المواطن يدفع ثمن قرارات وزير الصحة المتناقضة: أرباح شركات الأدوية من التسعيرة الجديدة تجاوزت 25 مليون جنيه فى 10 أيام

113

موجات جديدة من الغضب والارتباك تصيب ملف الأدوية فى مصر خلال هذه الأيام،والتي يدفع ثمنها المواطن البسيط،وربما تصل الأزمة الى النيابة العامة للتحقيق فيها فى الفترة المقبلة..وتبدأ الأزمة بقرار جديد من وزير الصحة أحمد عماد الدين بإلغاء قراره السابق ببيع الأدوية المصنعة قديما بالتسعيرة الجديدة،وهو الامر الذي تربحت من خلاله الشركات ملايين الجنيهات فى فترات قليلة بينما يدفع المواطن الثمن..المركز المصري للحق فى الصحة ينوي تقديم بلاغ للنائب العام يكشف خلاله حالة الارتباك هذه خاصة بعد ان طالب الوزير مرة اخرى ببيع الادوية المصنعة قديما بنفس السعر القديم..

وكان قد أثار قرار الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة والسكان، إلغاء طمس أسعار الأدوية من على العبوات القديمة المخزنة غضب شركات الأدوية، قبل فرض التسعيرة الجديدة على 3010 من الأصناف الدوائية، وأبدى عدد كبير من شركات الأدوية رفضهم لذلك القرار،والذي اعتبروه يضر بمصلحة الشركات.
حيث أصدر وزير الصحة فى 18 من شهر يناير الماضي قرارا بطمس أسعار الأدوية القديمة بالجديدة، ثم ألغاه يوم 28 من نفس الشهر،بعد تخوفه من استغلال الشركات له،للتربح عن طريق طرح الأدوية القديمة بالأسعار الجديدة.
وجاء قرار “ إلغاء طمس الأسعار القديمة “ عقب ضغوط واسعة من قبل جموع الصيادلة على قرار وزارة الصحة، ورفع دعويين قضائيتين فى محكمة القضاء الإداري لإلغاء التسعيرة الدوائية وضد البيع بسعرين بالمخالفة للقانون الخاص بالتسعيرة الجبرية الصادر فى عام 1950، فى ظل عدم توفير شركات الأدوية،النواقص طوال الفترة الماضية.
مخالفات وزارية
قرار طمس الأسعار القديمة والبيع بالسعر الجديد، لم يكن المخالفة الأولى التي ارتكبها الوزير، لكنه خالف القانون رقم 163 لسنة 1950 حين وافق على البيع بسعرين مختلفين، القديم والجديد عقب قرار الزيادة الأولى فى “ تسعيرة الدواء” الصادر فى مايو الماضي، وقتها أعطى الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، مُهلة 6 أشهر للشركات من أجل توفير قوائم النواقص، ولم تلتزم الشركات به، ولم ينفذ الوزير تهديده لهم، حتى جاء قرار تعويم الجنيه وتحرير سعر صرف الدولار فى نوفمبر الماضي، ومن ثم أجبرت غرفة صناعة الدواء والشركات الوزير على تحريك أسعار الأدوية للمرة الثانية 50% على غالبية الأصناف الدوائية المحلية، فى انتظار الزيادة الثالثة وإعادة المراجعة والتقييم بعد 6 أشهر بحسب القرار الوزاري.
أما غرفة صناعة الدواء أصدرت منشورا تؤكد فيه أن الشركات ستتأخر فى توفير نواقص الأدوية، لحين الانتهاء من طباعة عبوات جديدة، مضيفة انه فى حالة عدم السماح بطمس الأسعار القديمة،سيتأخر إنتاج الدواء 3 شهور مقبلة،وذلك ردا على قرار وزارة الصحة بإلغاء “ طمس الأسعار”، وبالتالي فهناك احتمال باستمرار أزمة نواقص الأدوية خلال الأربع شهور القادمة، إذا ما نفذت الغرفة تهديدها بوقف الإنتاج فى عدد من شركات الدواء، انتظارا لموافقة وزارة الصحة على قرار طمس الأسعار القديمة بالجديدة.وهو ما حذر منه عدد كبير من الصيادلة، مؤكدين أن شركات الأدوية سوف تقوم بالضغط على وزير الصحة لإعادة قرار طمس الأسعار القديمة، وإلا فسوف تتعمد تعطيش السوق، وبالتالي تفاقم مشكلة نواقص الأدوية بشكل كبير .
غير قانوني
فقال الدكتور محمد سعودي، وكيل نقابة الصيادلة سابقا،إنه هذه المرة الأولى من نوعها، التي نواجه فيها تعقيدات مع تسعيرة الدواء، فالمعتاد أن سعر الدواء يتم تحديده، ويطبق السعر الجديد من أول يوم، ولكن التأرجح فى تطبيق تسعيرة الدواء،سوف يتسبب فى خسارة اقتصادية كبيرة، خاصة للصيادلة الذين سوف يخسرون حوالي 40% من رؤوس أموالهم.
وأضاف أن قرار طمس أسعار الأدوية غير قانوني، والهدف منه تربّح شركات الأدوية، خاصة أنها تقوم بتهديد الوزارة، لتطبيق قرار طمس الأسعار،مبينا أن تهديدات الشركات سوف تتسبب فى تفاقم أزمة اختفاء الأدوية، حيث أن هناك حديثًا حول زيادة أسعار الأدوية مرة أخرى فى أغسطس القادم، وللأسف من يقوم بدفع ثمن عناد شركات الأدوية المرضى والصيادلة على حد سواء.
وتابع أن البيع بسعر واحد هو المطلب الرئيسي الذي لن يتنازل عنه جموع الصيادلة مع تفعيل القرار رقم 499 لسنة 2012 على الأدوية الأساسية وغير الأساسية لتوحيد هامش ربح الصيدلي على 25% للأصناف المحلية و18% للمستورد على جميع الأدوية التي زادت فى مايو 2016 ويناير 2017، مضيفا أن إعادة العمل بالقرار 200 الذي ألغاه وزير الصحة نهاية الشهر الماضي، شيء جيد، لكن هل يستمر الابتزاز للنقابة من حين لآخر؟،فلابد من التأكيد على ذلك فى القانون الجديد.
تضارب القرارات
وقال هاني محمد، صيدلي حر، إن أزمة نواقص الأدوية مستمرة بسبب احتكار غرفة صناعة ومافيا شركات الأدوية،التي نجحت فى الضغط على وزارة الصحة والحكومة، وزيادة أسعار الدواء بطريقة خرافية. وأضاف أن أزمة الدواء سيظهر تأثيرها بعد 6 شهور خاصة فى ظل تضارب قرارات وزارة الصحة، مبينا أن الغرض من تخزين الأدوية والتي تسببت فى حدوث أزمة النواقص، هو الحصول على أرباح من البيع بالسعر الجديد، وأن بعض الصيادلة يبحثون عن الربح إنما مصلحة المريض تحتم البيع بالسعرين، إلى أن المستفيد الأكبر من عملية البيع بسعرين هي سلاسل الصيدليات و شركات توزيع الأدوية.
وأكد الدكتور ياسين رجائي، مدير المكتب الفني لمساعد وزير الصحة،أن تراجع الوزارة عن قرار طمس الأسعار القديمة على ظهر العبوات الدوائية المحلية، لمواجهة مافيا الأدوية التي تقوم بتخزين الأدوية لبيعها بالأسعار الجديدة، مهددا بمعاقبة الشركات التي تتوقف عن الإنتاج، واتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية العاجلة خلال الأيام المقبلة لتأمين السوق الدوائي وتوفير نواقص الدواء للمواطنين.
فوضى تسعيرية
ومن جانبه أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، أن هناك فوضى كبيرة فى التسعير والبيع بعد فشل الإدارة المركزية المتتالي فى ضبط السوق، فقامت شركات توزيع بيع الدواء بأكثر من سعر، مبينا أن المركز المصري ضبط حوالي 200 مخالفه لأدوية تباع بأسعار ليست حقيقية وأدوية تم إنتاجها قديما تباع بالسعر الجديد.
وتابع أن الإنتاج فى بعض الشركات الأجنبية والمصرية توقف، مما يهدد من طرح الأدوية التي بسببها تم اتخاذ قرار الزيادة وقد قام المركز بالاتصال بعدد من الشركات لبيان أسباب التوقف وقد أفادت الشركات بوجود عراقيل سببتها قرارات متضاربة لوزير الصحة بشأن تنظيم العمل فى المصانع.
وأضاف أن المركز حذر من استغلال الشركات لقرار الطمس وتحقيق أرباح هائلة على حساب الصيدلي والمريض،بوضع الأسعار الجديدة على المخزون الذي تراكم لديها خلال الأسابيع الماضية، بعد امتناعها عن التوريد للصيدليات والمخازن لمدة زادت عن شهرين، مشددا على ضرورة قيام وزارة الصحة بحملات تفتيش على الشركات، لضبط المخزون قبل إقرار الزيادة، والتأكد من ادعاءاتها بشأن الخسائر.
وأوضح أنه بعد إلغاء الوزير قرار طمس الأسعار، رفض عدد كبير من الشركات بدء الإنتاج،وتوقفت خطوط الإنتاج فى عدد من الشركات مثل جلاكسوا وافينتيس وفايزر وامون والحكمه وغيرها، مبينا أن فتره الانتهاء من استيراد العبوات الجديدة للشركات ستتراوح بين شهرين إلى ثلاثة شهور،حتى يتم طباعة الأسعار الحديثة عليها مره أخرى وتغليفها ثم إعادة طرحها،مما يشكل كارثة على المريض الذي قبل مجبرا رفع السعر ولكنه لا يجد الدواء فى الواقع.
ولفت إلى أن المركز رصد خلال الفوضى الضاربة فى سوق الدواء فى مصر عدة تجاوزات،أكدت أن التلاعب بأرواح المرضى وحقوقهم شيء سهل المنال، حيث أن صناع الدواء فى مصر أصبحوا “ دولة داخل الدولة “، فقد تم طرح عدد كبير من الأصناف التي كانت على مدار ثلاثة شهور غير موجودة فى الصيدليات بتشغيلات تعود إلى سنه 2015 و 2016،ولكن بالأسعار الجديدة للأدوية مثل الضغط والقلب ومنع الحمل وغيرها.
محاكمات عاجلة
ومن جانبه أكد الدكتور وحيد عبد الصمد، أمين صندوق نقابة الصيادلة،أن أرباح شركات الأدوية من زيادات التسعيرة الدوائية الأخيرة وطمس السعر القديم، تجاوزت الـ25 مليار جنيه فى غضون أيام قليلة،بالإضافة إلى إلزام جموع الصيادلة بالبيع بتسعيرتين، مما يعرض وزير الصحة للحبس،ويقضي على الصيدليات الصغيرة لصالح السلاسل الكبرى،التي تخزن الأدوية بالملايين ولن تتأثر بالبيع بالسعر القديم.
وطالب بإحالة مسئولي الشركات التي امتنعت عن توريد الأدوية للصيدليات خلال الفترة الماضية إلى المحاكمة العاجلة، بدعوى الإضرار بالأمن الدوائي المصري،كما طالب وزارة الصحة بتحرير الاسم العلمي للدواء للقضاء على مشكلة الأدوية منتهية الصلاحية ومواجهة احتكار الشركات والبيع بسعر مناسب للمريض البسيط.
170 مليون جنيه
أما هيئة الرقابة الإدارية فتمكنت من ضبط أطنان من الأدوية المهربة التي تم تخزينها من قبل شركات أدوية شهيرة منذ أكثر من عام، تمهيدا لبيعها بالسعر الجديد، بإجمالي 170 مليون جنيه، وفارق سعر فى جيوب “ مافيا الدواء” عقب القرار الوزاري الأخير بزيادة “ تسعيرة الدواء” فى عدد من مخازن الأدوية البارزة، أحدهم مخزن مصر الجديدة المملوك لأحد رجال الأعمال أصحاب السلاسل الشهيرة، حيث تم ضبط أدوية مخزنة به يزيد سعرها على 130 مليون جنيه، ومخزن آخر لشركة أدوية شهيرة بمدينة نصر غير مرخص كان يديره عامل معماري، ويحتوي على كميات كبيرة من الأدوية المحلية والمستوردة، وعبوات أخرى من المحاليل الطبية الناقصة بالسوق المحلية، وكميات كبيرة من أدوية التخدير عبر الاستنشاق، التي يحظر استخدامها أو بيعها خارج المستشفيات، وتصل قيمتها أكثر من 32 مليون جنيه.
أرباح التخزين
وقال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، إن الرقابة الإدارية تمكنت من ضبط 3 مخازن أدوية لشركات شهيرة، من بينهم مخزن تابع لشركة المتحدة ضبط فيه أكثر من 217 أمبولا من عقار “سريبيو لايسن” الذي يستخدم فى علاج ضعف الدورة الدموية المخية وجلطات الرأس، الذي طالما عاني المريض منه،فى البحث عنه فى الأسواق على مدار العام الماضي.
وأضاف أن سعر الأمبول الواحد من “ سريبيو لايسن” لم يكن يزيد عن 150 جنيها قبل عام، واليوم وصل سعره فى السوق السوداء إلى 700 جنيه بما يحقق نحو 22 مليون جنيه فارق السعر لشركة واحدة قبل 12 يناير، وبعد صدور القرار رقم 23 لسنة 2017 الخاص بالتسعيرة الدوائية الأخيرة، موضحا أن المرضى يلقون مصرعهم لعدم توافر علبة دواء واحدة،فالحكومة عاجزة عن توفيره، والشركة تقوم بتخزين كل الكميات لبيعها بالسعر الجديد.
وطالب فؤاد وزير الصحة بتحويل الأمر بالكامل للنيابة العامة، للتحقيق، مؤكدا أنه سيتقدم ببلاغ عاجل إلى النيابة العامة بما لديه من عبوات وفواتير طالبا التحقيق، ومستغيثا بلجنة الصحة فى البرلمان، بسرعة عقد جلسة لبيان الأمر ومحاسبة المتسبب وردعه، لحماية العديد من المرضى البسطاء..

التعليقات متوقفه