أمينة النقاش تكتب :عن الدولة الفلسطينية

31

بينما يطوق الجيش الإسرائيلى رفح تمهيدًا لاقتحامها، برغم الرفض الدولى لهذا الإجراء، والتحذير من نتائجه الكارثية المحتومة، وبينما يضيف نتنياهو إلى سجله الملطخ بدماء الشعب الفلسطينى، إعلان رفضه لإقامة الدولة الفلسطينية، الذى فرض النقاش حولها نفسه منذ السابع من أكتوبر، وباتت إقامتها شرطًا لوقف شلال الدماء والدمار فى المنطقة، جاءت دعوة “ميخائيل بوجدانوف “نائب وزير الخارجية الروسى إلى كل الفصائل والمنظمات والأحزاب والشخصيات العامة فى داخل الساحة الفلسطينية وخارجها للاجتماع فى موسكو فى الفترة من 29 فبراير الجارى حتى الثانى من مارس المقبل، لتشكل بارقة أمل لإتمام المصالحة الفلسطينية بين حركتى فتح وحماس، وتمهيد الطريق لموقف فلسطينى موحد بشأن الخطوة التى تلى وقف الحرب الفاشية الإسرائيلية فى غزة الساعية لتصفية القضية الفلسطينية، بالقضاء على الشعب الفلسطينى!

كان الموقف الروسى منذ بدء الحرب يدعو إلى إيقافها وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما استقبل الكرملين قبل أسابيع وفودًا من حماس والجهاد الإسلامى، لذلك تأتى الدعوة الروسية خطوة مهمة فى فترة تمر بها القضية الفلسطينية بمنعطف يهدد بتصفيتها، بعد أن نجحت إسرائيل فى العصف بكل القرارات الأممية التى صدرت لصالح الشعب الفلسطينى، وفى القلب منها حق العودة. ويعزز نتينياهو رفضه لهذا الحق بالحملة المسعورة المضللة التى شنها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التى نجحت فى ايقاف التمويل اللازم لمواصلة عملها من قبل عدد من الدول الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وغدت تلك الدول تشكل اوركسترا من الطغاة الاستعماريين، تردد كالببغاء بصوت واحد ما يمليه عليها نتينياهو وتصدق عليه. مستشار الأمن القومى الأمريكى “جايك سلوفان” يقول ما يردده قادة الحرب فى إسرائيل أن حماس تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية، وأن استمرار الحرب يشكل دفاعًا عن المصالح القومية الأمريكية، برغم فشل الخيارات العسكرية التى يتبعها نتنياهو، وعدم تمكنه بعد نحو خمسة أشهر من تحقيق هدفه المعلن والمستحيل بحرب التطهير العرقى التى يقودها. فلا هو نجح فى تحرير الرهائن، ولا هو قضى على حركة حماس، برغم دكه غزة على رؤوس أهلها، بعد تشريدهم وتجويعهم وحرمانهم من كل مقومات القدرة على مواصلة البقاء. واشنطن وحلفاؤها يعتقدون أن خسارة إسرائيل للحرب تعنى تراجعًا لنفوذهم السياسى فى المنطقة، لصالح منافسيهم الدوليين فى كل من الصين وروسيا.

والأمل ينعقد على ما سوف يسفر عنه اجتماع موسكو مع الفصائل الفلسطينية، ولعله يشكل برنامج عمل للقوى السياسية الفلسطينية، تقضى بتوحيد الصف الفلسطينى تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإقرار السير نحو إجراء انتخابات تشريعية لتشكيل حكومة توافقية من الفنيين والخبراء التكنوقراط، لا حكومة فصائل، ورسم رؤية مشتركة للدولة الفلسطينية التى تلوح فى الأفق قناعة دولية أوروبية وأمريكية أنها السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربى والفلسطينى مع إسرائيل.

منذ العام 1948 وحتى هزيمة يونيو 1967، كان الشعار المرفوع فى الساحة العربية وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، هو أن فلسطين هى قضية العرب المركزية، وأن تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى مرهون بتحقيق الوحدة العربية بين الدول الحدودية. ولأسباب كثيرة باتت معروفة، لم تتحقق الوحدة، وزادت الخلافات بين الدول العربية، لا سيما بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وعصف نهائيًّا بفكرة التضامن العربى المشترك وليس الوحدة العربية الغزو العراقى للكويت. وما جرى فى الساحة الفلسطينية من صراعات وانشقاقات وتصفيات تملؤه صفحات الكتب.

بعد هزيمة يونيو بدأ الحديث عن الدولة الفلسطينية، حين تبنى مجلس الأمن 242 القرار الذى يدعو إلى الاعتراف بحق جميع دول المنطقة فى العيش فى سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وإلى إنسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة، وهو ما كان يعنى مفاوضات بين الدول المحتلة وإسرائيل لمبادلة التخلى عن الأراضى المحتلة، فى مقابل الاعتراف بحقها فى الوجود. جرت فى النهر مياه كثيرة، وتبدلت المواقف الدولية والعربية، لكن تنفيذ هذا القرار هو معركة نضالية لا يمكن خوضها سوى بموقف فلسطينى موحد، ترنو إليه بشغف قلوب وعقول شعوب المنطقة ودولها ترقبًا لما سينتهى إليه حوار موسكو.

التعليقات متوقفه