تصريحات «عاشور» حول إنشاء أفرع جديدة لجامعات أجنبية تثير جدلاً واسعاً تدويل التعليم الجامعى… الباب الخلفى لخصخصة الجامعات

25

 خبراء تربويون: تفتقد الشفافية وتكافؤ الفرص بين الطلاب

حسن شحاتة: ضرورة وجود إستراتيجية لدى الجامعات تتماشى مع رسالتها التعليمية

رضا الخولى: يجب التفرقة بين التدويل والتجارة فى خدمات التعليم

صفاء سمير: عدم التمييز وتأهيل كفاءة مخرجات العملية التعليمية لصالح الطالب

إيلاريا عاطف: تحقيق تكافؤ الفرص من خلال منح للطلاب المتميزين داخل هذه الجامعات

أثارت التصريحات الأخيرة لوزير التعليم العالى والبحث العلمى، دكتور أيمن عاشور، بشأن توجه الدولة نحو تدويل التعليم فى مصر، باعتباره أحد الملفات التي أكدت عليها الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، من خلال إنشاء أفرع جامعات دولية بالعاصمة الإدارية الجديدة، جدلاً كبيراً خاصة فيما يتعلق بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب المصريين بعضهم وبعض من جهة، ومن جهة أخرى تكافؤ الفرص بين الطلاب المصريين والوافدين، وكلا وفق قدرته المادية للالتحاق بمثل هذه الجامعات والحصول على هذا النوع من التعليم، وبناء عليه تأهيلهم لسوق العمل وفق مستجداته واحتياجاته.

انتقد خبراء تربويون، وزير التعليم العالى وتأكيده أن ثقافة التدويل والتحول من المستوى المحلي والإقليمية إلى المستوى العالمي أصبح ضرورة مُلحة، مشددين على أن هناك ضروريات أكثر إلحاحا من التدويل، ومنها تطوير البنية التحتية لأغلب الجامعات الحكومية والتى تعانى الضعف على مدار سنوات طويلة متتالية دون النظر إليها من الدولة، بالإضافة إلى ضرورة الوصول بالجامعات الحكومية والتى تضم أغلب الطلاب من طبقات المجتمع المتوسطة والأقل من المتوسطة بحيث تصل لـ «الدولية» بإمكانياتها وجودة خدماتها وتعليمها.

تكافؤ الفرص

ويرى الخبراء أن التدويل والتوسع في إنشاء فروع للجامعات الأجنبية بمصر من أجل المنافسة العالمية، والذى يعتبره الوزير من أهم أهداف خطة تطوير منظومة التعليم العالي في مصر، لتقليل فرص اغتراب الطلاب المصريين في الخارج، ليس بالأولوية، متسائلين: “من هؤلاء الطلاب المستهدفين من هذه الخطوة؟، هم فقط فئة معينة من الطلاب القادرين مادياً فى الحصول على هذا النوع من التعليم، بينما الأغلبية العظمى غير قادرة على الاستفادة من هذا «التدويل»، أما فيما يتعلق بمساهمة هذه الخطوة في جذب الطلاب الوافدين من الدول المحيطة؛ للاستفادة من توافر فرص للتعليم الأجنبي من خلال هذه الفروع التي تواكب التغيرات العلمية والتكنولوجية وتلبي احتياجات سوق العمل، فيرى الخبراء أن مزاحمة الطلاب الوافدين لغيرهم من المتميزين المصريين ليس به أى نوع من الشفافية فى حقهم بالحصول على تعليم جيد وفرص عمل مناسبة.

من جانبه، يرى دكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، أن هناك جدلاً كبيراً حول تحديد مفهوم واضح لتدويل التعليم، وأنه يشمل الأبحاث المشتركة والبرامج البحثية واتفاقيات التوأمة بين الجامعات، خاصة أن لدينا 5 ملايين طالب يمثلون جزءًا مهما من منظومة التعليم الدولية، موضحاً أن هذا الجدل لا ينفى أهمية التدويل باعتباره ضرورة لبناء مستقبل المؤسسات التعليمية، ومطلبا أساسيا لتحسين الجودة والتنافسية في العملية التعليمية، ولكن بشروط ووفق معايير وآليات مدروسة بما يتناسب ومبدأ تكافؤ الفرص.

ويرى «شحاتة» أنه من الضروري وجود إستراتيجية لدى الجامعات تعبر عن هويتها للتفاعل مع تدويل التعليم بشكل مستمر، بحيث ترتكز استراتيجية الجامعات على دمج كل المؤسسات المعنية والأطراف المستفيدة لتتماشى مع رسالة الجامعة، مشيراً إلى أن تدويل التعليم أصبح واقعًا نعيشه في أنحاء العالم كافة، وأصبح هناك حاجة لأن يتسلح الخريجون بالمهارات التعليمية والعلمية اللازمة للدخول إلى سوق العمل، موضحًا أن هناك مصطلحًا يعرف بالحرب من أجل الموهبة، إشارة إلى أن الشركات وسوق العمل تتصارع على اجتذاب المواهب للعمل لديها، مؤكدًا أن هذا يعكس أن العولمة أصبحت تسيطر على العالم خاصة في مجال تبادل المعلومات، دون الالتفاف إلى الشفافية والمساواة بين الخريجين ولكن البقاء للأقوى ماديا حتى ولو لم يمتلك الموهبة.

الريادة

بينما أكد دكتور رضا الخولى، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة الأزهر، أنه رغم تطلع المؤسسات التعليمية إلى الريادة والدخول فى التنافسية الدولية، متحملة في ذلك مخاطر شتى ومسئوليات جسيمة، إلا أنه يصعب أن تحقق الريادة المزعومة في غياب تدويل مكونات المنظومة التعليمية برمتها، حيث يعد التدويل استراتيجية متكاملة تتضمن إجراءات تشمل كلًا من الجانب البشري والمادي والمناهج والبرامج الأكاديمية والبحث العلمي؛ بغرض إضفاء البعد الدولي عليها في إطار من التعاون المشترك، مع ضرورة استمرار تطبيق المعايير الدولية عليها؛ مما يؤدي إلى ضمان تطويرها ومواكبتها لكل ما هو جديد يعود بالنفع المباشر على الفرد والمجتمع.

ويرى أن سعى الدولة ممثلة فى وزارة التعليم العالى، لتخطو خطوات جادة نحو التدويل، حيث الرغبة فى التحسين والتطوير لكل من مواردها البشرية وبرامجها التعليمية بالاستعانة بنظائرها الخبراء والرواد في مجال التدويل، لا شك انه أمر مهم، ولا أحد يرفضه أو يقف فى سيبل تحقيقه، ولكن من المهم الاستعانة بأصحاب الخبرات من التربويين والأكاديميين، والذى يعد مظهراً من مظاهر تدويل التعليم أيضاً، بل وأساسًا لما يستهدفه التعليم الريادي عبر مخرجاته المرتقبة. وبناءً عليه، فإنه ينبغي على المؤسسة التعليمية، وفق مجال تعليمها النوعي، أن تتبنى المعايير الدولية في برامجها ومناهجها وما ترتبط به من أنشطة واستراتيجيات وأساليب للتقويم، بما يؤدي لزيادة قدرتها التنافسية، فما دون ذلك يعتبر مخالفة صريحة لرؤية ورسالة المؤسسة التعليمية بصورة عامة.

خدمات التعليم

وشدد «الخولى» على ضرورة أن نضع فى الاعتبار الإشارة إلى أن هناك فرقًا بين مفهوم تدويل التعليم العالى، وسياسة تحرير أو عولمة خدمات التعليم إذ يركز التدويل على إضافة البُعد الدولى إلى الأنشطة التعليمية والبحثية والإدارية بالجامعات، وبالتالي فإن تدويل التعليم العالى يرتبط أساسًا بالقيمة الأكاديمية للأنشطة الدولية وليس بالعائد الاقتصادي للتدويل، ومن هنا فيجب التفرقة بين تدويل التعليم وبين مفهوم التجارة فى خدمات التعليم، فالأول مقبول ومعمول به فى كل دول العالم، ولكن التجارة فى خدمات التعليم فعليه تحفظ كبير، لأن الخدمات التعليمية لابد أن تقدم بنفس الكفاءة لجميع الطلاب بناء على مبدأ الحق فى التعليم بشفافية كاملة.

من جانبها، انتقدت دكتورة صفاء سمير، أستاذ مساعد بكلية التربية جامعة حلوان، عدم مراعاة الدولة كل الطلاب على مختلف طبقاتهم الاجتماعية عند الحديث عن تدويل التعليم، والتوسع فى إنشاء أفرع للجامعات الأجنبية فى مصر، دون النظر إلى الفئات المستهدفة وما تمثله من نسبة ضئيلة جداً من إجمالى طلاب الجامعات المصرية، مشيرة إلى أن العملية التعليمية في مصر خلال الفترة الحالية يجب أن تستهدف استراتيجية توفير بنية تحتية قوية داعمة للتعلم وتطوير منظومة التقييم والتقويم فى ضوء أهداف التعليم وأهداف المادة العلمية، والتركيز على التقويم الشامل معرفياً ومهارياً ووجدانياً دون التركيز على العائد الاقتصادي من المنظومة التعليمية.

التنافسية

وأوضحت «صفاء» أن مبدأ تكافؤ الفرص يشغل بال كل المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي، حيث يرى البعض أن تكافؤ الفرص التعليمية لا يعني فقط المساواة في حق التعليم لكل الأفراد بل الأهم من هذه المساواة، هو المساواة في الفرص التي تمكن الطالب من التخرج والنجاح، فتكافؤ الفرص في التعليم يتضمن بالإضافة إلى التكافؤ في فرص القبول والالتحاق، تكافؤ في فرص الاستمرار فيه والنجاح والتحصيل والإنجاز وأخيرا فرص الحصول على متطلبات ومهارات سوق العمل.

وأكدت الخبيرة التربوية، أن إتاحة التعليم للجميع دون تمييز أهم محاور الإستراتيجية، والاعتماد على توفير الاحتياجات الدراسية اللازمة لكل مرحلة تعليمية، بما يراعى التفاوت فى الاحتياج على المستوى المحلى، بجانب تحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم من خلال التطور فى مؤشرات التعليم بتقارير التنافسية الدولية، مشيرة إلى أن حلم أى مواطن مصري هو تحسين جودة التعليم وتطوير البنية التعليمية بكل عناصرها، وخلق مسار جديد للتعليم، وتخصيص إعدادات خاصة بطلاب الجامعات، وتأهيل كفاءة مخرجات العملية التعليمية لصالح مستوى الطالب، مشددة على ضرورة مساهمة التعليم فى بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكاناتها إلى أقصى مدى لطالب مبدع ومسئول، وقادر على التعامل تنافسيًا مع الكيانات الإقليمية والعالمية.

وترى صفاء سمير، أن الحديث عن تدويل التعليم الجامعى يدفعنا فى نفس الوقت إلى القول إنه قد أصبح ضرورةً- وليس ترفًا- وضع الحلول العلمية والعملية القابلة للتطبيق فى ظل التوجه العالمى المنبثق من استراتيجية تدويل التعليم، والتى تحدد التدويل كوسيلة للارتقاء بالتعليم والبحث العلمى بتبنى البعد الدولى فى فعاليات التعليم وأنشطته الأكاديمية واستقطاب الخبراء والمختصين، وزيادة مهارات التواصل وتعلم اللغات الأجنبية، والتعاون الدولى فى المجالات الفنية والتدريب والبحث العلمى وتعزيز الشراكات سعيًا لتجديد نوعية التعليم والبحث العلمى، ورغم المحاولات المبذولة لتدويل التعليم الجامعى المصرى إلا أن هناك مجموعة تحديات تواجه تلك الجهود أهمها غياب فلسفة واضحة تقوم عليها سياسات التدويل، وانخفاض أعداد الطلاب الأجانب والوافدين إلى الجامعات المصرية يرجع إلى مجموعة من العوامل منها ما يرتبط بضعف البنية التحتية للجامعات والظروف الاقتصادية، كما أن جهود تدويل التعليم الجامعى محدودة ومتفاوتة بسبب غياب رؤية استراتيجية واضحة لتطوير القدرة المؤسسية للتعليم الجامعى فى مصر بما يتلاءم مع المعايير العالمية لتصنيف الجامعات.

بينما ترى دكتورة إيلاريا عاطف، خبيرة المناهج وطرق التدريس، أن من أبرز المشاكل التي تواجه التعليم الجامعى هي زادت الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، بسبب عدم ارتباط منظومة المنهج ببعضها، وضعف التنسيق والتكامل فى مجال التدريب، موضحة أن التعليم الجامعى يعتبر جزءًا هامًا من منظومة التطوير التعليمي والاقتصادي، حيث يوفر تدريباً مهنياً متخصصاً للطلاب ويعزز قدراتهم ومهاراتهم الفنية والمهنية، مما يؤهلهم للعمل في مختلف المجالات، كما يساعد في تطوير المجتمعات المحلية وتحسين مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات التي يعيشون فيها.

منح دراسية

وأكدت أن القيادة السياسية تولى اهتماما بالغا بفكرة تدويل التعليم، لذلك يمكن القول إننا أمام مسألة فى منتهى الأهمية ولم تعد مجرد نوع من الرفاهية، بل هى جزء أساسى فى العملية التعليمية على مستوى العالم، ووفقًا للرابطة الدولية للجامعات، تم وصف التدويل بأنه أمر حتمى لمؤسسات التعليم العالى، وفى الوقت نفسه فإن السوق العالمية للتعليم العالى- التى تتطور بسرعة- بجانب التطورات على صعيد الاقتصاد الكلى يؤثران فى طبيعة الأنشطة الدولية لمؤسسات التعليم العالى وكثافتها، موضحة أن فكرة التدويل ما زالت تحتاج إلى دراسة ايجابيات وسلبيات التطبيق فى مصر ومدى انعكاسها على طلاب الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة، خاصة أن سوق العمل المحلى اختلف كثيراً عن سنوات مضت، الأمر الذى شجع مؤسسات الدولة على مواكبة التطورات العالمية، لذا فإن متطلبات تدويل التعليم العالى تتطلب التحرك، وبشكل عاجل، على مستوى الدولة، وذلك بتحديث المناهج والبرامج الأكاديمية، واعتماد استراتيجيات وسياسات جديدة تتماشى مع ما وصل إليه التعليم فى العالم، بما ينعكس بالإيجاب على المنظومة بالكامل، ولكن فى المقابل يجب مراعاة الأغلبية العظمى من طلاب الجامعات، فمن المهم أن تحقق الدولة مبدأ تكافؤ الفرص، وذلك من خلال فتح باب المنح التعليمية والدراسية للطلاب المصريين المتميزين، فى تلك الجامعات الأجنبية سواء منحة كاملة أو نصف منحة، بحيث يكون لهم الفرصة فى الحصول على خدمة تعليمية مميزة، حتى وان كانت تلك المنح بمثابة تحدى أمام الدولة، فعليها توظيفها بما يخدم هذه الفئة من الطلاب.

التعليقات متوقفه