عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني محمـد علوش يكتب :خالد محيي الدين خالداً في ذاكرة فلسطين

9

عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني محمـد علوش يكتب :خالد محيي الدين خالداً في ذاكرة فلسطين

في مئوية ميلاد خالد محيي الدين، نستحضر تاريخاً كفاحياً مجيداً وخصالاً وسجايا ومواقف وأحداث كان من صناعها وقادتها في أحلك الظروف والمراحل، فهذا الزعيم الذي نحتفى في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني مع رفاقنا في حزب التجمع، ليس مجرد شخصية عاشت وأعطت وناضلت وكرّست جهدها من أجل مصر والقضايا العربية والقضية الفلسطينية كقضية مركزية، فحسب، انه زعيم من زعماء الأمة العربية، ومن كبار الشخصيات العربية والمصرية التي أثرت في مسيرة نضال الحركة الوطنية والتقدمية المصرية الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
والمناضل الراحل خالد محيي الدين، آخر (الضباط الأحرار) وأحد أقطاب التيار اليساري الاشتراكي في مصر منذ تأسيسه مع كمال الدين رفعت ورفاقهم (حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي) في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، بغرض تدعيم الفكر الاشتراكي ومناهضة سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي طبقها الرئيس الراحل أنور السادات منتصف حقبة السبعينيات.

وقف دائماً مع فلسطين، ومع الحق العربي فيها في مواجهة الاحتلال الصهيوني والهجمة الاستعمارية الخبيثة التي تعرضت لها بلداننا العربية وفي القلب منها فلسطين، وخاض حرب فلسطين عام 1948 وانضم إلى تنظيم سري للضباط مناهض للحكم الملكي في مصر، ليشارك فيما بعد بثورة يوليو المجيدة عام 1952 ضمن (حركة الضباط الأحرار) الى جانب رفاقه في السلاح وعلى رأسهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.

عاش مراحل مختلفة من تاريخ الشعب المصري وحركته الثورية، وكتب مذكرات مهمة في كتابه الموسوم بـ (الآن أتكلم)، وقد أحدثت زخماً سياسياً كبيراً وقتها، كما عرض وجهة نظره في العديد من المداخلات والبرامج التلفزيونية التي تحدث خلالها عن وجهة نظره التي أبعدته عن الحياة السياسية عدة سنوات قضى بعضها خارج مصر، وتحديداً في سويسرا.

وصفه الزعيم المصري جمال عبد الناصر بـ (الصاغ الأحمر) في إشارة منه إلى التوجهات اليسارية والفكر الاشتراكي الذي كان ينتهجه، والذي أغنى بتوجهاته الفكرية واليسارية من تطور الحركة الوطنية في مصر من خلال أفكاره وطروحاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ذات الطابع الاشتراكي والتقدمي البارزة.

ان حزب التجمع، من خلال الأفكار التي أعلنها زعيمه المؤسس خالد محيي الدين، كان عنواناً أساسياً في قوى اليسار المصري، وفي طليعة الحركة الوطنية والتقدمية المصرية عموماً، الى جانب موقعه الريادي في قيادة الحركة السياسية المعارضة لسياسة الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي التي أعلنها الرئيس السابق أنور السادات في العام 1974، وكذلك مواقفه المبدئية والثابتة الرافضة للتسوية السياسية.
عارض معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس الراحل أنور السادات مع مناحيم بيجن رئيس وزراء حكومة الكيان الغاصب عام 1979، وكان يرى أن (إسرائيل) مازالت تماطل في تحقيق السلام الحقيقي من خلال استمرارها في احتلال أراض مصرية وعربية.

اننا نسجل باعتزاز كبير المواقف المتقدمة والجريئة التي عبر عنها الرفيق خالد محيي الدين، حيث ناهض من خلال حزب التجمع وجريدة الأهالي كل دعوات التطبيع مع إسرائيل ، التي وصفها دوماً بالكيان الصهيوني الغاصب، وهي المواقف الراسخة التي حافظ عليها الرفاق في حزب التجمع في كافة مرحل نضال الحزب بقيادته الصلبة التي حافظت على خط سير الحزب ثابتاً على الثوابت، ومتمسكاً بالوصايا وبالأمانة النضالية التي أورثها وحملها لهم جيلاً بعد جيل.

كان يرى ضرورة الاستمرار في (حركة التصنيع الكبرى) التي بدأها جمال عبد الناصر في حقبة الستينيات، وعارض بشدة سياسة بيع الأصول الاستراتيجية للمصانع والمنشآت الاقتصادية الكبرى المملوكة للدولة، وتعرض لانتقادات من جانب السلطة المصرية بسبب اشتراك بعض كوادر الحزب في (انتفاضة الخبز) عام 1977، حيث كان يرى ويؤكد ضرورة الحفاظ مكتسبات الفقراء من العمال والفلاحين، ومحدودي الدخل التي حصلوا عليها بعد ثورة يوليو عام 1952.

كان للفقيد الكبير دوراً ريادياً وهاماً في الحياة الثقافية المصرية، إذ تولى رئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964 و1965، وحصل على العديد من الأوسمة والنياشين، منها (جائزة لينين للسلام) عام ١٩٧٠م، وقلادة النيل أرفع وسام مصري من الرئيس السابق عدلي منصور في العام ٢٠١٣م، وله الكثير من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات العربية والأجنبية، وله عدة مؤلفات منها (حركة السلام)، (الفكر والمنهج والتكوين)، (الدين والاشتراكية)، (انفراج لا وفاق)، (الآن اتكلم)، ويسرد فيه قصة حياته وأحداث كثيرة عن ثورة يوليو المجيدة، وأسس مع حزب التجمع جريدة (الأهالي) التي كانت منبراً للحزب ومنفذاً لنشر الدراسات والتراجم التي تتحدث عن حركة اليسار العالمي والفكر الاشتراكي، والتي مازالت على عهدها وفية لمبادئ وقيم وخصائص المناضلين المؤسسين، وفي مقدمتهم الخالد خالد محيي الدين.

وكان الراحل الكبير يرى ضرورة إتاحة الفرصة للصف الثاني من قيادات الحزب، وكان قد بلغ حينها 80 عاما ورأى أنه من غير الجائز استمرار أي قيادة سياسية في مكانها بعد بلوغها هذا العمر، غير أن الحزب أعلنه زعيماً شرفيا له مدى الحياة.

ترجل عن صهوة حلمه، مناضلاً مؤسساً وزعيماً سياسياً وقائداً حزبياً، وفارساً من فرسان الكلمة، من فرسان الفكر العربي التقدمي، ومن الماركسيين المتميزين الذين شكلوا إضافة نوعية للفكر الإنساني والثقافة الإنسانية .

رجل معروف بكتاباته وإسهاماته الفكرية والبحثية، ولقد تشرفت بالتجول بين رفوف مكتبته العامرة في مقر حزب التجمع بالقاهرة بصحبة الرفيق النائب عاطف المغاوري نائب رئيس حزب التجمع وعضو مجلس الشعب المصري، الذي أسهب في الحديث عن محطات تاريخية ومضيئة في سيرة ومسيرة الراحل الخالد، الذ برحيله خسرنا في العالم العربي علماً من أعلام الفكر العالمي والعربي، وصاحب تجربة عميقة أسهمت في رسم معالم الطريق وانتهاج طريق الماركسية لمعالجة مشاكل العالم .

ارحل حيثما شئت، فأنت فينا، في أجيال وأجيال من مناضلي مصر والعالم العربي والعالم الذين تأثروا بإسهاماتك الكبيرة المضيئة التي تعزز من دور ومكانة الفكر الذي آمنت به من أجل خلاص وحرية وكرامة شعوبنا والإنسانية المسحوقة المعذبة جمعاء.

عندما نستحضر هذا الارث المجيد للراحل الكبير خالد محيي الدين، فإننا بذلك نرد له بعض من أعطى على مدار عقود طويلة قضاها في النضال بشتى دروبه الوعرة، ونحن في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني على ثقة كبيرة بأن هناك من حمل ويحمل الراية من بعده، حيث حملها قادة ومناضلون ورفاق درب أوفياء في حزب التجمع الذي يسير بخطى ثابتة وعلى منهج قائده المؤسس الذي غرس في نفوسهم الايمان والارادة وعنفوان النضال.

التعليقات متوقفه