ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :إلى المنسق العام للحوار الوطنى

2

أثبت المنسق العام للحوار الوطنى «ضياء رشوان» كفاءة واضحة فى إدارة المهمة الصعبة التى أوكلت إليه قيادة مجموعات شتى من النخب المصرية السياسية والثقافية والفكرية والعلمية والأكاديمية المختلفة التوجهات والمشارب والأهداف، فى جلسات مؤتمر الحوار الوطنى، الذى يفترض أن يؤسس لعلاقات صحية ومثمرة ومنتجة، بين مؤسسات الدولة والحكم وبين المجتمع، وأن يأخذ بلدنا خطوة للأمام فى اتجاه تأسيس استحقاق دستورى يقضى ببنائها دولة مدنية ديمقراطية عصرية حديثة.

لعبت عدة عوامل دورا مهما فى نجاح «ضياء رشوان» وجدارته بالدور الذى يقوم به، بينها ثباته الانفعالى، وبلاغته وسرعة بديهته، وإيمانه بضخامة المهمة الموكلة إليه، والشعور بالمسئولية الضخمة تجاهها .فضلا عن ثقافته السياسية وخبراته البحثية والنقابية، التى نجحت عبر عقود فى مد جسور من الثقة بينه وبين مؤسسات الدولة التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدنى، ومن ينشطون بها من سياسيين حزبيين وغير حزبيين وحقوقيين وباحثين ونقابيين وغير هؤلاء ممن يعملون فى المجال العام. وعززت تلك المهارات الشخصية، الفرص لكى يكسب «ضياء رشوان» ثقة معظم الأطراف المشاركة فى الحوار الوطنى.
والكلام التالى قد لا يعجب كثيرين، وربما يبدو خارجا عن سياقات الحوار الوطنى الدائر الآن، لكننى أظن أنه فى قلبه، وهو ضرورى ومهم، إذا كنا حقا نبنى جمهورية جديدة، تقوم على قواعد راسخة من العدالة والإنصاف والمساواة والتكافؤ فى الفرص، والتنافس بشروط وقواعد العصر، الذى يقدم كل يوم جديدا يحفّز من فرص ذلك التنافس، ويعدل فى شروطه وقواعده بحثا عن أفضل السبل لخدمة طموحات الشعوب.
فى كتابه «محاورتى مع السادات» يروى «أحمد بهاء الدين» الحكاية التالية أثناء رئاسته لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال فيقول: جاءتنى فى اليوم التالى مباشرة لإعلان انتخاب «أنور السادات» رئيسا للجمهورية السيدة «سكينة السادات» وقدمت لى طلبا أن أعينها مديرة لتحرير مجلة المصور، وقلت لها بروح طيبة أننى أعلم أنه وقد أصبح أخوك رئيسا للجمهورية، فمن طبائع الأمور أن ينعكس هذا على وضعك بصورة أو بأخرى. اتركى لى هذا فى الوقت المناسب، ولكن من المستحيل أن أعينك مديرة تحرير، وأتخطى الزملاء الأقدم منك، والذين يرأسونك فى العمل، وأنت بدون شهادة جامعية، كما أن ذلك يسئ إلى «أنور السادات».
وكما كان متوقعا، لم تمر الواقعة على «أحمد بهاء الدين» بسلام، فقد لعبت شلل المصالح داخل المؤسسة التى رأت فى تغيير رئاسة الدولة فرصة للوصول والترقى الوظيفى والاجتماعى، دون كفاءة ودون وجه حق، لعبت دورها فى تغيير الأوضاع لصالحها، عن طرق غير مستقيمة، بنشر الشائعات ونقل الوشايات ونسج الدسائس بزعم إبداء الولاء، وهو ما انتهى بقراءة قرار نقله من دار الهلال إلى مؤسسة روز اليوسف فى الصحف، لكنه اعتذر عن تنفيذه، وتفرغ للكتابة فى صحيفة الأهرام .
جنبتنى حكاية الاستاذ بهاء مهمة عسيرة تقضى بسرد حكايات مماثلة تجرى كل يوم فى مؤسسات الدولة والحكم، وأبطالها هم نفس شلل المصالح وجماعات الضغط التى باتت تتحكم فى مصائر البلاد والعباد. ولم يعد يخفى على أحد أن الحياة العامة أضحت مسرحا لتحكم تلك الشلل والانفراد بتسيير شئونها، وإقصاء غيرهم بمسميات جلبت للبلاد فى تاريخ معاصر كوارث باهظة الأثمان، لم نتمكن حتى اليوم من النجاة من آثارها، حين اعتمدت مبدأ أهل الثقة والولاء، على حساب أهل الخبرة والكفاءة والولاء!.
مخاطر مشكلة الشللية لا حصر لها، أنها تعرقل من قدرة مؤسسات الدولة على العمل والانجاز لخدمة المصالح العامة للمواطنين . كما أنها تصطنع قوى ضغط داخل كل مؤسسة تربك صاحب القرار وتضلله بإخفاء الحقائق، بما يؤثر على صنعه لذلك القرار .كما هى تقر فى الضمير الجمعى للمواطنين أن المحسوبية والروابط العائلية والشخصية هى الطريق الوحيد للحصول على الخدمة العامة التى توفرها الدولة لعموم الناس، وأنها الوسيلة المجدية لتقلد الوظائف والمنصب العام . كما هى تصيبهم بالغضب المنفلت، والتذمر واليأس وفقدان الثقة فى وجود إرادة سياسية لعدل تلك الموازين المختلة، بما يهز الاستقرار الاجتماعى. وفى حال كحالنا تقل فيه الموارد، وتتناقص به الفرص المتاحة، وتختل به الأولويات، بات من الخطر تجاهل الصراعات الداخلية والتنافسية المتعارضة المصالح، التى تحفل بها المؤسسات العامة، والتى تقود بعضها للعمل فى جزر منعزلة عن غيرها، لاطمئنان أفرادها أن المفاضلة بينهم وبين غيرهم تأتى دائما لصالحهم!.
فى أى لجنة من لجان الحوار الوطنى وفى أى محور تدرج قضية الشللية فى إدارة الشأن العام، لا أعرف. لكننى بت أعرف ما لدى المنسق العام ضياء رشوان من فطنة وحكمة، لذلك أتركها له.

التعليقات متوقفه