ماجدة موريس تكتب :كلام جديد.. جدا

32

ذات يوم أطلق الأديب الإنجليزي الكبير چون أوسبورن جملته الشهيرة «انظر وراءك. فى غضب» تعبيرا عن فساد زمن كانت إنجلترا فيه هي سيدة العالم، الآن اختلف الأمر، ولم يعد أمام كل منا سوي أن ينظر أمامه في غضب، وأمامه هنا تعني النظر إلى شاشات التليفزيون، وتتبع أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة، لنعرف منه أى تدهور وصلت إليه الإمبراطورية الأمريكية سيدة العالم الآن.

في الماضي، وقت إعلان أوسبورن غضبه، لم يكن البث الفضائى المباشر قد أصبح حقيقة مؤكدة بعد، ولم نكن نرى في بيوتنا ما يحدث في مكان الحرب مباشرة، الآن اصبح كل شيء متاحًا، وحرب غزة تدار أمام عيوننا وهدم البيوت وتفجيرها وهجوم جيش الاحتلال على الفلسطينيين في كل مكان، أصبح كل شيء مكشوفا، حتى ما يقال في القاعات المغلقة، أو فى الأمم المتحدة نراه فورًا، ونرى بعده ردود الأفعال، وقد عثرت على مقال من الماضي القريب، له عشرون عامًا فقط، «عام 2003» أيام حرب أمريكا على العراق، وفيه نعرف أن چنرالات أمريكا احتجّوا علي نشر صور الأسرى والجرحى الأمريكيين والإنجليز في العراق بحجة تعارضها مع اتفاقية چنيف ومواثيق حقوق الإنسان، بينما كنا نرى العراقيين يسقطون كل لحظة، الأطفال الذين تقصفهم الأسلحة المتطورة للحلفاء وهم يلعبون، ثم النساء والرجال في بيوتهم، نفس السيناريو الذي يحدث الآن في غزة، ومع ذلك لم يحتج الحلفاء يومها لأن حقوق الإنسان لا تعني العراقيين، ولا الفلسطينيين، وإنما تعني أبناءهم فقط. وبالتالي، فقد تهاوت بفضل انتشار البث التليفزيوني وقتها، كل الحجج الأمريكية والبريطانية المعلنة لغزو العراق وتدميره، وتهاوت أكذوبة الشعب «حامل الورود» ينتظر بها الغزاة، ويبدو أن الرئيس الأمريكي «بوش» أيامها لم يرِ البنادق في أيدي العراقيين، وتهاوت أكذوبة «حلفاء الحب» الذين حضروا لتحرير العراق، بلا غرض، ولا أطماع، وإعادة ثروة الشعب العراقي إليه، وشاهدنا علي الشاشات وقتهاالحقيقة، أي بداية توزيع ثروات وبترول العراق على الشركات الأمريكية التي يمتلكها حبايب الإدارة الأمريكية، ورأينا الچنرال دونالد رامسفيلد وهو يعلن في مجلس الشيوخ بكل ثقة أن «كل تكاليف الحرب سوف تعوض من بترول العراق»، ووقتها أيضًا عرفنا من خلال الشاشات رباعى الحرب الأمريكية فى العراق بداية من الچنرال الأكبر تومى فرانكس، وتابعه الأسود فنسنت برائز، والسيدة الكشرة فيكتوريا كلارك الناطقة باسم البنتاجون، وكابتن لوكوود كبير البريطانيين في المعركة وفريقه، وحيث تحول الأمر إلى استعراض للمنوعات العسكرية يتخلله قصف وهدم وضرب وحصار وتصريحات يومية للرئيس بوش يعلن فيها تصميمه على تحرير الشعب العراقي، حتى لو قتلوه كله.
من الأفعال.. للكلمات
أن مقارنة هذا مع ما يحدث في غزة الآن من عدوان تجاوز السبعة أشهر، وتصريحات فريق الحرب الإسرائيلى برئاسة نتنياهو، وفريق الحرب الأمريكي، وعلى رأسه الرئيس بايدن، ووزيرا خارجيته ودفاعه، والتي تستمر في محاولات خديعة العالم بأكمله، من خلال كلمات محددة يكررها الأمريكيون الكبار أمثال وزير الخارجية بلينكن وفريقه وأهمها «علينا الحفاظ على المدنيين»، وإنه على جيش الاحتلال «تجنب ضرب المدنيين»، يقولون هذا والمدنيون يموتون كل لحظة أمام العالم، وعددهم يفوق كل ضحايا الحروب السابقة «أكثر من 35 ألفًا من الشهداء»، ويقولون هذا وكل يوم تمارس إسرائيل هدم كل الأحياء والقرى التي لم تهدم بعد، وتقتل العائلات تحديدًا، وتركز على الأطفال والنساء، وتغلق المستشفيات، وتمنع المساعدات، ومع ذلك كله ما زال بايدن مندهشا من المدافعين عن حقوق الفلسطينيين من رجاله، وشعبه، وهو ما نراه من خلال شاشات العالم كله، فالناس في هذا العالم لم تختل موازينهم، وأضاف إليهم الإعلام الكثير من المعرفة، ولهذا خرجوا يتظاهرون من أجل الدفاع عن أهل غزة وتحية أهل فلسطين، حتي فى أمريكا وبريطانيا رأسا العدوان، والاحتلال، ويظل السؤال الأهم الآن هو، إلى متى تفرض دولة الاحتلال والعدوان قوانينها على العالم؟. وهل من الوارد ان يُعاقب مجرمو الحرب الإسرائيليون من المحكمة الجنائية الدولية، أو أى محكمة؟ وإلى متى تستمر هذه الإبادة الجماعية للفلسطينيين لأجل استمرار احتلال أرضهم وبلدهم؟!.

التعليقات متوقفه