“نواقص الأدوية” أزمة مستمرة منذ سنوات تهدد حياة آلاف المواطنين .. من المستفيد والمتربح منها وأين خطط الحكومة لحلها؟

53

“نواقص الأدوية” أزمة مستمرة منذ سنوات تهدد حياة آلاف المواطنين

.. من المستفيد والمتربح منها وأين خطط الحكومة لحلها؟

تحريك أسعار أكثر من 2000 صنف دوائى بنسبة تتراوح 90%

الأزمة تصل لـ أدوية شديدة الخطورة بنسبة 30% .. ونحتاج 250 مليون دولار سنويا لحل الأزمة

هل فشلت هيئة الدواء فى إدارة الأزمة؟.. ومطالبات بوضع الملف على رأس أولويات الحكومة

“العملة الأجنبية للاستيراد، التعامل بالاسم التجارى، الصرف العشوائى بدون روشتة وعدم الإفراج عن الشحنات بالموانى”

أسباب تفاقم الأزمة

محمود فؤاد: بعض الأصناف لها أكثر من تسعيرة تختلف من مكان لآخر بسبب سوء نظام التسعير

إيرين سعيد: توقف بعض خطوط الانتاج فى بعض الشركات أثر على المخزون

محمد الشيخ: الأزمة لن تنتهى إلا بتوفير السيولة الدولارية اللازمة للإفراج عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج

 

تفاقمت أزمة نواقص الأدوية، مؤخرًا نتيجة نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج والتى بدأت منذ عدة أشهر وأدت لارتفاعات كبيرة فى الأسعار وصلت لـ 90% وطالت أكثر من 2000 صنف دوائى، من أصل قرابة 17 ألف صنف متداول في السوق المصرية، مقابل انخفاض كميات الأدوية المعروضة، ورغم تسليط الضوء على المشكلة وتوابعها فإن الأزمة تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة لتصل لحد اختفاء أدوية لأمراض شديدة الخطورة، بما يهدد حياة ملايين المواطنين المصابين بأمراض مزمنة.

وتضمنت قوائم الأدوية الناقصة أدوية القولون، والغدد، وبعض المضادات الحيوية، بالإضافة إلى بعض أدوية السكر، ودواء إلتروكسين ويوثيروكس للغدة الدرقية المتوفر بالصيدليات منه تنتهي صلاحيته خلال أربعة أشهر، ولانوكسين ناقص منذ نحو شهر وكارديكسين لمرضى القلب، وترايلبتال وتيراتام لعلاج الكهرباء الزائدة على المخ، وأورسوبلس لمرضى الكبد، بالإضافة إلى بلميكورت وأتروفينت اللذين يستخدمان كموسّعين للشعب الهوائية غير متوفرين منذ أكثر من خمسة أشهر، وسيلجون وريكتوبليكسيل لعلاج الكحة لدى الأطفال والرضّع.

وتتردد أنباء عن اختفاء أدوية ارتفاع ضغط الدم التي تتزايد الحاجة إليها مع ارتفاع درجات الحرارة بالإضافة إلي أدوية المناعة والنزلات المعوية المرتبطة بأمراض الصيف والإسهال والحمي وغيرها، علاوة عن أدوية السكر والكوليسترول، أما لبوس الكحة ريكتوبليكس وسيلجون فغير متوفرين تمامًا، فيما لا يوجد من كافسيد سوى للرضع فقط وبعدد محدود بواقع ثلاثة علب شهريًا.

وشملت النواقص، منتجات لا تشمل الأمراض المزمنة، لكنها جزء أساسى من متطلبات المواطن فى علاج الأمراض الشائعة مثل منتجات “أكنى” لعلاج حب الشباب والتى تحتوى على مادة إريثرومايسينا، وفيدروب نقط للأطفال، وسيتال نقط لخفض الحرارة للأطفال، وباراسيتامول وباندول الأزرق “عقارين لخفض الحرارة” فى بروتوكول كورونا، وعقار نصار ملين، وأليرجين للحساسية.

كما أن هناك أزمة حقيقية منذ أربعة شهور فى أدوية الغدة لأن هناك مئات الآلاف من المصريين يعانون من مشكلة فى الغدة، وكذلك أدوية أمراض الدم، والتصلب المتعدد، وأدوية الهرمونات، وتطور الأمر الآن لدرجات خطيرة لتصل الأزمة للأنسولين المائى، كما أن هناك بعض الأصناف اختفت من السوق، ومنها بعض أدوية علاج السرطان، وكذلك أدوية حقن الصبغة، ورغم أن سعرها تخطى الـ 1900 جنيه، لكنها غير موجودة بالأسواق، وتوجد فقط داخل المختبرات بسعر يتخطى الـ 3000 جنيه.

تحذيرات

من جانبهم، حذر خبراء صناعة الدواء، من أنه فى حالة عدم اتخاذ إجراءات حكومية عاجلة قبل نهاية أكتوبر الجارى لحل أزمة ارتفاع أسعار الخامات الدوائية، سيحدث تفاقم كبير للغاية فى أزمة نواقص الدواء، حيث سيبدأ مخزون المواد الخام الدوائية المتوافر حاليا لدى المصانع فى النفاد، مما سيؤدى لتوقف عملية الإنتاج، وبالتالى عدم توافر الدواء بالسوق، وسط مطالب بإعطاء أولوية لشركات الدواء فى استيراد مستلزمات إنتاجها لتعزيز فرص الإنتاج.

فى البداية، أكد دكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، إن هناك عمليات تحريك لأسعار أكثر من 2000 صنف دواء، على مدار الأشهر الماضية بداية من يناير 2023، وذلك بنسب تتراوح ما بين 30% و90%، علاوة على أن هناك بعض الأصناف لها أكثر من تسعيرة تختلف من مكان لآخر، بسبب سوء نظام التسعير، بمعنى أن بعض شركات الدواء أصبحت تتعامل من منطلق مدى نفوذها ودرجة علاقتها وتأثيرها على هيئة الدواء، وأقرب نموذج على ذلك “دواء للذبحة الصدرية” توجد له ثلاثة أسعار فى السوق وهى 70 جنيها، و90 جنيها، و120 جنيها، وذلك يطبق على عشرات الأصناف الأخرى من الدواء.

وأوضح فؤاد، أن الأمر لم يتوقف عند ارتفاع أسعار الدواء واختفاء أصناف منه، حيث نجد أن كل الأدوية الناقصة فى السوق توجد فى السوق الموازية بأسعار مضاعفة، كما ينشط شىء آخر، وهو غش الدواء لتوفير الدواء الخادع وفقا لتسمية منظمة الصحة العالمية، وبيعه بأسعار أعلى من الصيدليات، لكنه أقل من السوق الموازية، ويترتب على ذلك عدة أمور، منها تمكن المرض من المريض أكثر لأن الدواء “المغشوش” لا يجدى، وكذلك الإضرار بسمعة صناعة الدواء المصرية، والأخطر هو عزوف المستثمرين عن الاستثمار فى صناعة الأدوية داخل مصر، مشددا على إنه فى حالة عدم اتخاذ الحكومة إجراء عاجلًا قبل نهاية هذا الشهر من العام الجارى لحل أزمة ارتفاع أسعار الخامات الدوائية، سيحدث تفاقم كبير للغاية فى أزمة الدواء ستظهر آثاره فى غضون شهر، ويتمثل فى “تقلص الصناعة”  بسبب أن مخزون المواد الخام الدوائية المتوافر لدى المصانع سيبدأ فى النفاد، ما سيؤدى إلى توقف عملية الإنتاج، وبالتالى عدم توافر الدواء بالسوق، مطالبًا بإعطاء أولوية لشركات الدواء فى استيراد مستلزمات إنتاجها، فهناك 152 شركة دواء قدمت طلبات للبنك المركزى لتوفير سيولة دولارية لاستيراد مستلزماتها، فلا بد هنا من فلترة هذه الشركات وإعطاء الأولوية لشركات الأدوية الحيوية لتعزيز فرص إنتاج هذه الشركات.

الاسم العلمي

من جانبها، ترى إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن عدم التعامل بالاسم العلمى أو اسم المادة الفعالة والإصرار على التعامل بالاسم التجارى أحد أهم أسباب الأزمة، مشيرة الى أن هناك أسبابًا أخرى منها محاولة توطين صناعة الأدوية فى مصر وهو سبب غير مقصود بالتأكيد فصعوبة توفير العملة الأجنبية أدى بالتبعية إلى صعوبة توفير أى دواء مستورد بكميات كبيرة فى السوق وأن كان الحل هنا هو الدواء البديل، الأمر الذى يتطلب عدم الضغط على الاحتياطى المستورد فى ظل توافر الدواء المصرى فى السوق، مضيفة أن توقف بعض خطوط الانتاج فى بعض الشركات أثر على المخزون تزامناً مع زيادة سحب بعض الأصناف بشكل عشوائى ومثال على ذلك أدوية الأنسولين والتى تستخدم لمرضى السكر ومن المفترض الا تشهد نقصا في ظل إنتاجها محليا داخل مصر، ولكن هناك بعض الأدوية منها التي تستخدم بغرض التخسيس، ويتم صرفها بدون روشتة خلقت أزمة نقص فى الصيدليات.

المادة الفعالة

وترى إيرين، هناك عدد من الحلول المقترحة للتعامل مع الأزمة منها ضرورة صرف أى دواء بـ ” الروشتة” والتوقف عن الصرف العشوائى للأدوية بالاضافة الى استخدام الاسم العلمى بدلا من الاسم التجارى، وكذلك تدخل الدولة بالدعم والتحفيز لشركات الادوية التى تمتلك خط إنتاج واحد فقط لأصناف معينة بحيث تقوم بفتح خطوط إنتاج أكثر، بمعنى فتح الصندوق أمام أكثر من منافس لتصنيع نفس المادة الفعالة خاصة أدوية الهرمونات فمن المهم ان يتجه التصنيع بشكل عام إلى هذا النوع من الأدوية، بالإضافة الى ضرورة نقل تكنولوجيا الإنتاج لكل الأصناف المهمة التي يمكن تصنيعها في مصر ومنح الشركات المصرية ترخيص إنتاج عاجلًا لتوفيرها في السوق، حيث إن إصلاح سوق الدواء المصرى يبدأ من تذليل العقبات التى تواجه المصنعين والمستثمرين فى مجال الدواء، وهو المطلوب من هيئة الدواء بأن تقوم بتحفيز الشركات على الإنتاج من خلال تسهيل فى التراخيص، خاصة أن هناك توجهًا من الدولة لتصنيع المواد الخام لتقليل تكلفة الإنتاج وبناء عليه تقليل سعر الدواء للمريض.

الاسم التجارى

وشاركها الرأى، نقيب صيادلة القاهرة، دكتور محمد الشيخ، والذى أرجع الأزمة الى “ثقافة الطبيب والمريض” فى مصر، حيث ان هناك عددًا من الأطباء يحرصون على كتابة أصناف بعينها، بينما نجد لكل دواء 13 مثيلا بكفاءة وجودة تصل لـ 102%، ولكن الطبيب المصرى يقوم بكتابة نفس الدواء لكل المرضى بغض النظر عن البديل، وهو ما خلق مشكلة حقيقية فى نواقص هذه الأدوية، موضحا أن اعتياد المريض على اسم تجاري محدد اعتقاد خاطئ، حيث إن التركيبة العلمية تعد الأهم وليس الاسم التجاري، فعلى سبيل المثال دواء الغدة الدرقية الناقص، له 5 بدائل بنفس التركيبة العلمية وذات كفاءة قياسا بالمستورد، لكن الناس تريد الدواء المستورد، الأمر يحتاج بعض الوقت إلى حين الإفراج عن المواد الخام، مطالبا الأطباء والمرضى بتنمية ثقافة الاكتفاء ببدائل الأدوية، طالما كانت تحمل نفس المادة الفعالة، وعدم التركيز على الحصول على أدوية تحمل اسمًا تجاريًّا بعينه، حيث يرى أن ذلك من ضمن أحد أسباب إهلاك الموارد الدولارية، مؤكداً أن هذا هو أحد حلول الأزمة، خاصة أننا نملك 174 مصنعا، فى حين أن كل الدول المحيطة لا تملك أكثر من 50 مصنعًا.

وطالب الشيخ، بضرورة التعرف على أرصدة الدواء، والمخزون ومتطلبات السوق المصرية ومتابعة المصانع، لعدم حدوث أزمات نقص الأدوية، لأن الدواء الأصلى يكون له سعر ومثيله يكون بسعر منخفض، موضحا أن قطاع الصيدليات من أكثر القطاعات التى تأثرت بالأزمة وبسبب التدابير الدولارية الشهرية المطلوبة للقطاع، والمقدرة بنحو 250 مليون دولار شهريًا لتأمين الاحتياجات، سواء مواد خام أو دواء تام الصنع، مشيرًا إلى سوق الدواء يشهد وجود نواقص في بعض صنوف الأدوية بنسبة 30%، كما أن هناك أماكن تضررت نتيجة تراكم بعض الأدوية منتهية الصلاحية فى الأسواق، إضافة إلى تذبذب الأسعار، فمن الممكن أن نجد صنفا واحدا له ثلاثة أسعار داخل الصيدلية وفقا للشركة المنتجة، مؤكدا أن الأزمة لن تنتهى إلا بتوفير السيولة الدولارية اللازمة للإفراج عن المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، والتي تقدر بنحو 97 مليون دولار، بالإضافة الى وعد الحكومة بتدبير احتياجات القطاع الشهرية والمقدرة بنحو 250 مليون دولار، حيث إنه على مدار الشهرين الماضيين لم يتم توفير دولار من إجمالي الاحتياجات الشهرية إلا بواقع 20% من المبلغ بواقع نسبة 10% شهريًا، مضيفا أنه كل يوم تستقبل الموانئ شحنات جديدة تنتظر الإفراج، وعلى الدولة سرعة التدخل لايجاد حل جذرى للمشكلة.

التعليقات متوقفه