ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب:تعددية السادات وديمقراطيته

46

أنجز نظام الرئيس عبد الناصر الخطة الخمسية الأولى، وأصبح فى يوليو عام 1966 على أعتاب البدء فى خطة التنمية الاقتصادية الإنتاجية الثانية، كما أعلن فى خطاب عام، وبشر بأخذ الخطوات لانتقال مصر إلى  النظام الاشتراكى، كما تم التنظير له فى ميثاق العمل الوطنى الصادر فى مايو سنة 1962. وفى الطريق نحو مجتمع الإنتاج والعدالة الاجتماعية، تمت تصفية معاقل الاقطاع فى الريف والمراكز الرأسمالية الضخمة فى مجالات الصناعة والتجارة.، وتم تجريد تلك المعاقل من نفوذها السياسى، بعدما اتسعت فى الحالتين القاعدة الاجتماعية التى استندت عليها ثورة يوليو لانجاز الخطة الأولى والاستعداد للبدء بالثانية .

وتشكلت تلك القاعدة من قوى الشعب العاملة من العمال والفلاحين والمثقفين والجنود، التى كانت تعمل داخل التنظيم السياسى الوحيد: الاتحاد الاشتراكى. باختصار كانت الطبقة الوسطى المصرية بكل مستوياتها الصغرى والمتوسطة من المتعلمين من أبناء العمال والفلاحين وصغار الموظفين، هى دعامة بناء الخطتين، ومواصلة طريق التحول الاجتماعى .لم ينكر أحد الأخطاء الداخلية التى تسببت فى هزيمة يونيو 1967. لكن المؤكد أن قرارا أمريكيا كان قد اتخذ بمنع عبد الناصر من تنفيذ الخطة الخمسية الثانية، والتحرش به شخصيا لإضعافه، بعد نجاح سياساته فى حركة عدم الإنحياز ومساندة حركات التحرر الوطنى فى المنطقة العربية وفى آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، ودعمها تلك الدول للتحرر من سطوة الهيمنة الغربية الأوروبية والأمريكية ، وتشجيع نزوعها نحو إرادة سياسية مستقلة . فكانت الهزيمة التى عجلت بموته المفاجئ بعدها بثلاث سنوات.

فى كتابه ” محاورتى مع السادات” ذكر أحمد بهاء الدين، أن الرئيس السادات فى سياق كلامه عن تفضيله لدستور يجمع بين النظامين الرئاسى والبرلمانى، وعن التعدد السياسى والحزبى قال له : ..الجيش يا أحمد دخل السياسة، معنى كده أنه  لن يخرج من السياسة قبل ثلاثين سنة . وأنا لما بأفكر فى طريقة للتعدد السياسى والمؤسسات وغيره ، عايز أعمل توازن فى الحياة المدنية مع القوات المسلحة .

لكن إحداث توازن بين الجيش والحياة المدنية، لم يكن الهدف الأساسى  للتعددية السياسية والحزبية العائدة .إذ بعد هذا الحوار بين الرجلين  بنحو خمسة أشهر فقط، أصدر الرئيس السادات القانون رقم 43 لسنة 1974 الخاص باستثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة ، وأتبعه بقانون إلغاء المؤسسات العامة، لتبدأ سياسة الانفتاح الاقتصادى التى غيرت فى موازين القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التى كانت قائمة حتى رحيل عبد الناصر . غرقت الأسواق بالسلع المستوردة .وتحطمت بشكل تنفيذى وتشريعى قواعد مجتمع العمل ليتحول إلى  مجتمع الاستهلاك .  وباتت الدولة تشجع المواطنين وتيسرت سبل الهجرة للخليج للبحث عن حلول فردية لمشاكل يفترض التوجه نحو حل اجتماعى داخلى لها .

وحين أوكل السادات رئاسة الحكومة إلى وزير داخليته “ممدوح سالم” أوضح سالم أنه جاء لكى يزيل العقبات أمام حرية السوق والإنفتاح الاقتصادى وينسفها. وحدد تلك العقبات المطلوب نسفها فى “التمسح بشعارات الاشتركية والعقبات الإدارية والمكتبية “. ما نتج عن ذلك معروف. شربنا ولا زلنا نشرب من مرارته اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، حتى الثمالة . لكن السادات ما كان له أن يشكل تحالفا جديدا لنظامه من رأسمالية السماسرة والوساطات والعمولات والاحتكارات، ذات الارتباط بمصالح خارجية، دون تبرير سياسى لتوجهه، وتنازل محدود فى مجال الحريات السياسية للقوى التى أضيرت من هذا الانقلاب. أما التبرير السياسى، فقد ذكره فى  نفس الكتاب لأحمد بهاء الدين حين قال له إن مثله الأعلى فى الحكام هو شاه إيران، لأنه أدرك مبكرا أنه لا توجد قوتان عظميان فى العالم، بل هى قوة واحدة فقط هى أمريكا، فجلس على حجرها فعملت له ما يريد.

معنى ماسبق أن الرئيس السادات قرر أن يقعد على حجر أمريكا ، الراعى الرسمى لمصالح الطبقة الاجتماعية الجديدة، وتحالفها الحاكم ، وكان فى صدارتها رأسماليو تيار الإسلام السياسى وأموال جماعة الإخوان .وفى افتتاح مهيب لقناة السويس، بعد أن قامت البحرية الأمريكية بتطهيرها، لم يكن خاليا من المغزى أن يصطحب الرئيس السادات معه على البارجة التى عبرت به مياه القناة فى الاحتفال ، الأمير على رضا بهلوى الابن الأكبر لشاه وولى عهده، ولم يكن عمره يتجاوز 14 عاما .

أما على الصعيد الداخلى فقد أعاد السادات صيغة مقيدة للتعدد الحزبى، فأنشأ ثلاثة منابر وسط ويمين ويسار، تحولت  إلى أحزاب يرأسها بجانبه اثنان من زملائه فى تنظيم  الضباط الأحرار: خالد محيى الدين رئيسا لحزب التجمع، ومصطفى كامل مراد رئيسا لحزب الأحرار الأشتراكيين المصرى . أما حزب مصر الذى صار الحزب الوطنى الديمقراطى فقد ظل برئاسة السادات . وتحكمت تلك الصيغة فى طبيعة الصراع السياسى طوال حكمى السادات ومبارك وساهمت مع عوامل أخرى فى الإبقاء على التجربة الحزبية هشة وضعيفة، والحراك السياسى محلك  .

التعليقات متوقفه