د. جودة عبدالخالق:عفوًا.. المصريون ليسوا فئران تجارب اقتصادية

8

لقطات
عفوًا.. المصريون ليسوا فئران تجارب اقتصادية
د.جودة عبدالخالق

العنوان على محمل الجد لا الهزل. وسبب اختيار العنوان هو ما نراه من تخبط الحكومة في إدارة اقتصاد البلاد وشئون العباد، وتجرؤ كل من هب ودب على الفتوى فى هذا الشأن الخطير بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. فالشارد والوارد، والشامى والمغربى، وزعيط ومعيط ونطاط الحيط، والجاهل والغافل يفتى فيما لا يعرف. الكل أصبح خبيرًا في الاقتصاد يمارس الإفتاء في شئونه صباح مساء. «لا بد من رفع سعر الفائدة»… «التعويم الكامل والسريع للجنيه هو الإجراء الأفضل» … «السعر الحالي للجنيه أعلى من السعر العادل»…، إلخ. ما هذا الجهل الفاضح؟ وما هذه الحماقة الزائدة؟ لقد أصبح إعلامنا يرتكب سقطات مهنية كبيرة وخطيرة بالترويج لبعض معدومي العلم أو الخبرة، والترويج لهم باعتبارهم خبراء. هذا خبير اقتصادي، وذاك خبير استراتيجي، الثالث محلل اقتصادي …، إلى آخر المستحدثات والبدع. فعلا هُزِلتْ.
ليس معنى كلامى أننى ضد أي مناقشة للشأن الاقتصادي العام. بل بالعكس، مناقشة الشأن العام ضرورة ملحة. وهى حق وواجب في نفس الوقت، شريطة أن تكون ممن يملك العلم والخبرة ويلتزم بالجدية ويبتغي مصلحة البلاد والعباد. لكن أغلب ما يحدث نقيض هذا تمامًا. فكلمة الاقتصاد ومشتقاتها أصبحت مضغة تلوكها أفواه الأبواق من أدعياء الخبرة صباح مساء. والإعلام الموجه لا يتيح الفرصة لأصحاب الرأي الحر، إلا فيم ندر. والنتيجة غياب أي مناقشة جادة للشأن العام، خصوصًا في مجال الاقتصاد. يا حضرات: الاقتصاد المصرى ليس حقل تجارب، والمصريون ليسوا فئران تجارب. والحديث عن قيمة الجنيه وتعويم الجنيه من قِبَلِ مَنْ يعلم ومَنْ لا يعلم أصبح متواترًا بصورة مزعجة. فهناك فراغ في الساحة كبير، ونقص في المعلومات حاد، واضطراب في المشهد شديد. وكل ذلك يخلق بيئة طاردة للاستثمار ومعوقة للإنتاج. والحكومة تساهم في تزكية هذا الجو المسموم سواء بما تقرره أو بما لا تقرره.
لنأخذ بعض الأمثلة. لضبط ارتفاع سعر الأرز بصورة كبيرة وغير مبررة، قررت الحكومة إعمالًا لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية تحديد سعر إلزامي للأرز الأبيض، 13 جنيهًا للكيلو السايب و15 جنيهًا للمعبأ. كما أكد وزير التموين والتجارة الداخلية أنه لن يسمح بزيادة سعر الأرز (للأرز السايب) عن 13 جنيهًا كحد أقصى، وأنه فى العام المقبل ستدخل الدولة لاستلام الأرز من المزارعين مثل القمح. ومعلوم أنني كنت سَبَّاقا لتصميم وتطبيق هذه السياسة بالفعل في موسم 2012 عندما كنت وزيرًا للتموين والتجارة الداخلية، مما ساهم كثيرًا في كسر احتكار تجار الأرز وضبط أسعاره في السوق. لكن بمجرد اعتذاري عن الاستمرار في الوزارة عادت ريما لعادتها القديمة. ورغم قرار مجلس الوزراء وتأكيد وزير التموين، فإن الأرز ما زال يباع فعلا بالسعر الذى يفرضه التجار وليس السعر الذى حددته الحكومة. (أهالي المعادى فوجئوا أن السعر عند البقال التموينى 18 جنيها للكيلو). وبالتأكيد هذا يزعزع ثقة المواطنين في قرارات المسئولين.
وعلى النقيض من هذا العجز في ضبط الأسواق، نجد الحكومة منجزة وحازمة فى تصفية الشركات العامة الكبرى (كالحديد والصلب والكوك) وبيع حصة المال العام فى أربع شركات كبرى رابحة لمستثمرين خليجيين: أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، ومصر لإنتاج الأسمدة- موبكو، والاسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، واي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية. جاء ذلك دون اكتراث بالدستور الذى يؤكد على أن للملكية العامة حرمة وأنه لا يجوز المساس بها وأن حمايتها واجب. والعجيب أنه لم يصدر عن الحكومة بيان رسمي بتفصيلات هذه الصفقات لأنها تمت بدون شفافية، ولا نعلم كم حصلت الحكومة من هذه الصفقات؟ وهل ما حصلت عليه هو سعر عادل مقابل التفريط في أصول ضخمة رابحة تدر مليارات الدولارات. هذه أسئلة تنتظر الإجابة. وأرجو ألا يطول الانتظار.

التعليقات متوقفه