لقطات ..د.جودة عبدالخالق يكتب:الزراعة والفلاح على مائدة الحوار الوطنى

4

قطاع الزراعة هو القطاع المنتج للغذاء. وهو الذى يمد قطاع الصناعة بما يحتاجه من مواد خام. وهو أكبر مشغل للأيدى العاملة. ولذلك فقد نص دستورنا (المادة 29) على أن “الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها … كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه … وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى وتنمية الصناعات التي تقوم عليهما. وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح. وتلتزم الدولة بتنمية الثروة السمكية وحماية ودعم الصيادين …”. ورغم ذلك، فإن قطاع الزراعة يعانى إهمالًا واضحًا؛ فتراجعت نسبة مساهمته في الدخل القومى وانخفض نصيبه في الاستثمارات الكلية وتعرضت الرقعة الزراعية لشتى صور العدوان وتقلصت فرص العيش الكريم المتاحة فيه.

كما أن الدستور نص (المادة 79) على أن “لكل مواطن الحق في غذاء صحى وكافٍ، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعى وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال”. ورغم كل هذه النصوص الدستورية القاطعة، أصبحت مصر تفتقد الإستراتيجيات والسياسات التي تترجم ما تقرره النصوص الدستورية من استحقاقات في مجال الزراعة والأمن الغذائى. ولأن الأمن الغذائي وما يرتبط به من أمن مائى هو أحد أهم دعائم الأمن القومى، فإن إهمال الزراعة يعنى مباشرة تعريض أمننا القومى للخطر. نعم، أيها السيدات والسادة، إن أمننا القومى في خطر شديد على خلفية الإهمال الفاضح لقطاع الزراعة. تلك هي المعادلة.
ولذلك، فإننى أعتقد أن زيادة الاهتمام بقطاع الزراعة ورَدّ الاعتبار للفلاح يجب أن تكون من أهم أولوياتنا في إطار الحوار الوطنى.
والسؤال الآن: ما العمل؟
باختصار شديد وفى إطار من مراعاة مقتضيات الكفاءة واعتبارات العدالة، أحدد المطلوب من وجهة نظرى في عدة مهام:
أولا: رفع شعار الأمن الغذائي وجعل تحقيق هذا الأمن هدفا قوميا لا يغيب عن أعيننا لحظة. أقول علينا أن نستهدف تحقيق الأمن الغذائي. ولا يعنى هذا بالضرورة أن نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، أخذا في الاعتبار حجم مواردنا الزراعية وإعمالا لمبدأ المزايا النسبية.
ثانيا: مضاعفة نصيب قطاع الزراعة من الاستثمارات العامة
ثالثا: استعادة العمل بتحديد التركيب المحصولى طبقا لنظام الدورة الزراعية
رابعا: تصحيح الخلل الذى أصاب علاقات الإنتاج في الزراعة نتيجة للتعديل الذى تم عام 1992 على قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952، والذى جعل عقد إيجار الأرض الزراعية يخضع لقواعد القانون المدنى. فأصبح ذلك العقد اعتبارا من 1997 غير محدد المدة. ومطلوب أن يكون عقد إيجار الأرض الزراعية محدد المدة (مثلا 3 سنوات أو 5 سنوات، طبقا لما يوصى به خبراء الزراعة) لتأمين المستأجر من زراعة الأرض والحفاظ على خصوبتها.
خامسا: العودة الى تقديم خدمة الإرشاد الزراعى للفلاحين بعد أن تقلصت بشكل صارخ خلال العشرين سنة الأخيرة.
سادسا: تعزيز قدرات مركز البحوث الزراعية في استنباط السلالات عالية الغلة والمقاوِمَة للظروف المناخية المتغيرة.
سابعا: تعديل قانون البنك الزراعى بعد أن أصبح بنكا تجاريا صرفا. مطلوب مؤسسة مالية وتسويقية لخدمة الزراعة والفلاح. مثال بنك كريدى أجريكول الفرنسي.
ثامنا: الاهتمام بنشاط وخدمات التعاون الزراعى لمساندة الفلاح.
تاسعا: وقف العمل بالتوريد الإجبارى للمحاصيل الإستراتيجية، وتحفيز الفلاح على الزراعة والتوريد بدلا من الإكراه.
عاشرًا: الاحتفال بعيد الفلاح بما يليق بمكانته وجعله عيدا قوميا.
حادى عشر: سرعة إجراء التعداد الزراعى الذى توقف منذ 2010.
ثانى عشر: إعادة تأهيل شبكة الصرف المغطى المتداعية في الوادى والدلتا والتي مضى على إنشائها حوالى نصف قرن.
وأختتم كلمتى باقتباس من شكوى الفلاح الفصيح خون-أنوپ من أكثر من ألفى عام، والتي قال فيها هذا الفلاح المعدم مخاطبا سيد الأرض:
أليس العار أن الميزان مائل، ومُقِيم العدلِ مُنحَرِف
أنظر ها هو العدل يرزح تحت ثِقَلك، مُشرَّدٌ من مكانِه
فالمسئولون يتسببون في الوِيْلات، والمحققون يقتسمون المسروقات
أي أن من عليه وضع الأمر في نصابه يُحَرِّفُه

التعليقات متوقفه