أمينة النقاش تكتب ضد التيار الحبس الاحتياطى وأخواته

83

 

حملت إلينا الأيام القليلة الماضية -على عكس عادتها –خبرين سارين، الأول هو التوجه الذى يشى بوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، ويرسل إشارة إلى أن النية تتجه نحو تغليب معيار الكفاءة فى تقلد المناصب العامة، ليعلو على غيره من المعايير الأخرى. ففى أنباء يتم تداولها ولم تؤكد رسميا بعد، يجرى الحديث عن اختيار الكاتب السياسى والباحث المقتدر فى مجال دراسة حركات تيار الإسلام السياسى والنقيب السابق للصحفيين، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطنى “ضياء رشوان”، لتولى مهمة شاقة جديدة، هى رئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بعد أن ترك علامة واضحة و آثارا ملحوظة تتسم بالجهد والجدية والحكمة، فى المهام التى أنيط به تنفيذها والإشراف عليها طوال السنوات الماضية.

الخبر السار الثانى هو بدء مجلس أمناء الحوار الوطنى منذ أمس، البحث فى دعوة القوى الديمقراطية الحزبية والمستقلة، فى إعادة النظر فى الضوابط المنظمة لعقوبة الحبس الاحتياطى فى قضايا الرأى، الذى تحول من إجراء احترازى لحماية حق المجتمع فى معرفة الحقائق، كما يقضى بذلك قانون الاجراءات الجنائية، إلى عقوبة غير محددة المدة أو التهمة، قبل إحالة المتهم بجرائم لا أدلة كافية عليها، إلى المحكمة، وقد يحصل على حكم البراءة بعد أشهر أو سنوات من الحبس، دون أن يحصل على تعويض عن أشهر أو سنوات حبس ظالمة. فضلا عن المطالبة بإعمال مبدأ الفصل بين السلطات، حتى لا يتم الجمع بين سلطات توجيه الاتهام وسلطات التحقيق.

ومن محاسن الصدف، أن النقاش داخل الحوار الوطنى حول تلك القضية، يبدأ بعد أيام قليلة من صدور حكم المحكمة الدستورية العليا برفض الطعن على دستورية مادتين من قانون العقوبات والاجراءات الجنائية، تحظران توقيع عقوبة سالبة للحرية فى جريمة قذف الموظف العام بوسائل النشر، وهو حكم يدعم الدعوة لإلغاء تلك العقوبة فى قضايا الرأى، ويعزز حريات وسائل الصحافة والإعلام والتعبير، ويصون حقها فى الرقابة المجتمعية على كيفية إدارة الهيئات المختلفة للشأن العام.

وفى هذا السياق يغدو مهما ومفيدا فى آن واحد، الاستعانة بالجهود البحثية السابقة فى قضية الحبس الاحتياطى لنقابة الصحفيين وللمنظمات الحقوقية المعنية، وفى القلب منها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، واللجنة التشريعية فى مجلس النواب. وكانت تلك الجهات قد عكفت عبر سنوات على دراسة التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر وصارت ملزمة لها لتوفير ضمانات حريات الرأى والتعبير، تشريعيا وواقعيا. وانتهى بعضها إلى المطالبة بمدونة تشريعية تخلو من التفسيرات الفضفاضة للنصوص القانونية، وتنحو إلى تجميعها فى باقة موحدة من نصوص الدستور وقانون العقوبات والاجراءات الجنائية، وغيرها من القوانين ذات الصلة، وتنقية ما يشوب بعضها من تناقض بين نصوصها، ليسهل على النيابة العامة وعلى المحاكم تفسيرها، دون إخلال بتحقيق التوازن بين الحفاظ على حق المجتمع وحق المتهم.

فى حوار تليفزيونى له عقب توليه منصبه كوزير للشئون النيابية والقانونية والاتصال السياسى، فسر المستشار ” محمود فوزى” الجزء الخاص بالاتصال السياسى فى وزارته بالقول، أن الحوار يجرى الآن مع الأحزاب داخل الحوار الوطنى، وأن الاتصال السياسى سيشمل القوى التى لم تشارك فى الحوا، دون أن يحددها.ولأن التفسير التبس على فهم كثيرين، ولأن حكومة جديدة تتولى إدارة شئون البلاد من بين المهام الموكلة إليها، مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، فإن الأولى بالعناية فى البند الخاص بالاتصال السياسى، لاسيما والسيد الوزير رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى، إنهاء حالة الموات التى تخيم دون أى مسوغات قانونية على المجال العام. وإلغاء القيود العرفية المفروضة على النشاط الحزبى، ووقف اختلاق أحزاب مصنوعة لكى تستخدم وقت اللزوم للتشهير بالحياة الحزبية، والابقاء عليها فى حالة من الوهن والإرهاق. والبحث الجدى عن فصل الملكية عن الإدارة فيما يتعلق بوسائل الإعلام الرسمية التى أسرفت السلطة التنفيذية بفرض قيود عرفية غير منظورة عليها، أفقدها ثقة المواطنين بها، بينما يجرى جرى الرهوان ذلك الفصل فى المنشآت الاقتصادية التى تُنزع من الملكية العامة لتمنح للقطاع الخاص المصرى والاجنبى!.

وهل ثمة علاقة بين ماسبق وبين جرئم الحبس الاحتياطى ؟ نعم علاقة وثيقة وعلاقة أخوة.إذ أن النهوض بالحياة الحزبية والسياسية، وتحرير وسائل الإعلام من القيود الجاثمة على أنفاسها، من شأنه أن يمهد الطريق، نحو تشكل معارضة قوية دخل مجلس النواب وخارجه، تستوعب كل رأى وكل فكرة، بالطرق السلمية الديمقراطية، وتحاصر بمصدقيتها الفوضويين والإرهابيين والفاسدين. فوسائل الإعلام الرسمية القائمة، التى أسرفت السلطة التنفيذية بفرض قيود عرفية غير منظورة عليها، أفقدتها ثقة المواطنين بها. وهى تستطيع أن تستعيد تلك الثقة بنشر الحقائق حول السياسات القائمة، والقيام بدورها الرقابى المستقل على أعمال السلطة التنفيذية بما يهئ المناخ لجذب المواطن العادى للمشاركة فى تنفيذها، وللتعبير عن مصالحه داخل الأوعية الحزبية، بما يجعل حرية الرأى والتعبير عنه مصونة قانونيا بعيدا عن الملاحقة الجنائية. وتلك هى القضية.

التعليقات متوقفه