“الرصاص المسكوب”، كان ذلك هو اسم الحملة العسكرية التى قادتها إسرائيل عام 2008 علي قطاع غزة، بعد ثلاث سنوات من انسحابها منه، بهدف معلن هو تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس وهدم الأنفاق لمنع تهريب الأسلحة . استمرت الحملة 22 يوما وخلالها، تدفق إلي الأراضى المصرية عبر الجانب المصرى من معبر رفح ، إلي داخل سيناء، نحو ثلثمائة ألف فلسطيني، هربا من القصف الإسرائيلي المكثف علي المدنيين وعلى المباني السكنية .تمكنت إدارة الرئيس مبارك حينذاك من إعادتهم بشكل تفاوضى وبإجراءات أمنية مشددة تخلو من العنف، إلي داخل القطاع مرة أخري، حيث كان مفهوما أن العودة إلى قطاع غزة، لا خطر من ورائها .كانت العودة آنذاك تعنى مواصلة الحياة داخل المكان .
تهدأ المعارك وتصمت المدافع، بعدما تتدخل مصر وبرعاية أمريكية، لإجراء مفاوضات بين الطرفين المتحاربين للتوصل لوقف لإطلاق النار. لكن صمت المدافع المؤقت لم يكن يمنع من حدوث المعارك اليومية الخاطفة بين إسرائيل وحماس، التي تخلف أضرارا لكلا الجانبين، و تسقط ضحايا أكثر من الفلسطينيين بشكل دائم بحكم الخلل فى ميزان القوى . قذائف وأعيرة نارية وصواريخ تطلق من غزة علي الجانب الإسرائيلي، ردا على مداهماته شبه اليومية للقطاع واغتياله لقيادات حماس والجهاد، واتساع نطاق حصاره عليه الذي حوله لسجن كبير لأكثر من مليوني فلسطيني منذ العام2007،لاسيما بعد انشقاق حماس عن السلطة الوطنية الفلسطينية فى الضفة الغربية، وانفرادها بالحكم فى القطاع ، واشتعال الصراع بين حركتي فتح وحماس، وتعزيز الانقسامات فى الساحة الفلسطينية، التى تساهم السياسات العنصرية للاحتلال في إدماتها، فضلا عن العمل الدءوب لإضعاف السلطة الفلسطينية، برفض إسرائيل تنفيذ تعهداتها في اتفاق أوسلو أو غيرها من القرارات الدولية الخاصة بحقوق االشعب الفلسطينى .وبدت حالة التشرذم فى الساحة الفلسطينية ملائمة لأهداف إسرائيل التوسعية، لاسيما بعدما أدى صراع النفوذ والإرادات بين غزة والضفة إلى تهميش القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وصرف الأنظار عن كونها قضية تحرر وطنى، وقصرها على مجرد قضية لجلب المساعدات الإنسانية .
وعندما اجتاحت رياح الربيع العربي العاصفة، دول المنطقة، وأسقطت عددا من أنظمتها، وتأكد الدعم الغربي لتيار الإسلام السياسى ولجماعة الإخوان، لكي يتصدر المشهد السياسىي العربي، منح ذلك حركة حماس كأحد الأذرع العسكرية لجماعة الإخوان، الثقة في قدرتها علي الإنفراد بالدور الرئيسي فى مجرى السياسة الفلسطينية، وعلي أن تكون بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصيلها الأكبر حركة فتح، وحفزها علي مواصلة الصمود في المعارك بينها وبين إسرائيل، برغم اختلال ميزان القوي العسكري والسياسى لغير صالحها . هذا فضلا عن تشددها فى مفاوضات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية التى تمت برعاية مصرية، والتي انتهت معظمها بإبقاء الحال علي ماهو عليه .لكن إبقاء الحال دون تغيير مكن إسرائيل من تعزيز الانقسام فى الساحة الفلسطينية والاستفادة منه، لتتوالي حملاتها العسكرية علي القطاع من “عامود السحاب ” فى نوفمبر عام 2012، إلي الجرف الصامد فى2014 ، ومن حارس الأسوار2021، إلى السيف الحديدية 2023 التى بررت بها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، أكثر حروبها وحشية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية بمزاعم الرد على طوفان الأقصى !
يقولون لنا إن الحرب خدعة، لكن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر لا تخدع سوى نفسها وشعبها ، ولا تخفى نواياها التوسعية، وتعلن بصفاقة تحسد عليها أهداف حربها التى تدخل شهرها الخامس: إجبار نحو أكثر من مليونى فلسطينى على النزوح من معبر رفح إلى سيناء، والسيطرة، كما قال نتينياهو،على جنوب نهر الأردن، بما يؤدى لإجلاء الضفة الغربية وترحيل سكانها إلى الأردن ، فضلا عن رغبته فى وضع ترتيبات أمنية على ممر صلاح الدين المعروف إعلاميا بممر فيلاديفيا، بما يعد خرقا لنصوص المعاهدة مع مصر، التى تقضى بأماكن عازلة فى المناطق الحدودية .
وقبل أيام أعلنت القناة 13 العبرية، أن إسرائيل تدرس نقل معبر رفح الحدودى بين مصر وغزة، إلى منطقة كرم أبو سالم، برغم أن المعبر يعد منفذ غزة الوحيد إلى العالم، بعد إغلاق إسرائيل 6معابر تربط بينها وبين غزة، منها معبر كرم أبو سالم، بعد أن كانت قد دمرت عام 2001 مطار غزة الدولى.أما الهدف كما تقول القناة فهو منع مصر من التدخل فى إدارة المعبر، ومنع عمليات التهريب الحدودية . أما ما لم تذكره القناة أن مواصلة إسرائيل حربها الفتاكة ضد الفلسطينيين المدنيين العزل سوف يدفعهم، إذا ما قدر لهذا المخطط أن يمر، إلى النزوح قسرا إلى سيناء ووضع مصر بين اختيارين مريرين إما القبول بتوطينهم، أو إعادتهم لمواجهة موت محقق!
التعليقات متوقفه