إبراهيم نوار يكتب :التعليم وسوق العمل بين القيمة المضافة والشهادات الدراسية

21

مع اتجاه العالم أكثر فأكثر للاعتماد على التكنولوجيا في زيادة الإنتاجية ورفع معدلات النمو والرفاهية، تتعاظم أهمية الاستثمارات في الصحة والتعليم والتدريب والمهارات التكنولوجية. وتتضمن شروط الاستثمار الناجح في التعليم: القيمة المضافة، والحراك الاجتماعي، وزيادة التفاعل مع العالم. وقد تناولنا تيسير الحراك الاجتماعي في مقال سابق. ونتناول في هذا المقال القيمة المضافة للتعليم، أو بمعنى آخر تعظيم العائد من التعليم في سوق العمل والابتكار التكنولوجي.

النظام التعليمي
من الضروري أن يكون النظام التعليمي في مرحلة التعليم العام نظاما واحدا، يتمتع بقدر كبير من التنوع الداخلي، يسمح للطلاب بمرونة كافية في الاختيار بين الالتحاق بسوق العمل فورا أو الاستمرار في التعليم الأكاديمي. على سبيل المثال فإن المرحلة الأخيرة لنظام التعليم العام في بريطانيا (الطلاب من 16 إلى 19 سنة)، تشمل ثلاث قنوات رئيسية لتأهيل الطلاب. الأولى هي المستوى الأول الذي يميل للطبيعة الأكاديمية. والثانية هي المستوى التكنولوجي (80% أكاديمي في قاعات الدراسة + 20% تدريب في أماكن العمل)، والثالثة هي التدريب المهني، وهو تعليم يتلقى فيه الطالب أجرا عن عمله خلال فترة الدراسة، لا يقل عن الحد الأدنى القومي للأجور. وتستحوذ المدارس المجانية المملوكة للدولة على 82% من الطلاب، بينما تستحوذ المدارس الخاصة والمستقلة (بمصروفات) على 18% فقط في الوقت الحاضر.
تغيير المحتوى
تشمل الدراسة في المستوى الأول في بريطانيا 7 مواد أساسية منها 3 إجبارية هي اللغة الإنجليزية بفرعيها (قواعد الكتابة +الأدب)، والرياضيات بفروعها، والعلوم بفروعها، وأربع مواد يختارها الطالب من قائمة طويلة، تشمل الإنسانيات والعلوم البحتة والتطبيقية، منها اللغات القديمة والجغرافيا، والتاريخ، والحضارات القديمة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلوم الموسيقى، والرقص، والقانون، والديانات (السماوية وغير السماوية)، وعلم الفلك، والكمبيوتر، وعلوم التغذية وإعداد الوجبات، والاقتصاد، والفلسفة، والسينما، وتكنولوجيا التصميمات، والرعاية الصحية والاجتماعية، والإعلام، والجيولوجيا، والإحصاء، وعلم لغة الإشارة البريطانية وغيرها. هذه التخصصات تفتح الباب إلى التعليم العالي أو الالتحاق بسوق العمل.
وإذا نظرنا إلى التعليم قبل الجامعي في مصر فإن تقسيم التخصصات في الثانوية العامة والفنية إلى الأقسام أدبي وعلوم ورياضيات، ومدارس فنية متوسطة، هو تقسيم عفا عليه الزمن، ولا علاقة له باحتياجات سوق العمل، التي تترابط فيها المعرفة بالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا مع المعرفة بالعلوم الإنسانية. ومن الضروري إعادة النظر في هذا النظام، بحيث يكون الطلبة مؤهلين تماما في العلوم الأساسية والعلوم الإنسانية معا. وذلك لأن العمل مهما كانت طبيعته إنما يتم داخل بيئة إنسانية مجتمعية شديدة التشابك والتعقيد. ومن غير المقبول أن يخضع تحديد مواد الدراسة والمحتوى التعليمي في المرحلة قبل الجامعية للمنافسة مع احتياجات تعظيم أرباح القطاع الخاص، أو مع احتياجات التعبئة السياسية لصالح السلطة السياسية.
تغيير النظرة لسوق العمل
تقتصر النظرة إلى العلاقة بين التعليم وسوق العمل في معظم الأحوال على احتياجات سوق العمل المحلي. وتقع هذه النظرة في خطأين جوهريين. الأول أنها ترى سوق العمل كما هو اليوم وليس كما سيكون غدا. والثاني أنها تسقط من اعتبارها أن نسبة كبيرة من قوة العمل المصرية المتعلمة تعمل في أسواق خارجية. ومن أجل خلق قيمة مضافة للتعليم في مصر، فإن النظرة إلى السوق يجب أن تكون نظرة محلية/إقليمية/عالمية، ذات طابع مستقبلي. ويتطلب تجسيد هذه النظرة تحقيق هدفين، الأول هو تأهيل الطلاب للمشاركة في بناء اقتصاد محلي أكثر تقدما وقدرة على المنافسة. الثاني هو تأهيلهم للعمل في بناء اقتصاد أكثر تشابكا مع الإقليم و العالم. كذلك من الضروري أن يترافق تغيير النظرة للسوق مع إقامة استثمارات واسعة في مشروعات البنية الأساسية التكنولوجية، مثل شبكات الاتصالات، وخطوط نقل المعلومات فائقة السرعة، ومراكز تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي. هذه الاستثمارات تساعد على زيادة الطلب على خريجي التعليم المتقدم أكاديميا وتكنولوجيا. ومن غير الملائم أن تكون نسبة الطلاب المسجلين للدراسة في الكليات والمعاهد النظرية في مصر ثلاثة أمثال النسبة المقابلة في الكليات العلمية.

+بقلم /إبراهيم نوار

التعليقات متوقفه