دكتور ابراهيم نوار يكتب حاول أن تفهم ماذا تقول الحكومة للناس عن برنامجها

104

 

أعدت الحكومة برنامجا، يستحق منا أن نقلب صفحاته ونبدي الرأي فيه، أيا كان ما فيه من الصواب أو الخطأ. إبداء الرأي هو من دواعي الشعور بالمسئولية، ومن واجبات المواطنة، خصوصا وأن هذا البلد يمر بمفترق طرق، إما يتقدم منه إلى طريق مفتوح فسيح، وإما أن يجد نفسه أمام طريق مسدود.

ومن دواعي المسئولية أن يرد برنامج الحكومة على أسباب القلق لدى المواطن، وأن يقدم له صورة عن المستقبل ذات مصداقية تبعث على الأمل. هذه الصورة التي يرسمها البرنامج يجب أن تكون صورة حقيقية وليست وهما يراد ترويجه لتخدير الناس في المساء، وأخذ الجباية من عرقهم في النهار.

الأمن القومي بمفهومه الشامل يعني أمن المواطن الفرد وأمن المجتمع ومؤسساته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وليس بالمفهوم الضيق الذي يعني أمن الحاكم والحكومة وبقاء مراكز السلطة في أماكنها دون تغيير مهما كانت ضروراته.

وهناك ثلاثة مستويات لأهداف الأمن القومي بمفهومه الشامل. المستوى الأول هو تحقيق البقاء، بمعنى توفير حد الكفاف الاجتماعي لبقاء الأفراد والمجتمع والمؤسسات. المستوى الثاني هو الانطلاق من حد الكفاف الاجتماعي إلى مستوى تحقيق النماء المستدام، بما يوفر فرصا أفضل لحياة الأفراد، والنمو الصحي للعلاقات المجتمعية، والعلاقات بين الدولة والمجتمع. أما المستوى الثالث فهو يهدف إلى تحقيق الارتقاء عن طريق التفوق في المنافسة، والوصول إلى المستويات الأعلى من الرفاهية الاجتماعية والقوة المجتمعية، بما يكفل تحقيق ريادة معترف بها من الآخرين، ومستوى من التقدم والرفاهية يحلم الآخرون بالوصول إليه.

وفي عرض الحكومة لبرنامجها تجد أن مركز الرؤية حبيس لاعتبارات تحقيق البقاء. وابتداء من السعي لتحقيق الأمن المائي والغذائي، إلى السعي من أجل توفير حد الكفاف الاجتماعي الضروري في مجالات بناء الإنسان، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، يقف برنامج الحكومة قزما أو طائرا مكسور الجناح، يدور حول نفسه وهو لا يدرك أين هو المسار السليم. وليس من العيب ان يكون المجتمع فقيرًا، لأن مجتمعات كثيرة فقيرة تقدمت، وانتقلت من مرحلة تحقيق مقومات البقاء، إلى مرحلة النماء، وبعضها حاليا دخل أو يدخل بسرعة إلى مرحلة الارتقاء. لكن العيب كل العيب هو أن يتدهور حال المجتمع وهو غني ولديه مقومات الثروة، ومحركات النماء والارتقاء، فيضل الطريق ويتخبط، ويصبح فريسة سهلة للآخرين.

وإذا تفحصنا برنامج الحكومة بنظرة سريعة، ودون حاجة إلى تمحيص وتدقيق، فسنجد أنه يتجنب عمدا الإجابة عن أسباب القلق الرئيسية لدى الناس، أو تقديم أسباب ذات مصداقية تبعث على الأمل والتفاؤل، خصوصا بالنسبة للجيل الجديد الذي يتطلع بطموح إلى غد يجد فيه فرصة عمل ملائمة، توفر له دخلا يكفيه لتكوين أسرة، وإيجاد مسكن يأويه مع أولاده القادمين، وتتيح له فرصا آدمية وجيدة للتعليم والعلاج والرعاية الاجتماعية. نحن هنا نتحدث عن حد الكفاف الذي يتحقق عند المستوى الأول من الأمن القومي الفردي والمجتمعي والمؤسسي. هذا المستوى من الأمن القومي تلهث أغلبية المصريين حاليا وراء تحقيقه. ويجب أن تعلم الحكومة ان توفير حد البقاء أو حد الكفاف الاجتماعي هو مسؤوليتها الرئيسية.

وفي مصر أسباب كثيرة للقلق لم تقدم الحكومة شيئا بشأن الرد عليها، غير عبارات إنشائية مرسلة. في الأمن المائي مثلا ستشجع الحكومة التعاون الثنائي مع دول حوض النيل وترشيد استهلاك المياه. وفي التعليم ستعمل على “جذب الطلاب للمدارس، و إجراء هيكلة شاملة لمنظومة التعليم، ووضع رؤية مستقبلية لمشروع إصلاح التعليم المصري تتوافق مع رؤية التنمية الوطنية” وفي الاستدانة ستضع سقفا للدين ثم تذهب إلى البرلمان لتطلب رفعه!

واختتم المقال بهذه الفقرة التي فشلت في فهمها، لركاكة صياغتها (غالبا مترجمة)، وغموض معناها، وهي الفقرة رقم (4) في المحور الثالث بعنوان “بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات”. الفقرة تقول: “تعزيز الصلابة والمرونة والاستباقية في إدارة الأزمات وذلك في إطار سعي الدولة المصرية نحو تعزيز قدرتها على التكيف مع التحديات المستقبلية والتصدي للأزمات بفاعلية، ومن ثم تعزيز الاستقرار والنمو المستدام في البلاد، وهو ما يتطلب العمل على قياس ورصد مستوى صلابة ومرونة الاقتصاد المصري، وتبني سياسات كفيلة بضمان صلابة ومرونة الاقتصاد المصري، وضمان الإدارة الاستباقية للأزمات، وكذا تعزيز ثقة المواطنين في قدرة الدولة على أتجاوز السريع للأزمات.”!

 

 

التعليقات متوقفه