قضية للمناقشة: ما يفكر به الأدباء

134

حرصت دائما أثناء انتخابات نقابة الصحفيين أو نقابة اتحاد الكتاب، وهما النقابتان اللتان أشرف بعضويتهما، أن أجمع الأوراق التي تقدمها المرشحات والمرشحون، وأعود إلى هذه الأوراق بعد أن تهدأ الأمور وتعلن النتائج لأتعرف على ما تفكر به الزميلات والزملاء هنا وهناك بعد أن استبعد المواد الدعائية الخالصة، ولطالما أعانتني هذه الأوراق على معرفة أعمق.
وتأخرت بتعمد كتابتي عن انتخابات التجديد النصفى لاتحاد الكتاب، والتي جرت قبل أسبوعين، لأنني خشيت أن يجري استخدام ما أكتبه فى الصراع الانتخابي الذي كان محتدما حينها، بعد انفجار مشكلات ظلت معلقة طويلا.
لفت نظري العدد الكبير من الزميلات المرشحات، وقرأت بعناية ما قدمته بعضهن من برامج ومقترحات، وطبعا وعود. وتوقفت أمام التطلع الجدي للعمل الجماعي بينهن، وكان شعار إحداهن “نحن أقوياء ببعضنا البعض” وهي سمة نجدها فى غالبية النساء العاملات فى العمل العام والنقابي بشكل خاص.
وجدت كذلك اتجاها قويا بين الكاتبات والكتاب للتركيز على الأدب الموجه للأطفال، وتمنيت أن أحصل على بعض نماذجه لأكتب عنها، لأن التوقف عند هذا المجال من الإبداع ينم عن إحساس عالٍ بالمسئولية عن صناعة وعي بالمستقبل، والتعامل مع اهتمامات واحتياجات جيل جديد يتشكل وجد انه ووعيه فى ظل التطور الهائل لثورة الاتصال التي تتفتح فى ظلها أذهانهم على ما يدور فى العالم، وتتسع الفجوة بينهم وبين الأجيال السابقة عليهم.
دارت أوراق مرشحي هذه الدورة الانتخابية لاتحاد الكتاب حول قضيتين رئيسيتين، تطوير مالية النقابة من أجل زيادة المعاشات وتوسيع نطاق الخدمات من جهة والتواصل مع الفضاء الأوسع فى المجتمع عبر برنامج تليفزيوني ويكبر طموح الزميلة التي طرحت هذه الفكرة لحد المطالبة بإنشاء الاتحاد لقناة فضائية ناطقة باسمه من جهة أخرى، حتي يقدم الاتحاد نفسه على نطاق واسع للجمهور العريض.
ويعبر هذا التوجه عن شعور عميق بالعزلة عن المجتمع الكبير الذي يموج بالصراعات والأفكار ومصادر الإلهام للأديبات والأدباء، وهو منبع المعرفة الأعمق التي يتطلع إليها الأديبات والأدباء النقديون غير الراضين عن الأمر الواقع.
وكانت هذه القضية هي أحد الانشغالات والهموم الرئيسية لكل الذين تولوا مسئولية رئاسة الاتحاد أو موقع أعضاء وعضوات مجلس إدارته منذ نشأته عام 1976. وتنوعت استجابات المسئولين عن الإعلام، منذ كان إعلاما حكوميا فحسب، إلى أن نشأت القنوات الخاصة وتوسعت فى السنوات الأخيرة، وفى كل هذه الحالات ظل الاهتمام بالبرامج الثقافية محدودا وهامشيا، وكانت هذه البرامج مرشحة دائما للالغاء عند أي طارئ، سواء كانت الاداة الاعلامية جريدة أو مجلة، محطة فضائية او اذاعة، ويشعر غالبية الأدباء والمثقفين ازاء هذه الوضعية بالعجز. ولعل متابعة تاريخ السلطات السياسية- كل السلطات السياسية على اختلاف منابعها وتوجهاتها الفكرية وأصولها الطبقية- أقول لعل متابعة هذا التاريخ أن يدلنا غالبا على النفور المتبادل بين الساسة والمثقفين وصولا إلى القول الشهير “لجوبلز” وزير إعلام هتلر “ كلما سمعت كلمة ثقافة وضعت يدي على مسدسي”.
المثقفون قلقون عادة، يطرحون من الأسئلة كل ما هو شائك ومثير للجدل فى العلاقات الاجتماعية والسياسية ويجسدون عادة ما يقول به الساسة عن الشفافية، فهم نادرا ما يقدمون أجوبة، وإن كانوا يفتحون الأبواب المغلقة، ويكتبون الأدب الكاشف عن المسكوت عنه، والناطق بأصوات من لا صوت لهم فمهمتهم هي اقتحام الغرف المظلمة وبناء شلالات فيها “علي حد تعبير كاتب كوبي”.
ولكن القلق الفكري لا يطول المطبلين والمزمرين الذين يبادرون – فى كل العهود- بالارتماء فى أحضان السلطة مقدمين لها الخدمات مجانا على امل أن تلحقهم بها فتنفتح لهم الابواب المغلقة، وعادة ما يلعب الامن أدوارا “قائدة” لاتمام هذه اللعبة.
وقد اصبح هذا الدور الامني هاجسا مقلقا حتي للمثقفين الذين يؤيدون السلطة القائمة بعد موجات الثورة، ويشعرون بأنفسهم كمؤسسين لحلف 30 يونيو، بعد أن كانوا شركاء فاعلين ونشطين فى العملية الوطنية الشاملة لازاحة حكم المرشد، أي أنهم أي هؤلاء المثقفون قدموا إلى ساحة العمل العام من الميادين، وهم يذكرون- بفخر- فى هذا الصدد أن نقابة اتحاد الكتاب كانت اول نقابة تعلن بشجاعة سحب الثقة من الرئيس الإخواني “محمد مرسي” وكانت الجمعية العمومية التي صدر عنها هذا القرار تكذب كل الادعاءات حول لامبالاة المثقفين بالشأن السياسي.
وللدكتور الشاعر علاء عبد الهادي رئيس الاتحاد طموح بلا حدود لتطوير عمل الاتحاد، ومن المؤكد أن المجلس الجديد سوف يكون عونا له رغم أن بيئة العمل العام غير مواتية.

التعليقات متوقفه