أمينة النقاش تكتب:على أعتاب العام العاشر لثورة يونيو

947

ضد التيار
على أعتاب العام العاشر لثورة يونيو

أمينة النقاش
يحتفل المصريون هذه الأيام ، بانقضاء العيد التاسع لثورة 30 يونيو، وهم على أعتاب بدء مؤتمر الحوار الوطنى الذى دعا إلى عقده الرئيس السيسى. ولعلها مناسبة لإكساب الاحتفال بعدا مستقبليا ، يتأمل فى نتائج الانجاز الذى تم ، ويبحث أوجه القصور به، ويرنو للتوصل لمشترك وطنى بين أبناء المحروسة لمعالجته .
يحق للمصريين أن يفخروا ، أنهم تمكنوا بفضل وعيهم وتكاتفهم ، وبمساعدة جيش لا ولاء له إلا للوطن ، أن ينقذوا دولتهم من براثن حروب أهلية لاتزال مستمرة فى دول الربيع العربى الأخرى ، بفعل عجز قواها السياسية عن الاتفاق ، بما أدى لجلب التدخلات الخارجية فى شئونها ، ليصبح الخارج متحكما فى مصيرها . وخارطة المشهد العربى الراهن فاضحة لحجم الانهيار ، برغم ما يحلو لبعض من العدميين قصيرى النظر، الاستخفاف بالتحذير من مخاطره .
كان المفكر الراحل ” صادق جلال العظم ” يعتبر أن أهم إنجازات الربيع العربى ، هي عودة الناس للسياسة، لكن السؤال المحورى هو، ما الذي فعله الناس بالسياسة التي عادت إليهم ومورست دون وعى ؟ ألم يتفاخر بعض الثوار بتحطيم المنشآت العامة والخاصة ، وافتعال الصدام الدائم مع القوى الأمنية ، حتى تمكنت جماعة الإخوان من تحويله إلى ربيع إخوانى ، وإحكام السيطرة على المسارات السياسية في بلدانه بدعم من الإدارة الأمريكية ؟، ألم تكن النتائج الكارثية لذلك أكثر من أن تحصى؟!
تمكنت جماعة الإخوان فى مصر وتونس، من استقطاب قطاعات واسعة من بسطاء يقتصرون في تدينهم على تأدية الشعائر، بزعم أنها لا أطماع لها ،ولأنها ببساطة تتشدق بإسم الله ، فزادت الأجواء الاجتماعية المحافظة في كلا البلدين . فضلا عن تحالف مجموعات من النخب السياسية المدنية معها ، بما مهد لها الطريق لاحتكار السلطة ،عبر الأدوات الديمقراطية التي تسترت خلفها للمرواغة ، ثم سرعان ما عادت لجوهرها الحقيقي، المعادي لكل أشكال الحريات الديمقراطية ، حينما وصلت إلى سدة الحكم ! .
ضاعف حكم جماعة الإخوان من حدة الصراع المذهبي في المنطقة بين السنة والشيعة ، كما أشعل الصراع الطائفي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى . وما يجري من فقدان للاستقرار في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان شاهد على ذلك .أصبح الدين في المنطقة ، صراعا بين إسلام ” ولاية الفقيه “” وإسلام ” القرآن دستورنا ” و” الإسلام هو الحل ” . وبين من يرون أن حاكمية شرع الله لا تتحقق سوى بالتكفير وهدم الدولة الوطنية ومعاداة كل ما يتصل بالعقل وبالحرية الفكرية وبحقوق الإنسان .
وفي وسط هذه الصراعات الدامية ، لم يعد هناك مكان لسلطة الدولة ، ولا سلاحها الشرعي المتمثل في قواها الأمنية وجيشها النظامي . صار السلاح مشاعا في كل مكان . وتناسلت جماعة الإخوان والقاعدة وطالبان وجبهة النصرة وأحرار الشام وحسم وجيش الإسلام وأنصار بيت المقدس وداعش وغيرهم من الحركات التكفيرية ،التى سلبت من المجتمع إرادته و افقدته القدرة فى كثير من المواقف ، على التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود !
ومع تحكم إخوان النهضة فى القرار السياسى فى تونس، حضرت الاغتيالات السياسية محل الحوار، وتصاعدت محاولات تغيير الهوية الحداثية للتونسيين بالعنف ، وأُرسلوا للجهاد فى سوريا وليبيا ، فضلا عن التعثر الإدارى الذى قاد لأزمة اقتصادية طاحنة .وحين امتلك الشعب التونسى وعيه مساندا إجراءات الرئيس” قيس سعيد” لاستعادة مؤسسات الدولة ، كررت النخب السياسية والنقابية أخطاءها، بمواصلة الانقسام، بالدعوة لاحتجاجات ترفع مطالب فئوية ، لا تخدم أصحابها، بقدر ما تدعم النهضة فى سعيها المحموم لاستعادة نفوذها.
أدرك المصريون بالوعى الذي اكتسبوه ، أن الحكم الدينى يفرض عليهم المفاضلة بين الدولة واللادولة ، فكانت ثورتهم لرفضه في 30 يونيو . وفى ظروف مصر الصعبة الراهنة ، على المصريين وقواهم السياسية استعادة الإرادة المشتركة التى حققوا بها تلك الثورة. وليس هناك احتفال بعيدها ، أفضل من أن تتصدر تلك الإرادة المشتركة موائد الحوار الوطنى . إرادة موحدة للتوصل إلى حد أدنى من الوفاق ، يقود إلى الانتقال من الحالة المؤقتة، التى شهدتها السنوات التسع ، للتصدى للإرهاب وإعادة بناء مؤسسات الدولة التى كانت قد أضحت خارج السيطرة الأمنية والضبط الاجتماعى ، إلى وضع دائم . إردة واعية تدرك أن لا سبيل إلى الاستقرار الاجتماعى ، إلا بمعالجة الاختلالات السائدة ، فى مفاهيم تحقيق العدالة الاجتماعية ، وضمان حقوق المواطنة، وارتباط الشفافية بالقرار السياسى ، لكى يكون المواطن طرفا فى صنعه، ولكى تسود دولة العدل والحق والقانون. ويد الله دوما مع يد الجماعة .

التعليقات متوقفه