د. أحمد كريمة: قدمت مقترحات للرئاسة والأزهر لتجديد الخطاب الدينى ولم يستجب أحد!

299

استاذ لمدة أربع سنوات بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية وحول تجديد الفكر الديني، وكيفية مواجهة الافكار الدينية المتطرفة، كان لنا معه الحوار التالي.
■ فى البداية كيف يري د. كريمة المشهد الديني الآن؟
■■ تسير كل من المؤسسات الدينية فى مصر فى اتجاه منعزل عن الأخرى، وأكد ذلك المستشار الديني لرئيس الجمهورية “أسامة الأزهري” عندما صرح فى مؤتمر شرم الشيخ الأخير، بأن خطوات الخطاب الديني ليست فى حجم مصر.
■ قدمت مشروعا لرئيس الجمهورية عن الدعوة فى مصر ما هي محتواها؟
■■ منذ سنتين قدمت مذكرة تفصيلة عن الخطاب الديني بمجالاته التعليمية والدعوية والإعلامية، من واقع مجالاتي وخبراتي الميدانية، قدمتها (لرئيس الجمهورية، والأمن الوطني، وشيخ الأزهر، للمخابرات العامة)، ثم عرضت مقترحا لرئيس جامعة الأزهر السابق عبد الحيي عزب بإنشاء المنارة الأزهرية للعناية بتصحيح المفاهيم المغلوطة وتصويب الأفكار الخاطئة بجهاز أو فريق تخصصي فى الشريعة، العقيدة، الدعوة الإسلامية، بحصر شبهه الإرهاب والتطرف والعنف، وكيفية التصدي لها، ومواجهتها، ووضع المعالجات والحلول اللازمة لها، وضمنت ذلك فى إصدار كتابين، وكل ذلك لبحث وتطوير الخطاب الديني، المأمول دون تهويل او تأويل ودون انحراف عن الثوابت وانغلاق عن تصحيح المفاهيم المغلوطة.
■ هل جاءت استجابة من بعض هذه الجهات بعد عرضها؟
■■ لم ينتج عنها استجابة من أية جهة حتى الآن.
جامعة الأزهر
■ شيخ الأزهر صرح فى مؤتمر الإفتاء الأخير أن المؤسسات الدينية لم تطلع بدورها فى إصدار فتاوى ضد داعش فهل يكفى الاعتراف بالتقصير من وجهة نظرك؟
■■ لست ممثلا عن شيخ الأزهر ولا متحدثا عن المشيخة.
■ جامعة الأزهر تسارع وتبادر بإعلان فصل من يختلف مع المشيخة؟ وكان آخرها مع الدكتور عبدالفتاح إدريس؟ ما رأيك فى هذا التصرف؟
■■ هناك حساسية واضحة عند التحدث عن الأزهر وكأن الحديث مقصور على من فى المشيخة، فعلاقتهم بأساتذة الجامعة الذين يريدون الإصلاح غير طيبة.
■ لماذا طلبت للتحقيق فى جامعة الأزهر الأسبوع الماضي؟
■■ نتيجة لتصريحات صحفية، تدور حول تجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف والإرهاب، واستجابة لدعوة الرئيس السيسي فى التنوير، ولكن المتربصين فى مشيخة الأزهر أزعجتهم تلك التصريحات، وعلى خلاف القانون أصدروا أوامر مباشرة لرئاسة الجامعة لإحالتي للتحقيق للمرة الثالثة على التوالي، وهذا يخالف الدستور الذي ينص على أن الدولة تكفل حرية الرأي، ويضع علامات استفهام حول الاتهام بمن يهتم ويسارع فى تجديد الخطاب.
أئمة لا علماء
■ هناك دعوات أثيرت من علماء أزهر مثل عدم فرضية الحجاب لسعد الهلالي والتطليق الشفوي لخالد الجندي، ومظهر شاهين.. ما رأيك فى هذا التوجه.
■■ الشيخان خالد الجندي ومظهر شاهين ليسا من علماء الأزهر ولا لهما علاقة به، ولكنهما أئمة أوقاف، والتطليق الشفوي ليس من اختصاصهما لان من يعلم ذلك عليه ان يكون على دراية بالفقه وعلومه.
وفيما يخص الدكتور “سعد الهلالي” فإن الله سبحانه وتعالى وضح فرضيته فى الآية الكريمة “وليضربن بخمورهن على جيوبهن” فهو يرى انه رأي شخصي أو التقطه كرأي مرجوح، ضعيف، شاذ لبعض التراث، وتغطية رأس المرأة شيء وركن أساسي لا ينازع فى ذلك فرض.
■ وما رأيك فى دعوات منع النقاب؟
■■ ليس انتصارا للنقاب ولكنه انتصار للحرية الشخصية، فالنقاب ليس فرضا فى الشريعة وليس محرما، فلا بأس للمسلمة ان تنتقب، فالإسلام لا يهزه أقوال أو أفعال، فهو أقوى من ذلك بكثير، والإسلام يرتكز على القرآن، والقرآن كلام الله، والله حي لا يموت، “إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
■ قانون العقوبات يتضمن مادة ازدراء الأديان ما رأيك فى الغائها؟
■■ مادة ازدراء الأديان فى قانون العقوبات سلاح ذو حادين، ولكن لا بد من إلغائها لأنها مادة مطاطة وعشوائية تُخرج وقت الحاجة، فهو قانون تحت الطاعة، وعن القانون الجديد لم اطلع عليه.
■ هي المادة التي قادت اسلام البحيري الي الحبس؟
■■ الفكر لا يجازى بالسجن ولا بالقتل، ولكن “إسلام” يعيبه أمران عفة اللفظ وأمانة القول. لابد من كان يوجه ويرشد، فدور العلماء إعادة المنحرفين للطريق المستقيم، ودور الدعاة تنبيه الغافل وتصحيح الأخطاء.
■ رأيك فى وجود أحزاب دينية ومشاركتها فى الانتخابات؟ هل يتفق هذا مع الدستور الذي يحظر تأسيس أحزاب دينية ؟
■■ أرفض ذلك. فالإسلام مجتمع مدني، وليس مجتمعا إسلاميا، وعُظم فيه جميع الشرائع اليهودية والمسيحية والإسلامية، ولكن يرأه المتاجرون بالإسلام. كالإخوان والدواعش، مجتمعا إسلاميا.
■ هناك من يري أن السلفيين قريبون من الحكم وصناع قرار. هل هذا الكلام من وجهة نظرك حقيقي؟
■■ ليسوا صناع قرار ولكن الدولة تدللهم، لان لهم ولاءات سياسية واضحة، ولديهم حسابات خاطئة مع غير المتخصصين يظنون أنهم أفضل من الإخوان ولكنهم أشرس منهم بكثير.
اجتهاد بشري
■ هناك عدة اتهامات موجهة لسيادتكم منها على سبيل المثال تلقي تمويلات من الخارج بسبب وجهة النظر فى دعوة التقريب بين السنة والشيعة؟
■■ هناك ثلاثة مذاهب رئيسية :السني فى الأزهر الشريف والشيعي فى العراق، وهناك المذهب الاباضي أيضا القائم بنفسه فى سلطنة عمان، فلا بد للباحث أن يذكر المذهب الشيعي الزيدي والجعفري والمذهب الاباضي، اليس كل منهم مذهب، فالشيعة الزيدية مذهب معتمد، والجعفرية مذهب معتمد، فالمذاهب بمفهومها اجتهاد بشري للنصوص. ولديهم أخطاء ولدينا أخطاء. وعند الاباضية أيضا اخطاء، نحن لجهلنا بالإسلام الحقيقي خلطنا العقيدة ببعضها، فبدأنا نتحاكم بالفقه بدلا من الشريعة، بالعقيدة بدلا من الإيمان، الأخلاق بدلاً من الإحسان، فأصبح وجود خلط بين واضح بين الأركان وعلومه، علاوة على أزمة الثقافة الإسلامية، إذا كان هناك أخطاء صادرة من الشيعة فواجبنا نحوهم كعلماء ان نعالجها، ونقترب منهم للتصحيح، والعمل على المراجعات، فالسنة تصدر منها أخطاء، ويكفيها الإخوان والسلفيين والدواعش، ولكني أفعل ذلك لمرضاة الله.
■ ما الذي تسعى إليه؟
■■ نسعى لحوار مع الفاتيكان الكاثوليكي الذي نصر المسلمين فى إفريقيا وكانت له علاقات غير طيبة بالإسلام. فلا مانع من حوار للحضارات وليس حوارا للديانات لان كل دين له قواعده، وسأقيم حوارا سنيا شيعيا اباضيا قريبا، وهذه المسألة أنا لست مخترعا لها، ولكن أجدد مشروع الشيخ شلتوت، عبد المجيد سليم، مصطفى المراغي، فى التقريب بين المذاهب الثلاثة.
■ يظن البعض ان ذلك بوابه للتشيع؟
■■ هذا غير صحيح. فلماذا لا يخافون الشيعة من التسنن، نحن تتسع صدورنا للحوار مع الغرب وتضيق للحوار مع أهل القبلة.
■ هل الحذر من الشيعة يستدعي هذا القلق علما بأن أغلبية المسلمين ينتمون للمذهب السني؟
■■ لا يخاف إلا الضعفاء.
القواعد الرئيسية
■ هل هناك إمكانية – رغم الصراعات السائدة الآن فى العالم العربي – فى التقريب بين السنة والشيعة؟
■■ نعم هناك إمكانية لتقريبهم وتوحيدهم وحصلت على 22 فتوى من مرجعيات الشيعة فى العالم تجرم سب الصحابة وتحريم ذم السيدة عائشة رضي الله عنها، ولكن هناك جهات مخابراتية تعمل على الوقيعة بين المسلمين.
■ هذا الصراع السني الشيعي سياسي أم ديني ؟
■■ صراع سياسي فهم أهل قبله ومؤمنون لا يجرؤ أحد على تكفيرهم، يشتركون معنا فى صوم رمضان، والشهادتين، والصلوات الخمس، وحج بيت الله الحرام، الزكاة، والإسلام فى مجمله أمرنا بثلاث قواعد رئيسة من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا إذا توافرت هذه القواعد صار مسلما.
الدعاة
■ ما الذي ينقص رجال الأزهر الآن ليقودوا ثورة الإصلاح فى المجتمع؟
■■ ان يكونوا أصحاب رسالة وليسوا موظفين، فيوم ان يمن الله علينا بأصحاب رسالة سنجد تغيرا فى فهم الدين، بطرق وسطية اعتدالية، يرضى عنها الله ورسوله، وإذا استمرت سياسة الموظفين سنبقى محلك سر.
■ هل أئمة المساجد مؤهلون للخطابة والفتوى؟
■■ لا. لآن فاقد الشيء لا يعطيه، فالإمام يأخذ جرعة ضعيفة وهشة من علوم القرآن لا تؤهله أن يكون إمامًا.
■ دور وزارة الأوقاف فى تأهيل أئمة المساجد؟ هل تكتفى بتدريبهم عن طريق الأكاديميات والمؤتمرات؟
■■ دور الوزارة تقليدي، ومعظمها تصريحات إعلامية لإرضاء الرأي العام وصناع القرار، فجميع المؤتمرات باستثناء دار الإفتاء لا قيمة لها إلا البذخ وإنفاق وشو إعلامي، فلا جديد تحت الشمس.
■ المسابقات التي تفعلها الأوقاف لخطباء المكافأة يجدون فيها صعوبة؟ ويرونها أسئلة تعجيزية؟ وهل من ينجح فى هذه الاختبارات يصلح أن يبقى خطيبا؟
■■ خطيب المكافأة لابد وان يكون أزهريا، سواء كان يعمل او متقاعدا أو يعمل بالتدريس وغيره، فإذا كان مؤهله أزهريا فلا داعي للاختبارات فهي تعتبر إهانة واضحة له كخريج أزهر، فلماذا يتم اختباره، فلا يعتلي المنبر إلا ازهري.
■ ما مصير دعوة الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب الديني؟
■■ تجديد الخطاب الديني لم يتم تجديده حتى الآن، وكيف يتم ذلك وحسان، والحويني، ويعقوب، وبرهامي.، يظهرون فى الحياة الدينية، فعندما يأتي أصحاب الرسالة سوف نجد تجديدا فى الدين.
تنقية التراث
■ وهل تحتاج لرد سياسي أم ديني؟
■■ لست مقربا من الامور السياسية، ولكنها تحتاج لرد ديني.
■ كوابيس داعش والقاعدة هل يوجد فى الأزهر رجل مناسب يقوم بالرد عليها غير مرصد الإفتاء؟ وما الذي نحتاج إليه بعيدا على الحلول التقليدية؟
■■ لا. ولكن لا بد من مواكبة العصر، والتقنية الحديثة، والتدريب الجيد، فالذي تخطي الــ 60عاما لم يعد يصلح للتعامل مع هذه الأحداث، فالعلماء يحتاجون الشباب للتأهيل التقني مع إيجاده اللغات، حتى يتم التواصل معهم عن طريق اللغات المتعددة، والتدريب الجيد على الإلقاء والفتوى.
■ كتب الفتاوى والتراث تحتاج إلى تجديد البعض ذكر أنها من آلاف السنين دكتور احمد أنت من أبناء الأزهر الشريف. فهل ما كنت تدرسه هو ما تُدرسه الآن بالجامعة دون تجديد أو اجتهاد؟
■■ نعم. فالتراث يحتاج إلى تنقية ولكن لا يهمل كله، نأخذ منه ما يصلحنا، فهذا لا يعد انقلابا عليه ولا ذوبانا فى المعاصرة، فالإسلام ديناميكي يصلح لكل زمان ومكان، وكما قال أهل العلم الإسلام حمال أوجه.
قرية فكرية
■ وكيف يمكن تطوير فتوى للإمام مالك فى زمنه أن تطبق فى عصرنا الحالي؟
■■ تعلمت فى جامع الأزهر وليس فى الجامعة، تحت مظلة الشيخ عبد الحليم علي، وكانوا يطرحون الحوار ولم يتدخلوا فى صراعات دينية أو سياسية، وكانت لدينا حرية فكرية. فعلى سبيل المثال سورة القلم، وعند الآية “1 ن والقلم وما يسطرون” قال المحاضر وقتها ان المفسر على حسب عصره فسر ان “ن” الحوت الذي يحمل الارض فقال هذا خطأ، ولكن ليس خطأ القرآن ولكنه خطأ المفسر، معنى ذلك أن ما درسناه كانوا ينبهون عليه، ولذلك فلابد وأن ينتبه القائمون على شئون الفتوى والدعوة لتلك الأمور بصورة واضحة حتى لا تختلف الأمور.
■ هل تستمر أزمة الأزهر مع وزارة الثقافة والمثقفين؟
■■ نعم. فالوزارة لها اتجاهات ليبرالية وعلمانية، فعليهم أن يتحدثوا فى اي شيء إلا الدين، لان الدين له أهله وخبراؤه وعلماؤه “فسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون” وكلا له تخصصه.
فما شأن الذي يكتب فى الأدب، الشعر، والرواية، الرسم، بالعلوم الشرعية والقرآن، فالحرية لها سقف وليست فوضى، ونحن كعلماء أزهر ليس لنا علاقة بالنظم السياسية المعاصرة ونحترم جميع التخصصات الأخرى.

التعليقات متوقفه