دكتور إبراهيم نوار يكتب مصر في مصيدة الدخل المتوسط .. هل من طريق للخروج؟

29

 

في تقرير البنك الدولي الأخير عن التنمية في العالم، قال الخبراء أن الدول المتوسطة الدخل (108 دول حاليا)، هي تلك التي يتراوح دخل الفرد السنوي فيها من 1136 دولارًا أمريكيًا إلى 13845 دولارًا . هذه البلدان حاسمة للازدهار العالمي على المدى الطويل. فهي تسهم بما يقرب من 40% المائة من النشاط الاقتصادي العالمي، ويعيش فيها ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان العالم، بينهم أكثر من 60% من الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع.

ويمكننا تقسيم هذه المصيدة داخليا إلى ثلاثة أقسام، الأول يضم فئة الدول المتوسطة ذات الدخل المنخفض من 1136 إلى 4465 دولارا للفرد في السنة. والثانية هي فئة الدول التي يرتفع فيها المتوسط السنوي للدخل إلى ما يتراوح بين 7000 إلى 8000 دولار، أما الفئة الثالثة فهي الدول المتوسطة ذات الدخل المرتفع الذي يصل إلى 13845 دولارا سنويا للفرد. وللتبسيط ، نقول أن حد الخروج من البوابة الأولى في مصيدة الدخل المتوسط هو 4500 دولار، وان حد الخروج من البوابة الداخلية الثانية هو 8000 دولار، بينما حد كسر مصيدة الدخل المتوسط كلها والانطلاق منها يحتاج إلى تحقيق 14000 دولار للفرد في السنة.

وتعيش مصر حاليا محشورة داخل فئة الدول في الشريحة الدنيا من مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط. هذه المجموعة حسب بيانات البنك الدولي تستحوذ على 8.3% من الناتج العالمي، ويسكنها ما يقرب من 40.3% من سكان العالم، يمثل الفقراء منهم ما يقرب من 55.4% من الذين يعانون من الفقر المدقع. وبسبب مستواها الصناعي المتخلف فإنها تسهم بنسبة 15.7% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. هذا الوضع ليس جديدا، لأن مصر فشلت خلال أجيال طويلة في الخروج نهائيا من فئة الدخل الأدنى داخل مجموعة الدول المتوسطة. ومع أنها كانت تقترب من كسر حاجز ال 4500 دولار للفرد في السنة عام 2022، فإن تخفيض الجنيه في مارس الماضي، أدى إلى خسارة 127.6 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26.8%، وذلك في تكرار مشابه لما حدث في تخفيض الجنيه عام 2016 عندما خسر الاقتصاد المحلي ما يقرب من 25% من قيمة الناتج السنوي. ومن المتوقع أن يبلغ نصيب الفرد من الناتج بنهاية العام الحالي حوالي 3249 دولارا، اعتمادا على بيانات صندوق النقد الدولي، أي أقل عما كان عليه في عام 2016.

وإذا كان البنك الدولي يفترض أن دولا مثل الصين والهند والبرازيل تحتاج إلى جيلين أو ثلاثة لكسر مصيدة الدخل المتوسط، والانطلاق منها إلى فضاء الدول المرتفعة الدخل (الغنية)، فلا شك أن مصر قد تحتاج إلى الانتظار لأجيال طويلة، حتى تتمكن من تحقيق ذلك. السبب هو أن معدل نمو الناتج المحلي للفرد في مصر بشكل عام يقل عن ثلث معدل النمو المطلوب للحاق بالدول المرتفعة الدخل خلال جيلين أو ثلاثة. وتحقق دول مثل الصين والهند وفيتنام والبرازيل نموا للناتج المحلي للفرد بنسبة 7% في المتوسط سنويا، حتى تتمكن من كسر مصيدة الدخل المتوسط قبل منتصف القرن الحالي. لكن الحال في مصر يبدو أقل من ذلك بكثير.

وطبقا لبيانات البنك الدولي، فإن متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي للفرد خلال السنوات العشر الأخيرة (14- 23) بلغ 2.4% فقط. وعليه فإن مصر إذا كانت تريد اللحاق بالدول المتوسطة ذات الدخل المرتفع، وأن تتمكن من كسر مصيدة الدخل المتوسط، قبل منتصف القرن الحالي، فإنها يجب أن تعمل على مضاعفة معدل النمو ثلاث مرات على الأقل، لتتمكن أولا من كسر الحاجز للانتقال إلى فئة الدول المتوسطة ذات الدخل المرتفع، وثانيا لكسر مصيدة الدخل المتوسط ككل، والانطلاق منها للالتحاق بنادي الدول الغنية. المعضلة التي تواجه مصر هنا هي ضرورة أن يدرك صناع القرار والسياسة الاقتصادية أن التنمية في جوهرها هي عملية تغيير هيكلي، وأن زيادة الدخل باستخدام محركات نقدية تضخمية، لا يلبث أن ينتج آثارا عكسية، بسبب إعادة حساب قيمة الناتج المحلي بالدولار بعد تخفيض الجنيه.

 

 

التعليقات متوقفه