فى منتدى خالد محيي الدين..طه عبد العليم: بدون استراتيجية للتصنيع لن تعزز مصر أمنها القومى الاقتصادى

*التصنيع يستهدف مضاعفة إنتاجية العمل والقيمة المضافة..والصناعة التحويلية تخلق فرص عمل متزايدة ومستدامة

852

قال الدكتور طه عبد العليم، مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ومدير منتدى أخبار اليوم للسياسات، إن الصناعة التحويلية تسهم في ارتفاع إنتاجية العمل أو الإنتاجية الكلية على حجم الناتج بقدر لا يقل عن الاستثمار الجديد، فإن منهج الاقتصاد السياسى لا غنى عنه فى تحليل أسباب انخفاض أو ارتفاع إنتاجية العمل على مستوى المشروع أو على مستوى القطاع، حيث لا يقتصر على تعيين المحددات الاقتصادية للإنتاجية، مثل: حجم المشروع أو نوع التكنولوجيا أو مهارة العمالة أو كفاءة الإدارة أو تكلفة الطاقة والنقل أو تكلفة ونوع الخامات وغيرها، وإنما يشمل التحليل أيضًا تأثير النظام الاقتصادى الاجتماعى والسياسات الاقتصادية والأيديولوجية وغيرها على تحديد الأجور والأرباح وأسعار الخامات والمستلزمات والمنتجات والفوائد المصرفية والأراضى المخصصة للمصانع والطاقة والنقل وتوافر أو غياب الحافز على الابتكار والتوفير وغيرها من العوامل المؤثرة على الإنتاجية.

جاء ذلك خلال منتدى خالد محيي الدين الأربعاء الماضي، وأدار الندوة  المنسق العام للمنتدى الكاتب الصحفي خالد الكيلاني، بحضور العديد من المثقفين والسياسيين والشخصيات العامة.

وأكد مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ارتباط مفهوم التنمية الاقتصادية بتغيير هيكل الاقتصاد، أى التكوين القطاعي للناتج المحلى الإجمالى، المترتب على التحول من الأنشطة منخفضة الإنتاجية، ذات الفرص المحدودة لتسريع التغيير التكنولوجي وتعظيم القيمة المضافة، الى الأنشطة المرتفعة الإنتاجية ذات الفرص الأكبر للابتكار وزيادة القيمة المضافة، والتى تصبح أساس التغيير الهيكلي والتنمية الاقتصادية، والتصنيع هو قاطرة التنمية الاقتصادية؛ بل يكاد يكون مرادفا لها؛ لأن التصنيع رافعة تغيير هيكل الاقتصاد عن طريق الارتقاء من القطاعات والفروع الاقتصادية منخفضة الإنتاجية الى القطاعات والفروع الاقتصادية مرتفعة الإنتاجية.  

وتابع: يعنى التصنيع تنمية وتعميق وتحديث الصناعة التحويلية، سواء فروعها منخفضة أو متوسطة أو راقية التكنولوجيا، أو مشروعاتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والارتقاء بالمحتوى المعرفي وإنتاج المصنوعات الأحدث. وبذلك يعمق التصنيع ويضاعف القيمة المضافة لفروع الصناعة التحويلية وقطاعات الاقتصاد، بتوفير المستلزمات والآلات والمعدات الأحدث تكنولوجيا، ويتضمن التصنيع تغيير أوزان مساهمة قطاعات الاقتصاد فى الناتج المحلى الإجمالى، وخاصة بزيادة نصيب الصناعة التحويلية. ويركز التصنيع – وخاصة مع ثورة المعرفة – على الارتقاء بالمحتوى المعرفى ومن ثم القيمة المضافة، وإنتاج المصنوعات الأحدث، ويرتقي التصنيع بتنويع وتكامل بنية الصناعة التحويلية والاقتصاد القومى؛ بإقامة الفروع الصناعية التى تتكامل منتجاتها عبر علاقات أمامية وخلفية مع بعضها البعض، ومع غيرها من قطاعات الاقتصاد.

وأشار “عبدالعليم” الى ان التصنيع يستهدف مضاعفة إنتاجية العمل والقيمة المضافة، بتطويره لصناعة المعادن الأساسية، وتأسيس وتحديث صناعة بناء الآلات والمعدات، والانتقال من التجميع الى التصنيع، وتحديث الفروع التقليدية للصناعات الخفيفة والغذائية والاستخراجية، كما يستهدف التصنيع في حلقاته الأحدث إعادة بناء الصناعة ومجمل الاقتصاد على أساس المنجزات الحديثة للعلم والتقنية لتعظيم المحتوى المعرفى والقيمة المضافة للمنتجات المصنعة، وتؤكد تقارير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) وخاصة تقريرها لعام 2013، وأن التصنيع هو المحرك الرئيسى للتنمية الاقتصادية، بتحويله الموارد من الأنشطة منخفضة الإنتاجية الى الصناعة التحويلية، وأن ما يميز الصناعة التحويلية عن القطاعات الأخرى هو قدرتها على توليد عائدات متزايدة وإنتاجية أعلى؛ نتيجة التحسينات في تقسيم العمل والتغيير التكنولوجي ووفورات الحجم أو النطاق، وقد قدمت الصناعة التحويلية- مقارنة بغيرها من القطاعات الاقتصادية – أوسع فرص: تراكم رأس المال، والاستفادة من وفورات الحجم، وإدخال التكنولوجيات الجديدة. وبذلك يعزز التصنيع قدرة الاقتصاد على أن يولد وبشكل متواصل أنشطة جديدة سريعة النمو؛ مرتفعة القيمة المضافة والإنتاجية.

وقال الدكتور طه عبد العليم، إن التنمية تستهدف توليد فرص العمل، ولتحقيق هذا الهدف تبرز أهمية تنمية الصناعة التحويلية التي تخلق فرص عمل متزايدة ومستدامة. ولا يقتصر التصنيع على مضاعفة أعداد العمالة وإنما يعزز أيضا نوعيتها وانتاجيتها ودخلها فيقلص الفقر في كل البلدان، وقد أثبتت مجموعة كبيرة من الدراسات التجريبية الارتباط الإيجابى الوثيق بين النمو الاقتصادي والتغيير الهيكلي بفضل الصناعة التحويلية، واستنادا لهذه الدراسات، كانت مجموعات البلدان التي حققت أسرع نمو خلال الفترة 1970- 2007 هي البلدان التي تقدمت على طريق التصنيع، وفى مقدمتها الاقتصادات الآسيوية حديثة التصنيع في جنوب شرق آسيا والصين، وأكدت دراسة للأمم المتحدة – صدرت عام 2006 – أن البلدان، التى تراجع فيها التصنيع فى ذات الفترة، حققت نموا متواضعا جدا لنصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى.

 وأضاف “عبد العليم”، انه بحسب إحصائيات للبنك الدولى، أنه بين 13 اقتصادًا واصلت النمو السريع جداً بمعدل 7 % على الأقل لمدة 25 سنة بعد الحرب العالمية الثانية، وشملت اقتصادات تفاوتت وبشدة من حيث مواردها الطبيعية وكثافتها السكانية، أظهرت الصناعة التحويلية النمو الأسرع فى 8 اقتصادات؛ وأن البلدان الأسرع كانت تلك التي شهدت نموا تغييرا هيكليا نحو التصنيع، انعكس فى ارتفاع حصة الصناعة التحويلية فى ناتجها المحلى الإجمالى، وأوضح تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، أنه فى البلدان سريعة التحول للتصنيع، ارتفعت مساهمة القيمة المضافة للصناعة التحويلية فى الناتج المحلي الإجمالي من نحو 16 % فى عام 1997 إلى نحو 21 % فى عام 2011، وزادت حصة صادرات الصناعة التحويلية من هذه البلدان فى اجمالى الصادرات الصناعية العالمية نحو 14 % فى عام 1997 إلى نحو 30 % فى عام 2011، ويسمح التصنيع بمضاعفة الصادرات من السلع المصنعة، ويتيح الفرصة لارتفاع مساهمة السلع المصنعة راقية التكنولوجيا وذات القيمة المضافة الأعلى فى الصادرات، وهكذا، فى عام 2006 مثلت صادرات الصين من السلع المصنعة‏ (‏عدا المنتجات البترولية والتعدينية‏) 92.4‏ % من الصادرات السلعية‏، وفى عام 2006 أيضا، مثلت صادرات الصين من الآلات والمعدات شاملة أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية ‏47‏ % من الصادرات المصنعة‏، وفي عام ‏2005‏مثلت صادرات الصين من المصنوعات راقية التكنولوجيا نحو ‏31‏ % من الصادرات السلعية؛ واقتربت الصين من أمريكا‏ (32‏ %‏)‏ ومتفوقة على اليابان ‏(22‏ %‏)‏‏.

وأشار “عبدالعليم”، الى انه منذ الثورة الصناعية الأولى، صارت الصناعة التحويلية رافعة تضاعف القدرات الإنتاجية والعمالة عالية الإنتاجية والدخل، ووفرت فرصا لتغيير هيكل الاقتصاد لصالح القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى والمحتوى المعرفى الأرقى.

واستمرت الصناعة التحويلية مع الثورة الصناعية في حلقاتها الأحدث محركاً للنمو؛ باعتبارها مصدرا رئيسيا للموارد المالية والمعرفية اللازمة للتنمية المستدامة والشاملة، ويبين تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) عن التنمية الصناعية فى العالم 2013، استنادا الى دراسات مُعتَبَرة ومؤشرات مقارنة: أن الصناعة التحويلية سبيل مواجهة مشكلات البطالة والفقر. فقد بلغ الاستيعاب المباشرة للعمال في الصناعة التحويلية 388 مليون فرصة عمل في جميع أنحاء العالم فى عام 2009، مقارنة بنحو 211 مليون مشتغل عام 1970، وتقترن التنمية الاقتصادية ببلوغ حصة الصناعة التحويلية نحو ثلاثة أمثالها تقريبا، ثم تبدأ فى الانخفاض في المراحل المتقدمة للتصنيع، لكن ترتفع حصة الخدمات المتصلة بالتصنيع، وبالتعريف الواسع للصناعة التحويلية؛ الشامل للخدمات المرتبطة بالتصنيع؛ تقدر أعداد العمالة فى الصناعة التحويلية بأكثر من نصف المليار فرصة عمل فى عام 2013.

ومع كل فرصة عمل يتم إيجادها في الصناعة التحويلية يتم إيجاد فرصتين أو ثلاث فرص عمل خارجها، وهو ما يزيد كثيرا عن تقديرات فرص العمل فى الخدمات المرتبطة بالتصنيع، كما وفر ارتقاء التصنيع فرصا أوسع للعمالة من النساء، ومكن من تحسين أجور العمالة فى الخدمات اللازمة للصناعة التحويلية.

واختتم الدكتور طه عبد العليم، بأنه بدون استراتيجية للتصنيع‏-‏ أى تبنى سياسات اقتصادية وصناعية تضمن أسبقية تنمية وتعميق وتنويع الصناعة التحويلية‏-‏ لن تعزز مصر أمنها القومى الاقتصادى والشامل بغير تملك القدرة الصناعية والتكنولوجية‏,‏ ومن ثم القوة الاقتصادية والشاملة‏,‏ اللازمة لحماية مصالحها وقيمها وتعزيز مكانتها ودورها‏، ولن يتمتع المصريون بأمنهم الاقتصادى الإنساني‏,‏ فيتحرروا من الحاجة والخوف من المستقبل‏,‏ إلا بفضل ما تتيحه عملية التصنيع من وظائف غير محدودة ومرتفعة الإنتاجية‏,‏ تؤمن لهم عملا لائقا ودخلا عاليا وحياة كريمة مديدة بصحة جيدة‏.، ولا جدال أن قدرات مصر الكامنة تسمح لها بانجاز التصنيع وبلوغ ما تستحقه‏:‏ أن تصبح دولة صناعية‏، مشيرًا إلى أنه بالتعلم من مأزق التنمية والثورة الشعبية فى مصر، وخبرة سقوط الأصولية الإشتراكية والرأسمالية في العالم، فإن مصر لن تشهد استقرارا وتقدما اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، ولن تحقق الأمن الاقتصادى القومى والانسانى، بغير إقامة نظامٍ اقتصادى اجتماعى جديد؛ يجسد معيار المفاضلة بين النظم وهما: التخصيص الرشيد للموارد وعدالة توزيع الدخل.

التعليقات متوقفه