من طريق الحرير إلى شراكة واستثمارات مع الجنوب
الصين على مسار التوازن مع الشركات متعددة الجنسيات الغربية
بعد إعلان بكين إحياء طريق الحرير البري والبحري ودخول عدد من دول العالم في إحياء واحد من أهم المسارات التجارية التاريخية، توسعت بكين في رؤيتها للاقتصاد العالمي لخلق توازنات جديدة، وقبل طرح التوجهات الصينية الجديدة.
وبحسب جون ميدلي في كتابه «نهب الفقراء» فإن تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عن الاستثمار في العالم لعام 2007 أشار إلى وجود 78 ألف شركة عابرة للقوميات، بعد أن كان عددها في أوائل سبعينيات القرن الماضي سبعة آلاف فقط، وتلك الشركات الضخمة لديها العديد من الشركات والفروع الأجنبية التابعة لها، وقد قُدرت تلك الشركات التابعة بنحو 780 ألف شركة، تتركز تلك الشركات في دول الاتحاد الأوروبي فرنسا وأسبانيا والمملكة المتحدة، واستثماراتها تشمل أنحاء العالم كله تقريبا، وتسعى دائما إلى المزيد من التوسع ومضاعفة تلك الاستثمارات.
فالزيادة في أعداد تلك الشركات يصاحبها كذلك زيادة في عدد الفقراء حول العالم في جنوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية واستدل في مقارنات هامة للتقارير الأممية التي ترصد مؤشرات الفقر، وحتى معدلات الجوع في بعض الدول بعد دخول تلك الشركات في قطاع الزراعة والعديد من الممارسات السيئة لتلك الشركات.
وحسب تقرير صدر عن الإيكونوميست أنه منذ نهاية الحرب الباردة، كانت الشركات العملاقة في العالم الغني هي القوة المهيمنة على التجارة العالمية. اليوم، يتأثر المستهلكون والعمال في جميع البلدان تقريبًا بطريقة ما بالعمليات العالمية للشركات متعددة الجنسيات من أمريكا وأوروبا، وبدرجة أقل، اليابان. وان هذه الكيانات الضخمة تواجه الآن تهديدًا، حيث تتوسع الشركات الصينية في صناعات من السيارات إلى الملابس في الخارج بسرعة مذهلة. لقد بدأت منافسة تجارية جديدة. ساحة معركتها ليست الصين ولا العالم الغني، بل الاقتصاديات سريعة النمو في الجنوب العالمي.
وأشار تقرير الإيكونوميست إلى أن توسع الصين شكلين، الأول من خلال سلاسل التوريد العالمية. حيث تضاعف الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد من قبل الشركات الصينية ثلاث مرات العام الماضي، ليصل إلى 160 مليار دولار. تم إنفاق الكثير من ذلك على بناء مصانع في بلدان من ماليزيا إلى المغرب. الأمر الثاني الأقل ملاحظة هو أن الشركات الصينية تسعى أيضًا وراء 5 مليارات مستهلك يعيشون في بقية العالم النامي. منذ عام 2016، ضاعفت الشركات الصينية المدرجة مبيعاتها في الجنوب العالمي أربع مرات، لتصل إلى 800 مليار دولار، وهي الآن تبيع هناك أكثر مما تبيع في البلدان الغنية. بالنسبة للغرب، الذي يحاول التعامل مع صعود الصين، فإن ذلك يحمل دروسًا غير مريحة.
وتتطلع الشركات الصينية إلى الخارج جزئيًا بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي والمنافسة الشرسة في الداخل. إنها تنتزع الهيمنة من الشركات متعددة الجنسيات القائمة في كل مكان من إندونيسيا إلى نيجيريا. تنتج شركة Transsion للإلكترونيات نصف الهواتف الذكية التي يشتريها الأفارقة. Mindray هي المورد الرائد لأنظمة مراقبة المرضى في أمريكا اللاتينية. تتوسع الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح في العالم النامي، والذي يصادف أنه أيضًا موطن لتسعة من أكبر عشرة أسواق لتطبيق TikTok.
أبعاد التوسع الصيني
يري محللو الايكونومست أن الشكل الدقيق للتوسع الصيني هو نتيجة لسياسات الحكومات في الغرب والصين. مع إقامة الدول الغنية حواجز تجارية لمنع دخول البضائع الصينية، بما في ذلك الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، تحاول بعض الشركات الصينية التحايل على القيود من خلال نقل الإنتاج إلى الجنوب العالمي. في الوقت نفسه، أصبح البيع للأسواق الناشئة بحد ذاتها أكثر جاذبية أيضًا. وقد تم تسهيل طريق الشركات من خلال جهود الحكومة الصينية لبناء علاقات دبلوماسية مع الجنوب العالمي، لا سيما من خلال تسهيل استثمارات البنية التحتية بقيمة تريليون دولار من خلال مبادرة الحزام والطريق. بينما انطوى الغرب على نفسه، اقتربت الصين وبقية العالم الناشئ من بعضهما البعض.
وأوضحت الصين سياستها تلك في وثائقها المعلنة من مؤسسات الحزب الشيوعي الصيني، وفي خطابات وكتابات الرئيس الصيني” شي جين بينج ” الذي في كلمته أمام الأمم المتحدة عام 2017 حيث دعا إلى بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية وتحقيق تنمية تشاركية ومربحة للجميع في ظل التحديات والمخاطر المتنامية، وتعهد حينها بأن “الصين لن تتهاون فى مسعاها وراء التنمية السلمية. ومهما كانت قوة نمو اقتصادها، فإن الصين لن تسعى أبدا للهيمنة والتوسع ومجال النفوذ. إن التاريخ قد برهن على هذا وسيظل يفعل ذلك”.
وتعهد الزعيم الصينى بأن الصين ستظل ثابتة على التزامها بالسعي وراء التنمية المشتركة. وقال “إن تنمية الصين كانت ممكنة بسبب العالم، وقد أسهمت الصين في تنمية العالم. وسوف نواصل إتباع إستراتيجية الانفتاح المربحة للجميع، ونتقاسم فرصنا التنموية مع الدول الأخرى، ونرحب بالتحاقها بالقطار السريع لتنمية الصين”. وعقب ذلك العديد من المواقف والشعارات مثل التنمية جنبا إلى جنب، ومؤخراً الترحيب الصيني لنقل التكنولوجيا لتلك الدول وتدريب العاملين عليها، النهج الذي لم تتخذه الشركات عابرة القوميات التي جزأت التكنولوجيا حتى لا تنتقل إلى الدول التي يتم نهبها وهذا أحد العوامل التي تجعل الصين شريكا مرحبا به لدى الشعوب قبل الدول النامية. ودعا الرئيس الصيني شي في مايو 2017 خلال قمة المائدة المستديرة للقادة خلال منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، القادة الدوليين إلى الدفع نحو نتائج تعود بالنفع على جميع الأطراف ، وتعزيز تنسيق السياسات وتعميق التعاون الفعلي في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق .
مأزق الشركات القومية
على مدار عقود عكفت الصين على تغيير صورة منتجاتها ورفع جودتها وتغير الصورة عن منتجاتها، وأصبحت الشركات القومية تعاني من منافسات شرسة تخلفت فيها عن تطوير الميزة التنافسية أمام الشركات الصينية، التي أتقنت مهارة إنتاج سلع للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض بطريقة لم تفعلها الشركات الغربية أبدًا. أصبحت الشركات الصينية الآن في طليعة السيارات الكهربائية والبطاريات، وهي بالتحديد أنواع الصناعات التي تدللها حكومات العالم الغني في الداخل. تم تحطيم فكرة أن العلامات التجارية الصينية تفتقر إلى الجاذبية العالمية لقد تجاوزت مبيعات الشركات الصينية في الجنوب العالمي بالفعل مبيعات الشركات متعددة الجنسيات اليابانية. وفقًا للاتجاهات الحالية، ستتقدم على الشركات الأوروبية وستكون على قدم المساواة مع الشركات الأمريكية بحلول عام 2030. خاصة مع الانطلاقة الأخيرة التي أعلنتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بمزيد من الانفتاح والتعاون مع الدول النامية وشركات استراتيجية تهدد مصالح إمبراطورية استنفدت الشعوب على مدار العقود الماضية .
التعليقات متوقفه