ماجدة موريس تكتب : فى ذكراه.. هل نحتاج الآن إلى (كلمتين وبس)؟

32

من بين عشرات البرامج التي قدمتها الإذاعة المصرية في زمن إزدهارها، برز برنامج منها مدته خمس دقائق يوميا في الصباح، ويعاد بعد الظهر علي موجة البرنامج العام من خلال أداء ممثل وكوميديان شهير، هو فؤاد المهندس الذي كان يقوم بدوري الراوية للقصة أو الحدث، والممثل في نفس الوقت، وفي بداية (كلمتين وبس) كان صناعه يدركون جيدا ما هو الغرض منه، وهو توجيه النقد لسلوكنا الاجتماعي كأفراد ومجموعات، وتوجيه الضوء إلي تصرفات صغيرة تؤدي إلي أضرار تلحق بالمجتمع ولا يتحرك احد لإصلاحها بادئا بنفسه، حتي الذي يشكو منها!، وهو ما أدركه مخرج البرنامج يوسف حجازي، الذي أخرج قبله أعمال درامية إذاعية، فقرر أن تتم مخاطبة المستمعين بأسلوب مباشر وبدون اتباع أسلوب أغلب البرامج من استخدام اللهجة الخطابية، أو الاعداد الدرامي فقط، وانما توجيه القضية موضوع الحلقة إلي المستمع بطريقة أقرب الي الحديث الشخصي وإضافة الإداء الدرامي في المواقف التي تستلزمه، وهو ما اثبت فاعليته في الوصول إلي قلوب وعقول المستمعين، خاصة مع الأسلوب الذي كان الكاتب الساخر الكبير أحمد بهجت يكتب به حلقات البرنامج، والذي كان قريبا من فكر غالبية الناس فأصبح تفاعلهم معه كبيرا، ورسائله تتدفق علي البرنامج تحمل الرأي والمشاركة، وتطالب البرنامج بعرض مشاكلهم وحلها، أو حتي مجرد عرضها للكشف عنها، وأتذكر هنا ان أداء المهندس جمع بين الصوت العالى والأداء الكوميدي الذي قد يتحول إلي أداء هزلي وفقا للقضية التي يطرحها، وهو ما كان يجذب المستمع أكثر لقدرته التعبيرية العالية عن قضايا المواطن العادي البسيطة غالبا، ومن هنا استمرّ “الكلمتين وبس” سنوات طويلة منذ بدأ عام 1972 ليصبح أحد علامات الإذاعة المصرية، ومن الغريب ان نجما كبير كفؤاد المهندس قبل تقديم البرنامج بعد ان اصبح نجما كبيرا، وقدم وخمسين فيلما سينمائيا منذ بدأ يعمل في السينما عام 1952 في افلام (زمن العجائب) و(غضب الوالدين) وليصل مجموع افلامه الي سبعين فيلما انتقل فيها من الدور الثاني، للسويد،إلي صديق البطل، إلي البطولة في منتصف الستينات.

الراجل ده حيجيني
هل يقبل نجومنا الان تقديم برنامج إذاعي أو تليفزيوني مدته خمسة دقائق يوميا؟
الاجابة أقرب إلي الرفض، لكن المهندس فعلها، فقد آمن بأن الفن له رسالة سامية هي خدمة المجتمع، وخدمة أكثر الفئات احتياجا للفن، فقدم الكثير للأطفال، بداية من الفوازير موضة هذا الزمان (فوازير عمو فؤاد) أو غيرها، وغني لهم الكثير من الأغنيات ومنها الأغنية الشهيرة (رايح أجيب الديب من ديله) في مسرحية أنا فين وإنتي فين، (كان مسئولا عن فرقة الأناشيد في مدرسته في المرحلة الابتدائية)، بل قدم مسرحيات كاملة لقضايا علاقتنا كمجتمع بالأطفال ومنها مسرحية (هالة حبيبتي) التي لفت الأنظار فيها إلي سوء المعاملة التي يلقاها الأطفال في الملاجئ، وأيضاً قدم مشكلات الابناء مع العائلة في مسرحية (سك علي بناتك)، وهكذا قضي فؤاد المهندس وقته كفنان كبير في تقديم الأعمال المسرحية والسينمائية، والإذاعية التي تحمل رسائل مهمة في خدمة المجتمع، بعض هذه الأعمال أثرت كثيرا علي أفراد المجتمع مثل (كلمتين وبس)، ومثل برنامج آخر هو (ساعة لقلبك)، و(الراجل ده حيجنني) عن صيام رمضان، ليصبح المهندس احد أيقونات الفن المصري، وكما ولد في سبتمبر عام 1927، يرحل سريعا بأزمة قلبية في نفس الشهر، عام 2006، تاركا لنا تراثا فنيا كبيرا ورصيدا لا ينفد .ومؤكدا أن علاقة الفن والفنان بالوطن والمجتمع علاقة أزلية مهما مرت السنون.

التعليقات متوقفه