اقتصاديون يطالبون بتغيير الخطة الاقتصادية الحالية والاعتماد على التصدير السلعي والخدمات

6
  • هاني الحسيني: الدين وصل لمستويات قياسية بفعل القروض قصيرة ومتوسطة الأجل
  • أحمد خزيم: الفجوة الدولارية تفتح بابا مستمرا للاقتراض وتلتهم الإيرادات
  • شريف الدمرداش: ضرورة تعظيم الإنتاج المحلي وتشجيع المشروعات الإنتاجية

 

تحقيق: محمد مختار

 

بلغ إجمالي الديون الخارجية المستحقة على الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة، في نهاية الربع الأول من العام الحالي نحو 165.4 مليار دولار، كما بلغت إجمالي الالتزامات الخارجية بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون نحو 42.3 مليار دولار خلال العام 2024، وسيتم سداد نحو 32.8 مليار دولار والتي تعادل نحو 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024، وفيما يتعلق بالديون قصيرة الأجل، يتم سداد نحو 9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول من 2024.

وأكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أنه يجري حاليًا مع الجهات المعنية بالدولة وضع سقف لدين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية، يتم تحديده سنويًا، ولا يجوز تجاوزه إلا بعد موافقة مجلس النواب بما يتسق مع جهود الدولة الهادفة لوضع معدل الدين للناتج المحلي في مسار نزولي مستدام، لافتًا إلى أننا نعمل على إطالة عمر دين أجهزة الموازنة ليبلغ ٤ سنوات في المدى المتوسط بدلاً من ٣ سنوات في الوقت الحالي؛ لتقليل الحاجة إلى التمويلات السريعة.

عجز الموازنة

أكد هاني الحسيني، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن الاقتراض يستهدف بالمقام الأول تنفيذ مشروعات يجب أن تكون عوائدها مدروسة جيدا لسداد أقساط هذه القروض ويوضح هذا دراسة الجدوي التي يجب أن يتم إعدادها حول جدوى هذا الاقتراض وأولويته، ويكون هذا مرتبط بالخطة العامة للدولة للتنمية والنمو الاقتصادي.

وتابع الخبير الاقتصادي، أن رصيد الدين وصل لمستويات قياسية، مشيرا إلى أن هناك أشكال عديدة من القروض، ومشروعات التمويل مع صندوق النقد مرتبطة بصورة مباشرة بعجز الموازنة، بينما على الجانب الأخر هناك تمويلات وقروض تم الاتفاق عليها لم تستخدم حتى الأن نستها لا تقل عن 20%، وتمثل رصيد على الموازنة، وفوائدها سيتم دفعها، مطالبا بحصر مثل هذه القروض لخفض الدين العام وخاصة الدين الخارجي، موضحا أن الدين الداخلي دورته محددة ومعروفة من سندات خزانة وأذون.

وقال إنه بسبب حجم الاقتراض الكبير، واستمرار خدمة الدين لفترة طويلة فإنه سيتسبب ذلك في استمرار عملية الاقتراض، موضحا أن الحلول المالية والمصرفية أصبحت الأن لن تؤتي ثمارهاوحدها دون حل سياسي بعدة خطوات منها التحول عن السياسة الاقتصادية القائمة، والعمل على خطة تنمية شاملة للاقتصاد تعتمد على الإنتاج والزراعة والصناعة وهيكل التجارة الخارجية، ستحقق عوائد ولكن ليس على المدى القصير بسبب ما وصل إليه حال الاقتصاد، وسيتحمل المواطن إذا وجد مشروعات تنموية إنتاجية جادة.

وقال «الحسيني» إنه يجب إعداد خطة لسداد أقساط وفوائد الديون على المدى الطويل مضيفا أن وضع سقف للدين العام مرتبط بشكل كبير بجدوى وأولويات القروض، ولتطبيق ذلك يجب أن يلعب مجلس النواب دوره الحقيقي لمحاسبة ومراجعة الحكومة، مشيرا إلى أنه عند رفض البرلمان اتفاقية قرض أو تمويل سيكون فلن تستطيع الحكومة تنفيذ هذا القرض، مما يساهم في تقنين الاعتماد على القروض، ويعمل على خفض الدين العام خلال الفترة المقبلة.

وتابع عضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن القروض قصيرة ومتوسطة الأجل ساهمت بشكل كبير في تفاقم الدين العام بسبب ارتفاع فوائد هذه القروض بالمقارنة بالديون طويلة الأجل، وتشكل ضغط كبير في السداد، مشددا على ضرورة الاعتماد على توليد الدولار من أنشطة إنتاجية بدلا من الاعتماد بصورة كبيرة على الاقتراض، قائلا: هذا يعتمد على مسار التنمية الذي تنتهجه الدولة، فالسنوات السابقة انتهجت الحكومة خطط وآليات لا تعطي عوائد سريعة أو مباشرة مثل المشروعات العقارية، فهي تجذب الاستثمار الأجنبي بالفعل ولكنها ليست مثل التصدير السلعي وتصدير الخدمات مثل السياحة، فالدولة لديها ميزة نسبية كبيرة في قطاع السياحة، ولكن حسن إدارة هذا القطاع هو الفيصل هنا، مطالبا بضرورة رفع قيمة الإنتاج الزراعى والصناعي والتي تعمل على زيادة فاتورة التصدير، بجانب تنويع مصادر النقد الأجنبي لرفع حصيلة الوعاء الدولاري، والاعتماد على مواردنا وخفض الوارادت غير الضرورية أو المشروعات التي لها مكون دولاري، بالإضافة إلى التوسع في التبادل التجاري بالعملات المحلية مع الدول التي تربطنا بها تجارة بينية، موضحا أننا بالفعل وصلنا على أقصى مرحلة لسقف الديون، وأنه يجب أن يكون للتنمية هدف أساسي وليس المنظور الائتماني فقط.

فاتورة الدين العام

أكد أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي، أن كافة الوزارات والهيئات الاقتصادية والهيئات العامة يتم اعتماد موازنتها من داخل بنود الاستخدامات ويجب مراجعة الصرف فيها طبقا لبنود الاعتماد المقررة سابقا عند مناقشة الموازنة، موضحا أنه لا يحق لأي وزارة أن تقترض دون الرجوع إلى مجلس الوزارء، وأن يكون ذلك وفقا للخطة العامة التي يتقدم بها رئيس مجلس الوزارء للبرلمان مع بداية انعقاد كل دور برلماني، بشأن التوجه العام وخطة الحكومة، موضحا أن ترك هذه الوزارت تعمل في جزر منعزلة، هو مسمار في نعش رفع الدين العام الذي يؤدي زيادة العجز في الخدمات ومشاكل في التعليم والصحة وغيرها من القطاعات.

وتابع أنه على الجانب الأخر فقد حققت الموازنة العامة في 2024 عجز في الإنفاق العام بنحو تريليون و200 مليار جنيه، وبموجب الاحتياجات بين الصادر والوارد وفي ظل هذا العجز والفجوة الدولارية فهناك باب دائما واحتياج للاقتراض وبالتالي فتوقعات الفترة المقبلة هو عدم خفض وتيرة الاقتراض.

وأكد أنه خلال العام الحالي 2024 ستكون خدمة الدين فقط حوالي 8.6 مليار دولار، مطالبا بضرورة تشكيل خلية أزمة وطوارئ لمعالجة الموقف الاقتصادي الحالي بأفكار وسياسات مختلفة تساهم في معالجة الاضطرابات الحالية بالأسواق والعمل على استقرار الوضع الاقتصادي، وتكون البداية بإعادة جدول الديون وتخفيض نسب الاقتصادي مع روشتة كاملة من الاعتماد على الاقتصادات الهيكلية من صناعة وزراعة والاعتماد على الذات، وإنهاء فكرة المدرسة الإيرادية ولابد من إعطاء محفزات أكثر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وقال «خريم» إن العمل على استقرار سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية والتي أصبح فيها كل قطاع يقوم بتسعير الدولار على طريقته الخاصة، هو أمر لابد من التخلص منه، وإعطاء مجال أكبر للاقتصاد الخدمي والفرص الاستثمارية وفتح أسوق لها بالخارج، قائلا: السؤال الجوهري الذي يجب أن يوجه للحكومة هو هل سنستمر طويلا على هذه المسكنات؟ مطالبا ببناء قدرات الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات، فنحن أصبحنا نعيش في عصر الصدمات، وموقع جغرافي للصدمات، وبالتالي يجب الأخذ في الاعتبار جيدا هذه التحديات، وأنه لابد من تحقيق قدر من الاعتماد على الذات، والدلة قامت بخطات جيدة في هذا الشأن، ولكن ينقصنا هو معرفة تشغيل الطاقات الإنتاجية المتعطلة، حيث مازالت القدرة على إدارة مواردنا الاقتصادية ضعيفة، وهو الذي يجب أن يتم العمل على تقويته، واستغلال مواردنا الضخمة والتي مازالت نتائجها ضعيفة جدا، مشددا على ضرورة رفع مستوى كفاءة إدارة النشاط الاقتصادي من خلال التطوير المؤسسى ومكافحة الفساد وتقوية دور الدولة في إدارة النشاط الاقتصادي وغيرها من العوامل التي يجب أن تركز عليها الدولة خلال المرحلة المقبلة.

وأوضح أنه لحل أزمة فاتورة الدين خلال العام المقبلة، يجب تنفيذ خطة لتفعيل الطاقات الإنتاجية وتفعيل الأنشطة التي تدر عملة أجنبية وأن يتم يقاف الاقتراض ووقف المشروعات القومية المرتبطة بمكون استيرادي بالدولار، واستثمارها في زيادة الوعاء الدولاري.

وتابع الخبير الاقتصادي، أن الأمر يتطلب وجود فكر مختلف للعمل على توليد الدولار من خلال حسن استغلال المزايا النسبية لموارد الدولة، مضيفا أن الأمر أصبح الأن الديون مقابل الأصول، فالحكومة لديها مستحقات ديون حتى 2071، وأن ما يتم الأن هو السعي للحصول على قروض من أجل سداد قروض أخرى، وبالتالي فإن معدل الديون في نسبة ارتفاع مستمر والقوة الشرائية في حالة انخفاض.

وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة تشجيع الصناعة المحلية والقطاع الخاص، والعوامل التي تؤدي إلى رفع الناتج المحلي، موضحا أن هذه أزمة لن تكون الأخيرة، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيظل طالما أن هناك فجوة كبيرة من الصادرات والواردات، وأيضا المردود من القطاع الخاص ليس بالصورة الجيدة.

وتابع «خزيم» أنه كلما زات كمية القروض يرتفع عجز الانفاق مما يتم سد هذا العجز عن طريق رفع الضرائب والرسوم وهو ما يتسبب في إحداث حالة من خفض من القوة الشرائية للعملة، موضحا أنه في موازنة العام 2023 – 2024 دخل الاقتصاد هذه الموازنة بقيمة عجز تتجاوز 824 مليار جنيه، الأمر الذي يتسبب في إضعاف قيمة الأصول الموجود، ووجود اضطرابات في الأسواق بسبب عدم ثبات العملة، وتؤدي إلى إضعاف الطبقات المتوسطة والفقيرة، وأيضا البطالة وزيادة معدلاتها، واستغناء الأسر عن العديد من الاحتياجات الأساسية، موجها أنه كل رفع في الفائدة يتسبب في ارتفاع الدين العام، والدين الداخلي “يأكل” مدخرات المواطنين، فهناك مشاكل في الدين الخارجي وأيضا الدين الداخلي، فلا يوجد سيطرة على الدين الخارجي بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم، ورفع الفائدة يرفع من هذا الدين، مما يزيد العجز الكلي، وسط مخاطر من خفض التصنيف الائتماني مما يرفع تكلفة الدين ويتسبب في مشاكل كبيرة للاقتصاد.

ترتيب الأولويات

أكد الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، أن الحكومة ما تتبعه الأن هي إجراءات تقشفية، وتسعى لتعظيم موارد الدولة الإيرادية من خلال الضرائب والجمارك، موضحا أن هذه الإجراءات وحدها لن تؤدي إلى إصلاح اقتصادي، قائلا: قد ينتج عنها تقليل الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، وتحسن في الدين العام وانخفاضه، ولكنه لا يحدث الفرق المطلوب في الاقتصاد الذي نسعى إليه جميعا.

وأوضح أن خفض الدين العام يتطلب بداية تطبيق خطة واقعية نسير بها على الطريق الصحيح نحو ضبط القطاع المصرفي، فضلا عن ضبط الأولويات وترتيبها والتي تشهد خللا كبيرا تتطلب تعديلها، حيث يجب الاهتمام أولا التعليم والصحة بجانب الزرعة والصناعة لدعم الاقتصاد الوطني، مضيفا: لا يوجد خطة لدعم الزرعة والصناعة والأرقام في الموازنة الماضية تشهد على ذلك.

وتابع «الدمرداش»: وضع الاقتصاد الحالي لا يجدي معه مثل هذه الإجراءات، مضيفا، هذه الإجراءات هي المعالجات الكلاسيكية لاقتصادات لا تمر بمثل هذه التحديات، ومعيار التحسن الاقتصادي يكون عبارة عن، تحسن وضع العملة المحلية، وكذلك الأوضاع المعيشية للمواطنين، بجانب انخفاض معدلات التضخم، ويتحقق ذلك من خلال إعادة ترتيب الأولويات وآليات الإنفاق، وعدم الاستدانة لعمل مشروعات بنية أساسية لا تدر عائد في المدي القصير أو المتوسط، بجانب تعظيم الإنتاج المحلي لتقليل فاتورة الاستيراد وتقليل الاعتماد على الدولار وتشجيع القطاع الخاص، الاستثمار في المشروعات الإنتاجية وغيرها من الخطوات لتنمية الاقتصاد الإنتاجي، مما يعمل على الاستغناء عن الواردات، فضلا عن محارية السوق الموازية العمل على القضاء عليها لعودة ضبط سوق الصرف مرة أخرى، وعودة الدولار للقنوات الشرعية من جديد بدلا من تحكم أباطرة الدولار من خلال العمليات غير المشروعة مثل ما يحدث من تجميع له ومحاولات اخفائه لزيادة سعر بالسوق السوداء، مشددا على ضرورة التخلص من كل هذه الممارسات السلبية التي تضر بالاقتصاد الوطني، مضيفا أن ضبط سعر الصرف يتوقف بالمقام الأول على إتاحة الدولار بصورة كبيرة، مضيفا أن لا يمكن مناقشة أسعار في ظل عدم توفرة بالصورة الكافية، وإنهاء التلاعبات بسعر الصرف في السوق الموازية يعتمد بصورة رئيسية على إتاحة الدولار.

وأكد أنه يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات لخفض الأسعار من خلال وجود إتاحة أكبر للنقد الأجنبي، والعمل على توفير السلع في الأسواق ووجود رقابة لمنع حجبها عن الأسوق، قائلا إن الحكومة يجب أن تعمل خلال الفترة المقبلة بشكل عكسي من أجل عمل تحريك في الأسواق ومعالجة التضخم المرتفع، فهذا دورها، مما ينعكس على النهوض بالاقتصاد وبالتالي استقرار سعر الصرف.

التعليقات متوقفه