لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب :بين غزة المأسورة ودبي المعمورة..مشهد عبثي

33

أعزائي القراء، بتأثير المرض والإجهاد الشديد، قررت الاعتذار عن كتابة لقطات هذا الأسبوع. لكني في اللحظة الأخيرة عدلت عن هذا القرار. وفضلت أن أشارككم بعضًا من خواطري حول ما يحدث وما لا يحدث. هذه خواطر أربعة أيام عشتها بين القاهرة ودبي، لكن الحاضر الغائب دائمًا هو غزة المكلومة.

إلى دبي المعمورة: نذهب أو لا نذهب؟ المناسبة، المؤتمر العلمى السابع عشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية الذي تقرر منذ عام حول موضوع تأثير تغير المناخ على التنمية العربية في الأسبوع الأول من نوفمبر في مدينة دبي. كتبت ورقة للمؤتمر مع أحد تلاميذي من منطلق التواصل بين الأجيال، ولإعداد الشباب لتحمل مسئولية البحث العلمى الجاد والرصين والملتزم. ولكن بعد تطور الأحداث بشكل درامي بمفعول “طوفان الأقصى” والموقف المتخاذل لحكومة الإمارات مما يجري ثار التساؤل حول ملاءمة الذهاب إلى دبي في هذا التوقيت. لكنى فضلت الذهاب والمواجهة، وشاركت في المؤتمر متوشحًا بالعباءة الفلسطينية، لإعلان دعمي الصريح للكفاح الفلسطيني في سبيل الحرية. فهذا أضعف الإيمان.
في غزة المأسورة: حولت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، حيث يضم أكثر من مليوني نسمة. وفى إطار العدوان الإسرائيلي على القطاع يقوم الجيش الاسرائيلى بدعم ومشاركة أمريكية سافرة بارتكاب مذابح طالت المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. إن ما يجري في غزة الآن هو عملية إبادة جماعية عقابًا لشعب اختار مقاومة الاحتلال ورفض الاستسلام. وهذه العملية تتم بكل الوسائل: القتل والتشريد والتجويع والتعطيش. انطلق الصهاينة كالكلاب المسعورة، وأطلقت أمريكا وإسرائيل آلة الحرب المجنونة بدعوى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. والعالم يتفرج على ما يجري. والغرب أسقط كل الأقنعة. نعم كل الأقنعة. ورغم كل ذلك، فإن الفلسطينيين فى غزة يخوضون كفاحًا شجاعًا وشريفًا جديرًا بالإجلال والإكبار.
إن من الخطأ تصوير ما يجري في فلسطين على أنه صراع دينى بين المسلمين واليهود، وتحميل حركة حماس المسئولية عن تفاقم الأمور. فالحقيقة أن ما يجري هو صراع وجودي يزيد عمره على قرن من الزمان بين مشروعين: مشروع الصهيونية العالمية ومشروع القومية العربية. فمعلوم أن وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور أصدر في الثانى من نوفمبر عام 1917 وعد حكومة المملكة المتحدة إلى الزعيم الصهيونى ليونيل دي روتشيلد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي كانت حينئذ تحت الانتداب البريطاني. ومنذ ذلك التاريخ والحركة الصيهونية العالمية تسعى بكل الوسائل الى إقامة دولة تضم كل يهود العالم وتمتد حدودها من النيل إلى الفرات. ولم يتردد رئيس وزراء الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو في أن يعلن على الملأ خريطة لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وفي هذا السياق كان ضغط إسرائيل بحربها الشرسة على غزة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وباقى الدول الغربية إلى نقل الفلسطينيين من قطاع غزة في فلسطين إلى شبه جزيرة سيناء في مصر. لكن موقف الحكومة المصرية الحازم مدعومًا من الشعب المصرى أفشل هذا المخطط.

التعليقات متوقفه