د. جودة عبدالخالق يكتب :دعوة إلى التغيير في رمضان

81

لقطات

د  جودة عبدالخالق :دعوة إلى التغيير في رمضان

أنتظر رمضان كل عام بشوق بالغ. وهذا العام أنتظره على أحر من الجمر؛ فقد حالت ظروفى الصحية خلال العامين الماضيين (إصابتى بكورونا ثم العمليات الجراحية) دون ممارسة ما اعتدت عليه سنين عددًا: ختم القرآن وصيام النهار وقيام ما تيسر من الليل، والحرص على أن يكون عملى وإنجازى في رمضان أكثر مما فى غيره من الشهور- أملًا فى مرضاة الله وحبًا في الوطن. وأعترف أن هذه سباحة شاقة ضد تيار جارف. فقد صار سلوك مجتمعنا في رمضان غاية في الكسل والاستنطاع والفوضى، بحجة صيام الشهر الكريم الذى هو من كل ذلك براء. فقل إنتاجنا وزاد استهلاكنا. وأصبحنا أصحاب اليد السفلى بين الأمم. والمشكلة يا سادة يا كرام في أنفسنا، وليس في الشهر الفضيل.
وبمناسبة حلول رمضان أرجو أن يقف كل منا مع نفسه وقفة شجاعة ويتساءل: هل أنا منافق؟ عفوًا أعزائى القراء، لا تغضبوا. فأنا أطرح السؤال بمنتهى الجدية والصراحة والموضوعية. نعم، أقترح أن يسائل كل منا نفسه: هل أنا منافق؟ فمعلوم أنه قد ورد عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذَب، وإذا ائْتُمِن خان وإذا وعَدَ أخْلَف”. وفى مجتمعنا، صار الكذب عادة والخيانة ممارسة وخلف الوعد قاعدة. صار الالتزام بالمواعيد أمرًا نادرًا: سواء تعلق الأمر بموعد اجتماع محدد أو إنجاز عمل معين. فالسمة الغالبة هي عدم الالتزام. وكثيرًا ما يسألك أحدهم: “الساعة تسعة يعنى تسعة والا…؟ يعنى معاد مصري والا إنجليزى؟” يحدث ذلك رغم ما يتشدق به معظم الناس بمناسبة وبدون مناسبة قائلين “إن شاء الله كذا وإن شاء الله كيت”. بل إنه من فرط التدين الشكلى أصبح تعبير “إن شاء الله” يستخدم في الحديث عن الماضى. وهذا شيء ممجوج. تسأل أحدهم عن اسمه فيجيبك “إن شاء الله فلان”. تضحك من الغيظ متسائلا: “وماذا لو لم يشأ الله؟” فبخصوص الماضي، فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وبمناسبة هوس مجتمعنا بفوازير رمضان اقترح الفزورة الآتية بأمل أن نجد لها حلًا. “شعب يصوم 30 يوم عن الشغل وعن النوم، يبقى مين؟ أكل زيادة وفعل بَلادَة، يبقى ليه”؟ مَدّ أطرافه برَّا لِحافُه، يبقى إزاى؟ اقترح تعميم هذه الفزورة على جميع أجهزة الإعلام لنشرها على كل الأنام التي لا تعمل ولا تنام. فلعلنا نجد جوابًا للسؤال المصيرى: لماذا ننتج أقل ونستهلك أكثر في شهر الصيام؟ إن الشعوب ترتقى أو تنحط بسلوكياتها. وأى كلام عن الاستثمار والإنتاج والتكنولوجيا لن يغير حالنا ما لم نغير سلوكياتنا كأفراد وكمجتمع. وأى مسعى للإصلاح الاقتصادى يظل قاصرًا ما لم نتعامل بجدية مع هذا الوضع الخطير. وبدون ذلك، ستزداد الفجوة بين إنتاجنا واستهلاكنا. فيقل ادخارنا، ونستجدى المعونات لتمويل الاستثمار. فهل لنا من وقفة لمراجعة سلوكياتنا في العمل والعبادة، حتى نكون كما جاء في التنزيل خير أمة أخرجت للناس؟ ولن ننتصر في أم العارك، وهى معركة التقدم والتنمية، إلا بحل فزورة الفوازير. عندها يكون دِينُنا لنا لا علينا.
لكن للأسف الشديد، ما زالت ريما على عادتها القديمة. فـ”الموسم الرمضانى” هذا العام نسخة مكررة من سابقيه. فهناك المسلسلات التليفزيونية وعددها 31 مسلسلًا، القليل منها مفيد ومعظمها ليس كذلك. وهناك أيضا الفوازير والمسلسلات الإذاعية وبرامج الكاميرا الخفية. كل هذا بخلاف 4 برامج للمقالب (رامز نيفر إند والصدمة وكريزى تاكسى و30 وش) فوق البيعة. وطبعا تتخلل كل هذه المواد إعلانات تسوق شتى أنواع المأكولات والمشروبات وغيرها من ملذات الحياة، وتروج لقيم معظمها مُسِف ّوهابط. معنى ذلك أن المصريين كالمعتاد سيعانون في رمضان هذا العام من تخمة شديدة- ليس في الأكل والشرب فقط، بل في التسلية والترفيه. وفى سياق كل ذلك تتعرض ثقافتنا الوطنية من قيم ولغة للكثير من العدوان والتخريب. وأتساءل: أين سياستنا الإعلامية مما يجرى؟
تهنئة مزدوجة:
لكل أم مصرية بمناسبة عيدها
ولكل المصريين بمناسبة شهر رمضان.

التعليقات متوقفه