ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :الثقافة الغائبة عن البرنامج الحكومى

78

فى عرضه لبرنامج موجز للحكومة الجديدة أمام مجلس النواب قبل أيام ، غابت الثقافة عن حديث الدكتور مصطفى مدبولى، وعن تصورات حكومته لدعمها وتطويرها . ولعل البرنامج الكامل الذى أودعه دكتور مدبولى للبرلمان وانطوى على ثلثمائة صفحة كما قال ، أن يكون قد عالج ذلك الغياب، وأن تكون الثقافة حاضرة بقوة خلال السنوات الثلاث القادمة التى حددها لتنفيذ برنامجها . ولا مبالغة فى القول أن الثقافة هى القوة البناءة و الرافعة الأساسية لكل ما تنوى الحكومة الجديدة القيام به من خطط وبرامج مستقبلية .

 وكان الرئيس السيسي فى خطاب تكليفه الدكتور مدبولى بإعادة تشكيل الوزارة قد حدد عددا من الأهداف التى ينبغى أن تصبح على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة، وفى القلب منهاحماية الأمن القومى المصرى، وجعل ملف بناء الإنسان المصرى على رأس قائمة أولويات عمل الحكومة، لاسيما فى مجالات الصحة والتعليم ، وتطوير المشاركة السياسية، ومكافحة الإرهاب . فضلا عن تطوير ملفات الثقافة والوعى الوطنى والخطاب الدينى المعتدل سعيا لترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعى .

من يدقق فى خطاب التكليف الرئاسى للحكومة الجديدة ، سوف يكتشف أن الثقافة هى العامل المشترك بين كل الأهداف التى يدعوها لكى تكون من أولوياتها .إذ كيف يتسنى تطوير الخطاب الدينى وتعزيز مبادئ المواطنة وتحقيق الأمن الاجتماعى والحفاظ على الأمن القومى دون ثقافة .ولأنها تعمل على جبهة الوعى، وتسعى للارتقاء بالحالة الروحية للمجتمع وبالذوق العام وتنمية الملكات الفنية والإبداعية لمتلقيها، وتعزيز التنوع والاختلاف، فإن الثقافة هى البنية الأساسية التى من شأنها جعل التفكير العقلانى والمنطقى والناضج منهجا لفهم الظواهر الاجتماعية والحياتية. وهى إذ تتصدى للأمية المعرفية والأخرى الهجائية، فإن الثقافة تلعب دورا لاغنى عنه فى تشكيل وجدان وطنى مشترك لجموع المصريين .

وكما شكل رئيس الحكومة من بين وزارئه المجموعة الاقتصادية لتوحيد جهود الدولة فى الملف الاقتصادى، فإن تشكيل مجموعة مماثلة للعمل الثقافى من بين وزارات التعليم والتضامن والشباب والأوقاف ووسائل الإعلام فضلا عن الثقافة، بات أمرا حيويا يتطلب فى موازنة الحكومة الجديدة ، رفع ميزانية وزارة الثقافة، واعتمادها كأحد أذرع الدفاع عن الأمن القومى المصرى .وفى هذه المرحلة الشائكة التى تواجه بها البلاد فيضا من تحديات داخلية وخارجية عاتية، فإن العمل الثقافى يحتاج إلى رؤية تختلف عما هو سائد، بإعادة الاعتبار إلى منهج سبق أن نجح فى فترات سابقة فى تحقيق أهدافه، يعد الثقافة خدمة لا تستهدف الربح ، إذ أن أرباحها ستجنى فى بروز الشخصية المصرية الواعية الناضجة التى يصعب على صناع الفوضى من كل حدب وصوب، التلاعب بمصائرها، أو إيقاعها بسهولة فى براثن تفسيراتها الظلامية والرجعية والفاسدة للواقع الاجتماعى، بما يجعلها عنصرا فاعلا لا سلبيا، فى الخطط المرجوة للبناء والتقدم .

فى المدن الكبرى تعرف النخبة ما تريده من احتياجات ثقافية وتذهب نحو تحقيقه بنجاح فى كثير من الأحيان . وتظل المشكلة الأبدية فى القرى والريف والمناطق المصرية الشعبية والنائية التى تثبت كل الحقائق مدى فقرها الثقافى .وهنا تشكل الهيئة العامة لقصور الثقافة التى تمتلك نحو 500 قصر ثقافة مدخلا حيويا لنهضة ثقافية حقيقية، تعيد لمصطلح الثقافة الجماهيرية مضمونه الاجتماعى، ومحتواه النظرى . وهو ما يتحقق وبأن تحرر وزارة الثقافة من أنشطتها المركزية بنقلها للأقاليم، وقبل هذا وذاك تتحرر تلك القصور من سطوة القوى السلفية عليها خلال السنوات القليلة الماضية، وتعيد إليها أدوارها فى دعم و تقديم فنون الأقاليم والتعريف بمبدعيها فى مجالات المسرح والغناء والسينما والفنون الشعبية والتشكيلية، وتقديم أحدث منتجات تلك الفنون داخلها مجانا للمواطنين . والعمل أن تتحول كما كانت، مدرسة لتدريب وتخريج الكوادر الثقافية القادرة على القيادة ونقل الخبرات، فضلا عن تدريب المواهب ورعايتها .

سوف يساعد على ذلك دون أدنى شك عودة الأنشطة الفنية إلى المرحلة الأولية من التعليم الإلزامى، والتنسيق الضرورى بين المؤسسات المختصة بالنشر التى تتبع الوزارة منعا لتضارب الاختصاصات، والتطوير التكنولوجى لمنافذ بيع إصدارتها، وإفراغها من أطنان من الكتب المكدسة فى مخازنها وتوزيعها على مكتبات قصور الثقافة فى الأقاليم .

وليكن الهدف الأولى بالرعاية خلال الأعوام الثلاثة القادمة، هو إحياء الدور التنويرى والحضارى للثقافة الجماهيرية، وتقديم كل الدعم الذى ينهض بهذا الدور، برؤية تؤمن أن الثقافة خدمة مجانية عامة، تربح بما تنجح فى تأديتة من أدوار، وليس بما تجنيه من أموال .

التعليقات متوقفه