح المائية المصرية ، موضحا ان تمسك مصر بـ” المثالية” فى السياسة الخارجية خسرها الكثير ، مستبعدا اى تحرك عسكرى من القاهرة لما يشمله هذا التحرك من تداعيات كثيرة على مستويات مختلفة.

ضياء القوصي

بينما اوضح دكتور “ضياء القوصي”، وزير الري الأسبق وخبير المياه الدولي ،أن اثيوبيا أصبحت وحيدة أمام الرأي العام العالمي، فدولتا المصب على موقف واحد ، حيث التحذير من خطورة المحاولات الاثيوبية للانفراد بالرأي في الملف وتاثير ذلك على أمن واستقرار شرق إفريقيا، مشيرا الى انه إذا استمرت إثيوبيا في مسلكها المتعنت، ولم تسفر جولة المفاوضات المفترضة عن أي نتائج، فيحق لمصر والسودان تفعيل الخطابين المقدمين لمجلس الأمن، ليتحولا إلى شكوى رسمية ، وبناء عليه يتخذ المجلس ما يراه مناسبا من اجراءات ، وفي حالة عدم الاستجابة الإثيوبية، فيمكن التصعيد من خلال اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
فيما أكد دكتور “عباس شراقى” أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الإفريقية، ان ماتم تداوله مؤخرا ،فى شأن اقامة القاعدة العسكرية بجنوب السودان، كان من المفترض الرد عليه من الجهات الرسمية بالدولتين بشكل اسرع ، ولكن تأخر الرد هو ما اثار البلبلة ، رغم تأكيد مصر على المسار السلمى بالملف وعدم التلميح باى اتجاه عسكرى ولكنه التفاوض والمسار الدبلوماسى الدولى ، موضحا أهمية الاتفاق على استئناف المفاوضات حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، فى ضوء الالتزام بمسار واشنطن فى حال العودة إلى الطاولة، مشددا على عدم قبول لا يتم اى اقتراحات غير منطقية مثل إلغاء مسار واشنطن وإشراك دول المنابع فى المفاوضات، مشيرا الى ضروة توحيد الصف المصري السوداني خلال الأيام المقبلة لإرغام إثيوبيا على عدم اتخاذ قرار أحادي، واحترام الاتفاقيات والأعراف الدولية.

عباس شراقى

واوضح ” شراقى “ ، انه إذا استمرت إثيوبيا في التحدي وبدء الملء الأسابيع القادمة ، فسيكون ذلك تأكيد لتحركاتها التى مازالت تعكس استمرار موقفها المتعنت ، ، مؤكدا أن كل ذلك يدل على سوء النية، فليس معنى قبول إديس ابابا الرجوع إلى التفاوض أنها غيرت موقفها، ولكنها تريد توظيف الأمر سياسيا في الداخل من أجل الانتخابات وفي الخارج للضغط على مصر، علاوة على تأكدها بأن حلقات الخناق قد ضاقت عليها ، وان مصر الآن اصبحت في موقف أقوى ،متوقعاً أن تكثف القاهرة اتصالاتها الدبلوماسية في الفترة المقبلة تحسباً لفشل جولة المفاوضات، كما أن إثيوبيا ستتراجع عن التصعيد في اللحظة الأخيرة، لأن إنشاءات سد النهضة غير جاهزة للتشغيل على المستوى المطلوب، إذ تحدث الجانب الإثيوبي في الجولات السابقة من المفاوضات عن ملء بحيرة السد عند مستوى 595 متراً، ما يعني تخزين 18 مليار متر مكعب في المرحلة الأولى، لكن عاد الحديث الآن عن ملء عند مستوى 409 أمتار، ما يعني تخزين 4.9 مليارات متر مكعب، وهي كمية ضئيلة جداً ، مضيفا ان هدف الحكومة الإثيوبية من إسراع التشغيل ، كان سببه استخدام ورقة السد لمواجهة داخل مأزوم قبل الانتخابات المحلية في أغسطس المقبل، وهي الانتخابات التي تم تأجيلها، فلم يعد هناك أي مبرر للإسراع في تشغيل السد، سوى اختبار متانة السد وكفاءته، وهو أمر يمكن التوصل إليه عبر آلية اتفاق تراعي المطالب المصرية، مؤكدا ان القاهرة جاهزة لجميع الاختيارات الاثيوبية ولاي سيناريو مهما كانت طبيعته.
وعن السيناريوهات المتنظرة ، يقول” شراقى” انها ثلاثة ، الاول هو العودة للمفاوضات فى ضوء مسار وانطن والتوقيع فورا على الاتفاق الخاص بقواعد الملء والتشغيل ، اما السيناريو الثانى وهو ان اثيوبيا ترى ان الوقت غير مناسب للعودة للطاولة وبناء عليه يتم تأجيل الملء والتخزين لحين وقت مناسب حتى ولو بمجرد مليار متر مكعب واحد لان المسألة ليست فى الكمية وانما فى المبدأ نفسه وهو الملء دون اتفاق، بينما يرى ان السيناريو الثالث هو ان تضرب اثيوبيا بكل شىء عرض الحائط ولا تهتم لمجلس الامن وتلغى المفاوضات وتبدأ بالملء وهو ما يعد مخالفة واضحة لاعلان المبادىء ولجميع الاتفاقيات السابقة ، وهو ما يؤكد ان الكرة فى الملعب الاثيوبى وعليها الاختيار.

التعليقات متوقفه