قراءة فى تقرير التنمية البشرية:دور الدولة أساسي وتدخل الحكومة ضرورة لتعويض انخفاض معدل الادِخار

التغييرات المناخية تؤدي إلى خسارة 30% من أراضى الدلتا عالية الجودة

258

*غمر الإسكندرية ودمياط ورشيد وبورسعيد نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر
*أضرار للاستثمارات الكبرى في قطاع السياحة على طول الساحل الشمالي الغربي
*انخفاض في إنتاج الأغذية وزيادة في معدل خسارة الوظائف
*تزايد الاستثمارات الخاصة بمجال الإسكان والعقارات.. وتواضع نمو الصناعة
*عزوف المستثمرين عن الاستثمار وارتفاع أسعار بدء النشاط التجاري
*ضرورة الاهتمام بالقطاع التعاونى وتعزير دوره .. ضعف قواعد البيانات الاقتصادية ومنظومة القيم
*تراجع قيمة العمل والإتقان والإنتاجية وضعف الوعي بأهمية الحفاظ على المال العام
*تواضع مستوى جودة التعليم وضعف قدرته علىى الاستجابة لاحتياجات سوق العمل أكثر العوامل ارتباطًا بمخاطر الفقر

تقرير يكتبه حسين البطراوي

حذر تقرير التنمية البشرية الصادر الأسبوع الماضي، بعد عشر سنوات من التوقف، من التأثيرات السلبية لتغير المناخ فى مصر، وبحسب تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن يرتفع منسوب مياه البحر المتوسط بمقدار متر واحد نتيجة الاحترار العالمي، مما سيؤدى إلى خسارة ثلث الأراضي الزراعية عالية الإنتاجية في دلتا النيل، وإلى جانب خسارة المناطق المأهولة بالسكان والمناطق الزراعية، ومن المتوقع أن يغمر بعض المدن الصناعية والمدن ذات الأهمية التاريخية مثل الإسكندرية ودمياط ورشيد وبورسعيد، نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر.
ومن بين التأثيرات المتوقعة لذلك أيضًا وقوع تهديدات للأمن الغذائي وأضرار للاستثمارات الكبرى في قطاع السياحة على طول الساحل الشمالي الغربي وانتقال ما يتجاوز 10 ملايين شخص إلى منطقة وادي النيل المكتظة بالسكان بالفعل.
وأشارت عديد من الدراسات التي أجريت بخصوص قابلية محافظة الإسكندرية للتضرر، إلى أنه حال حدوث ارتفاع في مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر سيتسبب ذلك في غمر 30% من المدينة، مما سيؤدي إلى نزوح ما يقرب من 1.5 مليون شخص أو أكثر، وفقدان 195 ألف وظيفة، ووقوع خسائر في الأراضي والممتلكات.
ومن المرجح أن تتوغل المياه عالية الملوحة إلى مساحات شاسعة من الدلتا مما سيزيد من احتمالية أن تصبح الأراضي الزراعية الحالية غير مناسبة للإنتاج الزراعي، وسيكون لدرجات الحرارة المتزايدة ولأنماط هطول الأمطار المتغيرة تأثيرات مختلفة في المحاصيل الرئيسية بمصر. فعلى سبيل المثال، قد ترتفع حاصلات القطن بنحو 30% بحلول عام 2100 بسبب تأثير درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع، مما سيطيل المواسم المناسبة لزراعته، وفي الوقت نفسه ستنخفض حاصلات أخرى مثل القمح والأرز والذرة بنسبة تتراوح بين 11 إلى 36% على مدار نفس الأفق الزمني، وقد تتأثر أيضًا الحاصلات الزراعية نتيجة تغيّر مسبّبات الأمراض النباتية لتغيّر أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
يذكر أنه خلال عام 2019، أسهمت الزراعة بما يقرب من 12% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب التقرير. ويوفر قطاع الزراعة الأغذية والنسيج ومنتجات أخرى، كما يدعم سبل كسب الرزق لنسبة تبلغ 55% من السكان ويوفر فرص عمل لنسبة تبلغ 27.5% من القوى العاملة في مصر.
معوقات التنمية الزراعية
ويعرقل التنمية الزراعية في مصر عدد من العوامل التي تتضمن ندرة الموارد المائية. فالأراضي المؤهلة للزراعة لا تتعدى حصة صغيرة فقط من الأراضي المصرية وهي في الغالب الأراضي المحيطة بدلتا النيل. وهذا بدوره يؤدي إلى ضغط كبير على إمكانية نمو الناتج الزراعي. وغالبية النشاط الزراعي في مصر يتمركز في منطقة دلتا النيل، فإنه من المحتمل أن يؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر في الإنتاجية الزراعية.
ويستهلك القطاع الزراعي قرابة 80% من المياه العذبة، ونتيجة للارتفاعات المتوقعة في درجات
الحرارة والانخفاضات المحتملة في معدلات هطول الأمطار فمن المرجح أن يزداد الطلب على المياه للأغراض الزراعية، مما سيزيد من مشكلة ندرة المياه. وبما أن مصر تعتمد بكثافة على نهر النيل في الزراعة، فستتأثر التنمية الزراعية بتأثيرات تغير المناخ على نهر النيل.
وتتوقع النماذج أن يتفاوت التدفق السنوي لنهر النيل بنسبة زيادة 30% ونسبة نقص يمكن أن تصل إلى 70%. وقد يكون لهذين التغيرين الحادين تداعيات خطيرة في ما يتعلق بتزايد مخاطر الفيضان أو موجات الجفاف، مما سيؤدي إلى انخفاض في إنتاج الأغذية وزيادة في معدل خسارة الوظائف.
وسيؤدي إنشاء سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى تفاقم الوضع، وقد يؤدي إلى نشوء نزاعات بسبب المياه في المنطقة. كما أن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ تتضمن صحة الإنسان نتيجة تفشّي الأمراض المحمولة بالنواقل جرّاء الحرارة، وأيضا الشعاب المرجانية التي تعتبر واحدة من أقيم الأصول الطبيعية التي تمتلكها مصر.
التقرير ينصح مصر ببناء وتنمية قدرات الموارد البشرية والمؤسسات، حتى تكون قادرة على تبني الاستراتيجيات الفعالة المعنية بإدارة مخاطر المناخ في القطاعات الرئيسية المعرضة للتأثر.
مسار التنمية
يشير تقرير وزارة التخطيط إلى أن مصر حققت تقدما في بعض أهداف التنمية المستدامة وما زالت تسعى لاستكمال تحقيق بقية الأهداف. أما تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فيشير إلى أن نسبة مؤشرات أهداف التنمية المستدامة المتاحة لتتبع أداء الدولة حتى نهاية عام 2018 تبلغ نحو 47.5%.
ويعد أفضل انجاز توفير الاحتياجات من الطاقة، وتليه الأهداف: القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي، وإقامة هياكل أساسية قادرة على الصمود وتحفيز التصنيع الشامل للجميع وتشجيع الابتكار. أما أقل الأهداف تنفيذا فهي الخاصة بالمدن والمجتمعات المحلية المستدامة وكفالة وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة.
وظل القطاع الخاص يقوم بالدور الرائد من خلال مساهمته المتوقعة بنحو 68% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام المالي 2022/2021، ومساهمته بأكثر من 90% في بعض الأنشطة مثل الزراعة والصناعة التحويلية والتشييد والبناء والتجارة الداخلية والسياحة والمعلومات والأنشطة العقارية والخدمات الاجتماعية.
يلاحظ التقرير التزايد الكبير في الاستثمارات الخاصة بمجال الإسكان والعقارات، وبخاصة الاسكان الفاخر في المجمعات السكنية، وعدم نمو الاستثمار في الصناعة بالمعدلات المطلوبة، وهو ما أدى إلى تواضع نمو الصناعة مقارنة بالقطاعات الأخرى.
ويؤكد التقرير أنه رغم أهمية عملية الإصلاح الاقتصادي الرامية إلى تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، فإن القطاع الخاص تأثر بصورة كبيرة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم والزيادة في أسعار الفائدة، خاصة خلال السنوات من 2017 إلى 2019 ، مما أدى إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار وارتفاع أسعار بدء النشاط التجاري أو توسعته.
وأكد التقرير ضرورة الاهتمام بالقطاع التعاونى، فى مصر بما يقرب من 10 آلاف جمعية تعاونية تعمل في عدة مجالات إنتاجية واستهلاكية، ويقدر إجمالي عدد أعضائها بأكثر من 12 مليون مواطن، وحجم أعمالها يزيد على 50 مليار جنيه. وتخضع التعاونيات لعدة قوانين وعدة جهات اختصاص تنظّم نشاطها، ويتطلب هذا القطاع كثيرَا من العناية في تطوير القوانين المنظمة له والخدمات المقدمة لأعضائه، خاصة للشباب ومحدودي الدخل.
ويشير التقرير إلى ان مصر تبنت سياسات متعددة، بصفة خاصة في مجال تحرير سعر الصرف، والتعامل مع دعم الطاقة، وتنفيذ مشروعات قومية كبرى في البنية التحتية في مجالات
متعددة وعلى نطاق واسع، ولكي تنطلق التنمية في مسار قابل للاستمرار وتحقق أثرًا ملموسا، لابد من حجم معين من الاستثمارات في البنية التحتية يسبق أو يتواكب مع الاستثمار في الأنشطة الإنتاجية والخدمية الأخرى. وقد تبَنت مصر هذا النهج بشكل واضح. ومع قصور موارد التمويل، فإن الاقتراض والبحث عن آليات تمويل متنوعة وغير تقليدية كان له ما يبرره، فالاستثمار على نطاق واسع في مشروعات البنية التحتية ينشط الطلب في السوق على منتجات الأنشطة الأخرى، مما يشجع الاستثمار فيها، أدت المشروعات القومية إلى تشغيل أعداد كبيرة من العمالة، مما أدى إلى توليد دخول، ومن ثم خلق طلب في السوق انعش حركة الإنتاج والاستثمار في القطاعات الأخرى، مما أسهم في دفع عجلة التنمية نتيجة حركة مضاعفة الدخول والطلب.
ويؤكد تقرير التنمية البشرية أن دور الدولة أساسي في هذه المرحلة وتدخل الحكومة مهم لتعويض انخفاض معدل الادِخار، وعدم قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في البنية التحتية والتي لا تدر عليه أرباحا مناسبة في الأجلين القصير والمتوسط، والتي لا يستطيع تدبير حجم الاستثمار الضخم المطلوب لها.
يوضح التقرير أنه نتيحة عمق المشكلات التنموية وتراكمها عبر سنوات طويلة، فإن هناك تحديات كانت قائمة قبل بداية هذه التجربة التنموية وما زالت ضاغطة، وتسعى السياسات الحكومية المستقبلية إلى التعامل معها، للحفاظ على ما تحقق من إنجاز في مجال البنية التحتية وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي.
ويرصد التقرير أهم التحديات فيشير إلى أنه مع الأعباء المالية المتزايدة لمتطلبات التنمية، فإن مصر كانت وما زالت تعاني من مشكلة تمويل التنمية ومحدودية الموارد المحلية وانخفاض معدلات الادخار، وعدم تدفق الاستثمارات الأجنبية بالمعدلات المطلوبة والمتوقعة. ومما يزيد من حدة مشكلة ضعف معدل الادخار ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، والذي يستهلك النسبة الأكبر من المدخرات المحلية ومن ثم يزيد الضغط على موارد التمويل المحلية.
كما أن تواضع معدلات نمو الصناعة والاستثمار في التصنيع بصفة خاصة من جانب القطاع الخاص، على الرغم من أهمية التصنيع في التنمية والتشغيل، إذ تراجع معدل نمو قطاع الصناعة من 4.8% في عام 2018/2017 إلى 3% في عام 2018/2019 ، ومن المتوقّع أن يصل إلى 2.1% في العام 2021/2022 .
فالقطاعات الثلاثة الأكثر مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي الصناعة التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة، والزراعة ليست القطاعات الأكثر نموًا، بل إنها القطاعات الأقل نموًا، مما يؤكد أهمية قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة ودورهما الجوهري في رفع معدلات نمو الناتج المحلِّي الإجمالي، وتحقيق أهداف التنمية.
وتؤثر الحواجز الجمركية وغير الجمركية في أداء الصادرات في مصر، إذ تعتبر الرسوم الجمركية الخارجية التي تفرضها مصر مرتفعة مقارنة ببقية الدول، فيُعدّ متوسط التعريفة البسيطة
المطبقة 10% بينما في مصر 19%، ومن ثمّ تعتبر مصر ثاني أكبر اقتصاد خاضع للحماية في العالم بعد السودان، الأمر الذي يقوّض من عملية المنافسة المحلية. كما أن هناك قيودًا غير جمركية كبيرة تؤثر في أداء الصادرات مثل المتطلبات الفنية، وحظر الاستيراد وقيود التصدير.
ارتفاع معدلات الفقر
توضح بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك التي يُجريها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل عامين، أن معدل الفقر كان يتزايد بشكل مستمر منذ 2008 / 2009 إذ كان يبلغ 21.6% ووصل إلى 32.5% في 2017 / 2018 . وقد تراجع معدل الفقر في 2019 / 2020 وبلغ 29.7%، كذلك تراجع معدل الفقر المدقع من 6.2% عام 2018/2017 إلى 4.5% عام 2019 / 2020 . ويدل ذلك على أن الإصلاحات الهيكلية وإجراءات الحماية الاجتماعية بدأت تحقق مردودها على الفئات الأكثر احتياجًا من السكان، خاصة مع المشروعات المتعددة لتحسين مستوى معيشة الفقراء، ومن أهمها المشروع القومى لتنمية الريف المصرى «حياة كريمة » بتكلفة
إجمالية تتجاوز 700 مليار جنيه على ثلاث سنوات، لتطوير القرى المصرية في الريف وتنميتها من خلال مشروعات في شتى المجالات، وبصفة خاصة التعليم والصحة والبنية التحتية والتشغيل.
ويوضِّح تحليل خصائص الفقر الارتباطَ الكبير بين الفقر وحجم الأسرة، وهو ما يوضح عبء المشكلة السكانية وتحدّيها في مصر، إذ وصل معدل النمو السكاني إلى 2.62% في 2016 / 2017 قبل أن يتراجع إلى1.79% في 2018 / 2019 . كما أوضح التحليل أيضًا أن تواضع مستوى جودة التعليم وضعف قدرته علىى الاستجابة لاحتياجات سوق العمل من أكثر العوامل ارتباطًا بمخاطر الفقر، إذ يؤدِّي إلى الافتقار للمهارات والانخراط في أعمال هامشية متقطعة خارج المنشآت.
قواعد البيانات الاقتصادية
ومن أهم التحديات التي تواجه التنمية في مصر مشكلة ضعف قواعد البيانات الاقتصادية، وهو ما يسفر عن ضعف القدرة على استخدام مناهج تحليل وتخطيط متقدمة، وضعف القدرة على التنبؤ بالآثار المتوقعة لبدائل السياسات المختلفة. وتعاني منظومة قواعد البيانات الاقتصادية في مصر عددًا من المشكلات، لعل أهمها يرتبط بالإحصاءات المتاحة، من ناحية مدى تغطيتها لجميع الأنشطة، وكذلك غياب المعلومات عن بعض المؤشرات المهمة مثل توزيع الدخل والأرصدة المتاحة للمجتمع.
ومن أهم التحديات الراهنة التي تواجه مصر أيضا منظومة القيم وما اعتراها من سلبيات في الفترة الأخيرة والتي تنعكس بشكل خطير على أهم موارد الدولة، وهي الموارد البشرية. وتنعكس هذه المشكلة بشكل مباشر على المتغيرات الاقتصادية مثل تراجع قيمة العمل والإتقان والإنتاجية وضعف الوعي بأهمية الحفاظ على المال العام والإفراط في الاستهلاك عند بعض الفئات وانخفاض الميل للادخار، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في تطور الأداء الاقتصادي والقدرة الكامنة على النمو، لذلك أُطلِقَت استراتيجية بناء الإنسان ويجري تفعيلها.
إتاحة التعليم
يشير التقرير إلى تحسن أداء قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة وفقا لمؤشرات الإتاحة، إذ ارتفعت معدَّلات القيد الصافي والإجمالي لجميع المراحل التعليمية، لكن انخفضت معدلات القيد في مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي، لعوامل تتعلق بجانب الطلب على التعليم المتعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر الفقيرة وطبيعة الموروث الثقافي، والتي تدفع أولياء الأمور إلى الاكتفاء بالتعليم الابتدائي للأبناء حتى يمكنهم الانخراط في العمل مبكرًا، وأيضًا جانب العرض الذي يعكسه مدى إتاحة الوصول إلى الخدمة التعليمية في بعض المناطق النائية.
التقرير يشير أيضا إلى أن انخفاض معدل القيد الإجمالي في مرحلة التعليم قبل الابتدائي والذي بلغ نحو 28.5% في 2019 / 2020 وهو ما يعنى أن أكثر من ثلثي الأطفال في سن 4- 5 سنوات لا يتمتعون بحقهم في التعليم المبكر، وهو ما يتطلب ضرورة التوعية المجتمعية بأهمية مرحلة رياض الأطفال والتوسع في إتاحة الفصول والمدارس بهذه المرحلة، خاصة في المناطق ذات معدَّلات القيد المنخفض.
توضح البيانات الخاصة بمعدَّلات القيد لكلٍ من البنين والبنات تلاشي الفجوة النوعية بين الجنسين؛ إذ تجاوزت معدَّلات القيد الصافي للبنات تلك الخاصة بالبنين في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي، كما تحسنت الفجوات الجغرافية في معدلات القيد بين الريف والحضر، بنسبة كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة. ومع ذلك، تظل معدلات القيد بجميع مراحل التعليم قبل الجامعي في محافظات الوجه القبلي أقلّ من المعدَّلات المناظرة بباقي محافظات الجمهورية.
جودة التعليم
يعد متوسط كثافة الفصل وعدد الطلاب لكل مدرس من أهم مؤشرات جودة المدخلات في العملية التعليمية، فارتفاع أعداد الطلاب في الفصل الواحد يقوض القدرة على المشاركة والتفاعل، سواء في ما بين الطلاب وبعضهم أو مع المدرسين، كما أن ارتفاع عدد الطلاب لكل مدرس يحد من قدرة المدرسين على التركيز مع الطلاب وتطبيق أساليب التعليم التي تستهدف تنمية مهاراتهم وتحفيزهم على الإبداع والتفكير الناقد وحل المشكلات.
التقرير يشير إلى ارتفاع متوسطات كثافات الفصول بجميع المراحل بين العامين لتصل إلى أقصاها في مرحلتي التعليم الابتدائي 53 طالبًا، والإعدادي 49 طالبًا، في حين استقرت معدلات عدد الطلاب لكل مدرّس لجميع المراحل التعليمية باستثناء مرحلة ما قبل الابتدائي التي شهدت تناقصًا ملحوظًا بين العامين المشار إليهما، ارجع التقرير ذلك إلى التركيبة العمرية للسكان في مصر؛ حيث ترتفع نسبة السكان في سن التعليم الأساسي إلى إجمالي عدد السكان في مصر مقارنة بالدول الأخرى، كما أن الارتفاع المغالى فيه لتكلفة خدمات التعليم الخاص يزيد من الضغط على التعليم الحكومي، على نحو قد يلتهم الجهود المستمرة من جانب الدولة للتعامل مع ذلك التحدي من خلال التوسع في إنشاء فصول جديدة.
وعلى مستوى المخرجات التعليمية، حقّق نظام التعليم قبل الجامعي بمصر تقدما في عدد من المؤشرات، إذ انخفضت معدلات التسرب خاصة بالنسبة لمرحلة التعليم الإعدادي بين العامين 2010 / 2011 و 2018 / 2019، فقد انخفضت من 5.5% للبنين و4.7% للبنات في عام 2011/2010 إلى 2.8% للبنين و 2.6% للبنات في 2019/2018 .
وعلى الرغم من عدم وجود تفاوت ملحوظ في مؤشرات المخرجات التعليمية وفقًا للنوع يوجد قدر من التفاوت بين المحافظات لصالح المحافظات الحضرية ومحافظات الوجه البحري، وهو ما يتطلب حزمة من التدخلات المبنية على الاستهداف الجغرافي، منها على سبيل المثال التوسع في تقديم التحويلات النقدية المشروطة للأسر في المحافظات التي ترتفع بها معدلات التسرب من التعليم.
وفي ما يتعلق بتوزيع الإنفاق الحكومي على التعليم وفقًا لأبواب الموازنة، فقد مثَّلت الأبواب المتعلقة بالإنفاق الجاري في مجموعها ما نسبته نحو 90% خلال الفترة 2010 / 2011 – 2019 / 2020 في مقابل نحو 10% للإنفاق الاستثماري في المتوسط .
ويعتبر الإنفاق على الأجور والمرتبات المكوِّن الأكبر في الإنفاق الجاري وفي إجمالي موازنة قطاع التعليم بشكل عام، وهو ما يرجع بالأساس إلى تضخم حجم منظومة الموارد البشرية في منظومة التعليم الحكومي بشكل عام وقطاع التعليم الحكومي قبل الجامعي بشكل خاص. ومع ذلك، تشير البيانات إلى وجود اتجاه لإعادة هيكلة موازنة قطاع التعليم لصالح الإنفاق الاستثماري
الصحة
وفي ما يتعلق بتوزيع الإنفاق الحكومي على الصحة وفقًا لأبواب الموازنة فأن نحو نصف موازنة
قطاع الصحة يوجه إلى الإنفاق على الباب الأول الأجور وتعويضات العاملين في المتوسط. كذلك، يمثِّل الباب الثاني السلع والخدمات ما يقترب من ربع موازنة قطاع الصحة نحو 22.3% في المتوسط، وتشكل مجموعة السلع الغالبية العظمى من الإنفاق على هذا الباب وبالتحديد بند المواد الخام والذي يتضمن الإنفاق على الأدوية والخامات والأمصال اللازمة لتقديم الخدمات
الصحية. أما الباب السادس الاستثمارات، فيمثل ما نسبته 13.7% في المتوسط من موازنة قطاع الصحة.
وتمثِّل المدفوعات المباشرة التي يتحمَّلها الأفراد والأسر النسبة الأكبر من الإنفاق الخاص على الصحة في أغلب الدول بشكل عام، إلا أن مصر تعد من أعلى الدول من ناحية نسبة مساهمة المدفوعات المباشرة للأفراد في إجمالي الإنفاق الجاري على الصحة، والتي بلغت قرابة 62% في عام 2018، وهي نسبة تقترب من ضعف المتوسط العالمي، وتزيد على المعدلات السائدة في عدد من الدول ذات الدخل المتوسط، بما في ذلك جنوب إفريقيا والفلبين وإندونيسيا والتي تعد ضمن الدول العشر التي تسبق مصر مباشرة في مؤشر التنمية البشرية وفقًا لتقرير عام 2020 ،
ووفقًا لنتائج مسح الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2017 / 2018 ، يأتي الإنفاق على الصحة على مستوى الأسرة في المرتبة الثالثة بعد الإنفاق على الطعام والشراب والمسكن، إذ مثَّل ما نسبته 9.9% من إجمالي إنفاق الأسرة، ويوجه أكثر من نصف هذا الإنفاق إلى الأدوية والمنتجات والأجهزة الطبية, ويعني ذلك أن الأسر المصرية الأقل دخلا و الأكثر احتياجا قد تجد صعوبة في الحصول على الخدمات الصحية الملائمة، كما أن إنفاق تلك الأسر على الخدمات الصحية سيعمّق من دائرة الفقر وانخفاض المستوى المعيشي لها.
وعلى الرغم من أن الإنفاق الحكومي «العام » على كل من التعليم قبل الجامعي، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والصحة في مصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يفي في مجمله بالالتزام الدستوري، لكن هناك حاجة إلى زيادة الإنفاق الحكومي «الوظيفي » على تلك القطاعات، بما يضمن توفير الموارد المالية اللازمة لتطوير الخدمات المقدمة كماً وكيفاً، وجعلها أكثر تنافسية وتماشياً مع المعدلات الدولية.

 

التعليقات متوقفه