دكتور جودة عبد الخالق يكتب برنامج الحكومة: هل تمخض الجبل فولد فأرًا؟

144

قدمت الحكومة الجديدة برنامج عملها الى مجلس النواب في وثيقة ضخمة (276 صفحة) تحمل عنوان “برنامج عمل الحكومة المصرية: معًا نبنى مستقبلًا مستدامًا 2024/2025-2026/2027”. وبعد مناقشات مكثفة، حصلت الحكومة على ثقة المجلس الموقر بموافقة جميع أعضائه على البرنامج باستثناء ستة أعضاء فقط. وفى ظل هيمنة الدولة على وسائل الإعلام، لم تكن هناك فرصة حقيقية أمام الرأي العام لمناقشة جادة لهذا البرنامج. ولا أريد تضييع الوقت في مناقشة الوثيقة؛ فقد غلب عليها العبارات الإنشائية والجمل البلاغية وخلت من المضمون. صحيح هناك أرقام في شكل مستهدفات، لكن القارئ المدقق لا يعرف أساس هذه المستهدفات ولا وسائل تحقيقها. فتبقى فعليا في سياق الكلام المرسل. ولذلك، سأكتفى بعدة ملاحظات أراها ضرورية لوضع النقاط فوق الحروف: عن المستقبل الذى تتصوره الحكومة لمصر والمصريين، وعن أهم القضايا التي تشغل كل المصريين، وعن موقف الحكومة من مخرجات الحوار الوطنى.

ما هو المستقبل الذى تتصوره الحكومة لمصر وللمصريين؟ يقول شعار البرنامج “معا نبنى مستقبلا مستداما”. لكن القراءة المتمعنة تكشف عن رؤية مُحافِظة، مضمونها أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. وينتج عنها بالضرورة أن المستقبل سيكون حتما امتدادا للحاضر. وجوهر توجهات الحكومة ما زال كما هو: الحجر فوق البشر. فالبيان يحدد أربعة محاور لعمل الحكومة هي: حماية الأمن القومى، وبناء الانسان المصرى، وبناء اقتصاد تنافسى، وتحقيق الاستقرار السياسى. في كل محور من هذه المحاور هناك ما تسميه الحكومة أهدافا استراتيجية تحت كل منها مجموعة من البرامج الفرعية. ولا توجد علاقة محددة بين هذه وتلك، وبالتالي ليس هناك أي ضمان لتحقيق تلك الأهداف. بل يصعب جدا متابعة برنامج عمل بهذا الشكل. لنأخذ كمثال محور بناء الانسان المصرى، ومحور بناء اقتصاد تنافسى.

في محور بناء الانسان المصرى لا يوجد أي ذكر إطلاقا للتخلص من الأمية، التي تقترب من 30% من البالغين. ومعلوم أن المادة 25 من الدستور تلزم الحكومة بالقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين وفق خطة زمنية محددة. ولا يمكن الحديث بشكل جدى عن بناء الانسان مع تجاهل مشكلة الأمية. فهى أم كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما أنه لا يوجد تحديد لوسائل تحقيق الأهداف المعلنة في البرنامج. في محور بناء اقتصاد تنافسى هناك أربعة أهداف استراتيجية يتجمع تحتها 39 برنامجا فرعيا! الطريف أن الحكومة تستهدف معدل نمو سنوي 5.5% في المتوسط. لكنها لم تحدد وسائل تمويل هذا الجهد الطموح. هناك إشارات متكررة لما يسمى التعاون مع شركاء التنمية الدوليين (يعنى اقتراض وديون وصندوق النقد والبنك الدولى). في المقابل، نجد تجاهلا تاما لقضية تعبئة المدخرات المحلية. كما يأتي ضمن هذا المحور ضبط الأسعار والحد من التضخم كهدف استراتيجى يتحقق من خلال ضمان توافر جميع السلع بالأسواق والسيطرة على اختلالات سلاسل التوريد. ولا كلمة عن ردع الاحتكار والمحتكرين.

وماذا عن موقف الحكومة من مخرجات الحوار الوطنى؟ رئيس الوزراء قال في تقديمه لبرنامج الحكومة لمجلس النواب ان البرنامج أخذ في الاعتبار مخرجات الحوار الوطنى. بعض التوصيات أخذ بها، مثل وضع سقف للدين العام لا يتعداه. ولكن الواقع أن أغلب توصيات الحوار الوطنى لم يتم تنفيذها. من أمثلة ذلك إعطاء أولوية للعدالة الاجتماعية بدلا من التركيز على الحماية الاجتماعية، ومكافحة التضخم بمواجهة الاحتكارات والمحتكرين، ووضع ضوابط على رؤوس الأموال الساخنة، وربط الجنيه المصري بسلة عملات بدلا من التعويم الذى طبقته الحكومة وكان وبالا على جموع المواطنين.

 

تهنئة: أهنئ الجميع في مصر وخارجها بالذكرى 72 لـ 23 يوليو1952.

التعليقات متوقفه